ذي إيكونوميست البريطانية : هل استعدت الهند لمتحور أوميكرون بعد تجربتها المريرة مع دلتا ؟
مع انتهاء عام 2021 الذي شهد ذروة الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من متحور “دلتا” في الهند، وتطلعات ملايين المواطنين هناك بأن يحمل عام 2022 آمالا بعدم تكرار مشهد اكتظاظ المستشفيات بحالات كوفيد من متحور “أوميكرون”، أصبح السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الهند مستعدة لأوميكرون رغم الانتخابات والتجمعات الانتخابية؟ وهل تعلمت الدرس جيدا من موجة دلتا المدمرة عام 2021؟!.
وذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن العديد من الهنود كانوا يأملون الاحتفال بالعام الميلادي الجديد، إلا أن الاحتفالات