اختتم مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية السادس والعشرون (COP26) الذي أقيم مؤخرا في مدينة جلاسجو بالمملكة المتحدة أعماله بموافقة 197 دولة على ميثاق جلاسجو للمناخ، وسط آمال وترقب وتساؤلات عما إذا كان المؤتمر ناجحا أم أن التعهدات الخاصة بالإبقاء على 1.5 درجة مئوية زيادة في الاحترار العالمي لن يتم تحقيقها في ضوء المعطيات والجهود العالمية الحالية.
وذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن المحادثات في قمة المناخ كانت على وشك التعثر قبل ساعات من انتهاء أعمال القمة، إلا أن نائب رئيس المفوضية الأوروبية “فرانس تيمرمانز” ناشد ممثلي 197 طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن “يفكر كل ممثل في شخص واحد فقط في حياته، سيظل موجودا في عام 2030، وفي الطريقة التي سيعيش بها هذا الشخص إذا لم يتم الالتزام اليوم بالإبقاء على 1.5 درجة مئوية زيادة في الاحترار العالمي”.
ويبدو أن نداءه أدى إلى قبول الغالبية العظمى من المشاركين –وفقا للمجلة- مستوى معين من التنازل عن مخاوفهم، وإعلان دعمهم لما أصبح الآن ميثاق جلاسكو للمناخ.
وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي لاتفاقية باريس للمناخ، كما تم تحديده في عام 2015، هو الحفاظ على ظاهرة الاحتباس الحراري “أقل بكثير من 2 درجة مئوية”، إلا أنها تنص أيضا على أنه يجب على الدول “متابعة الجهود” نحو القيام بعمل أفضل والحفاظ على انخفاض درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
ومنذ ذلك الحين، اكتسب حد 1.5 درجة مئوية أهمية كبيرة. ويرجع ذلك جزئيا إلى تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2018 والذي شدد على مدى الضرر الذي قد يلحقه تغير المناخ حال تجاوز هذا المستوى، خاصة وأن بعض الدول الجزرية ربما لن تنجو من ارتفاع مستوى سطح البحر الذي قد ينتج عن حالة ارتفاع درجات الحرارة.
وكان مفهوم دائما أن تحقيق حد 1.5 درجة مئوية زيادة في الاحترار العالمي يتطلب تخفيضات في الانبعاثات أكبر بكثير من تلك المنصوص عليها في “المساهمات المحددة وطنياً” التي قدمتها الدول في باريس عام 2015.
ولتعويض أي تقصير، حدد الاتفاق جدولا زمنيا يتم بموجبه تصعيد تلك المساهمات المحددة وطنيا كل خمس سنوات، إلا أن جائحة “كوفيد-19” كان لها تأثيرا في الأشهر القليلة الماضية، مما أدى إلى ظهور المساهمات المحددة وطنيا كجزء من العملية التي أدت إلى ميثاق جلاسكو.
وترى “ذي إيكونوميست” أنه رغم ذلك، فإن الإعلان الأخير الخاص بالمساهمات المحددة وطنيا ليست كافية لجعل هدف 1.5 درجة مئوية قابلا للتحقق، حيث تظهر النمذجة الخاصة بأدوات تحليل الأرقام داخل قاعات جلاسكو أنه إذا تم الوفاء بهذه المساهمات، فستكون هناك فرصة بنسبة 68% لارتفاع درجات الحرارة إلى ما بين 1.9 درجة مئوية إلى 3.0 درجة مئوية، أي بمتوسط 2.4 درجة مئوية.
وإذا تم إضافة تعهدات مختلفة بتحقيق “صفر صافي” انبعاثات، ما يعني أن البلدان لا تصدر المزيد من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي أكثر مما تزيله منه، فربما خلال وقت ما حول منتصف القرن الحالي ستبدو الأمور أفضل، مع ارتفاع في الحرارة يصل إلى ما بين 1.5 درجة مئوية إلى 2.6 درجة مئوية.
وحتى الآن، فإن الحديث عن “صفر صافي” في الانبعاثات “مجرد كلام”، وفقا للمجلة البريطانية. فعلى سبيل المثال، قالت الصين إنها ملتزمة بوصول انبعاثاتها إلى ذروتها قبل عام 2030 وإلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2060 على الرغم من حقيقة أنها لا تزال تولد أكثر من 60% من الكهرباء عبر الفحم. كما أن خطط “صافي صفر” انبعاثات الخاصة بالعديد من البلدان الأخرى ليست واقعية في التفاصيل بشكل مثير للقلق.
وحتى السيناريوهات النموذجية التي تضع أكثر الافتراضات سخاء حول كيفية تنفيذ المساهمات الوطنية للحد من الانبعاثات، ترجح أنه بحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي سيكون العالم قد أطلق بالفعل ما يكفي من غازات الاحتباس الحراري، ما يعني تجاوز هدف 1.5 درجة مئوية بنسبة تصل إلى نحو 50%.
وكما تؤكد بريطانيا، الدولة المضيفة للمؤتمر، فمن أجل “الإبقاء على 1.5 درجة مئوية قائمة”، فإن ذلك يتطلب تسريعا إضافيا للعملية المحددة في باريس. وقدمت جلاسكو بالفعل ثلاث محاور قد تسرع الأمور وهي: تغيير الجداول الزمنية، وتعديل ترتيبات التمويل، والسماح بقدر أكبر من التعددية.
وإذا نظرنا إلى المحور الأول، سنجد أن النص الذي تمت الموافقة عليه في الجلسة العامة النهائية للمؤتمر، والذي يشكل الآن ميثاق جلاسكو، “يطلب” من الأطراف في اتفاقية باريس زيادة تعهداتهم بحلول عام 2022 بدلا من منتصف العقد.
وقد عارضت العديد من الاقتصادات الناشئة الكبيرة، وأبرزها الهند، هذا الأمر، على أساس أنهم كانوا يفعلون بالفعل كل ما في وسعهم. ومع ذلك، كان رأي الأغلبية أن حذف هذا البند من شأنه أن يقضي على فرص الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، ليوافق الرافضون بعد محاولات ماراثونية.
وركز المحور الثاني على تسريع التقدم نحو أهداف اتفاقية باريس على التمويل وتسهيل التدفقات النقدية الجديدة. ففي عام 2009، وعدت الدول الغنية بتوفير 100 مليار دولار من تمويل المناخ كل عام للبلدان الفقيرة بحلول عام 2020. ولكن بحلول عام 2019، وصل التدفق السنوي إلى 80 مليار دولار فقط، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي عام 2020، وبسبب جائحة كورونا لا يوجد إحصاء حديث متفق عليه، وإن كان الأغلبية يتفقون على أنه لم يتم الالتزام بالجدول الزمني.
ودائما ما تستخدم الدول الفقيرة هذه الجزئية للإشارة إلى أهمية تضامن الدول الغنية، حيث يشيرون إلى أن الغرب نما وأصبح ثريا من خلال حرق الوقود الأحفوري الذي يضر بالكوكب، وأن الدول الفقيرة لم تكن مسؤولة عن الضرر الأصلي، ما يتطلب تقديم مساعدات إليها.
وفي جلاسكو، جادلت الدول الفقيرة بأنها لا تملك الوسائل للتخلص من الكربون، وتغير حجم الأموال المطلوبة أيضا. فقد قالت الهند إنها بحاجة إلى تريليون دولار على مدى العقد المقبل إذا كانت ستخفض الكربون وتعزز المرونة أكثر مما كانت تقوم به بالفعل. وطالبت الدول الإفريقية بـ 700 مليار دولار كل عام. كما ناشدت مجموعة القيم V20، وهي مجموعة أسستها 20 دولة في عام 2015 ولديها الآن 48 عضوا، الدول الغنية لتحقيق هدفها السنوي البالغ 100 مليار دولار وسد الفجوة المتبقية من السنوات السابقة. ودعت الأسواق الناشئة الأخرى إلى وضع هدف سنوي أعلى بعد عام 2025.
بالطبع، لا تريد الدول الفقيرة المساعدة فقط في إجراء هذا التحول، إنهم يريدون أيضا تعويضا عن التأثيرات التي يخلفها تغير المناخ بالفعل وسيحدثها في المستقبل. وضغطت مجموعة الدول النامية “جي 77 والصين” من أجل إنشاء صندوق للتعويض عن هذه “الخسائر والأضرار”.
ولم تحقق اتفاقية جلاسجو كل ذلك، حيث أعاقت الدول الغنية خطط صندوق الخسائر والأضرار. وإن الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها أكبر مصدر تراكمي للانبعاثات في العالم، قلقة بشكل خاص من أن مثل هذه التحركات قد تفتح الباب أمام التزامات هائلة عليها. كما دفعت الدول الغنية الأخرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، نحو التراجع عن مسألة تعويض الفارق في التعهدات البالغة 100 مليار دولار بحلول عام 2020 (على أساس أن البيانات الحديثة ليست متاحة بعد)، وترك مسألة الموافقة على رقم جديد بعد عام 2025 عقب مزيد من المناقشة. وتم أيضا وضع خطط لمزيد من المناقشات حول صندوق الخسائر والأضرار واتفاق أكثر طموحا لتمويل المناخ لما بعد عام 2025.
لكن أحد المجالات التي فازت فيها البلدان الفقيرة ببعض الامتيازات كان يتعلق بتمويل التكيف مع المناخ، مثل بناء الجدران البحرية. ففي اتفاقية باريس، وعدت الدول الغنية بتمويل التخفيف والتكيف بمقياس متساو تقريبا، ومع ذلك فقد تم تخصيص ربع المبلغ الذي تم جمعه في عام 2019 والبالغ 80 مليار دولار للتكيف. بينما في اتفاقية جلاسكو، تعهدت الدول الغنية بمضاعفة المبلغ الممنوح للتكيف بحلول عام 2025 على الأقل. ورحب بذلك البلدان المتلقية.
واختبرت جلاسجو أيضا نماذج جديدة لتمويل إزالة الكربون في البلدان الفقيرة. فعلى سبيل المثال، وافقت أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا على حشد مبلغ 8.5 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة لجنوب إفريقيا. وفي المقابل، وافقت جنوب إفريقيا على إزالة الكربون من قطاع الطاقة المعتمد على الفحم مع حماية سبل عيش 100000 من الأشخاص الذين يعملون في هذه الصناعة. وسيتم رصد التقدم المحرز في هذا النهج خلال العام المقبل، وإذا كانت النتائج واعدة، يأمل المؤيدون أن تكون نموذجا لبلدان أخرى.
وبالنسبة للمحور الثالث الخاص بالسماح بقدر أكبر من التعددية، ففي جلاسجو، تم التركيز على تحركات –خارج الأمم المتحدة- من جانب مجموعات من البلدان والشركات والمدن التي تتحد معا وتضع أهدافا مناخية خاصة بها بناء على الإجراءات في قطاعات معينة. وتضمنت الصفقات البارزة التي تم الإعلان عنها في جلاسكو من قبل هذه المجموعات واحدة بشأن التخلص التدريجي من طاقة الفحم، وواحدة بشأن تقليل انبعاثات الميثان، وواحدة بشأن صناعة الخدمات المالية الخضراء وواحدة بشأن إنهاء إزالة الغابات.
وفي كل حالة، شاركت بعض الدول والشركات الكبرى. وأعطى ذلك انطباعًا بأن COP26 كان ينجز العديد من الأشياء. ولكن في كل حالة كانت بعض الدول الكبرى مفقودة.. تعهد الفحم على سبيل المثال، لم يشمل أكبر خمسة مستهلكين لهذه المادة في العالم. كما أن هذه العمليات متعددة الأطراف لا تملك بالضرورة الكثير لتقدمه عن طريق المساءلة.
ومع ذلك، يمكن للتحالفات الجديدة أن تسهم في المستقبل وتحقيق الأهداف المرجوة، حيث إن الحفاظ على حد 1.5 درجة مئوية زيادة في الاحترار العالمي يتطلب تقليل الانبعاثات السنوية بما يعادل ما بين 23 و 27 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.. في حين أن تخفيضات الانبعاثات الموعودة في المساهمات المحددة وطنيا الجديدة (خلال جلاسكو) تغلق تلك الفجوة بنحو أربعة جيجا طن فقط، وهذا هو السبب في أن وعود جلاسكو وحدها حتى الآن تجعل العالم يواجه ارتفاعا في درجة حرارة بمتوسط قدره 2.4 درجة مئوية.
ومع ذلك، فقد أظهرت الحسابات التي تم إجراؤها بعد إعلانات جلاسجو المختلفة المكاسب الإضافية التي يمكن تحقيقها من خلال التعهدات الجديدة، حيث إن التعهدات بشأن الفحم والغابات والميثان والمركبات الكهربائية تضيف مجتمعة ما يعادل 2 جيجا طن إلى التخفيض البالغ أربعة جيجا طن الذي حققته المساهمات المحددة وطنيا. ورغم أن هذه التعهدات ماتزال تترك التخفيضات أقل بكثير مما يتطلبه الوصول إلى حد 1.5 درجة مئوية؛ إلا أنها أيضا أفضل مما يمكن أن توفره المساهمات المحددة وطنيا وحدها.
ورغم أن قمة جلاسجو كانت في طريقها للدعوة إلى التخلص التدريجي من الفحم، وهي مهمة كبيرة خاصة بالوقود، لكن وبسبب مداخلات اللحظة الأخيرة، غيرت الهند الصياغة بحيث لا تتحدث الوثيقة النهائية للقمة إلا عن “التخلص التدريجي” من الوقود الأحفوري مع إبداء العديد من الدول التزامها بالتخلص التدريجي من طاقة الفحم وإنهاء التمويل الدولي للفحم.
وترى “ذي إيكونوميست” أنه من الصعب تصديق أن مثل هذه “الخدع” (المناورات وتغيير الصياغة من جانب دول كالهند) ستجعل العالم يشهد خفضا في انبعاثاته بشكل أكبر بكثير بحلول عام 2030 مقارنة بما هو مخطط له الآن حتى لو كانت الظواهر المناخية المتطرفة من النوع الذي أصبح شائعا حاليا وتؤكد الحاجة إلى القيام بذلك. لذا، من الصعب القول إن 1.5 درجة مئوية ما تزال على قيد الحياة إلا إذا شهدنا مشاريع ضخمة لسحب الكربون المنبعث بالفعل من الغلاف الجوي في العقود القادمة.
ومع ذلك، ما يزال هناك بعض الأمل، حيث يمكن للاتفاقيات متعددة الأطراف أن تحقق المزيد، وربما كانت هناك حكمة في التأكيد على حد 1.5 درجة مئوية وهي محاولة إبقائها على قيد الحياة وبذل الجهود من أجل ذلك، سيما وأن التمسك بهذا الهدف هو بمثابة “راحة” وإن كانت محدودة لأولئك الذين يشكل ارتفاع درجات الحرارة عليهم مخاطر وجودية بدلا من ترك الأمور تنزلق نحو الأسوأ.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )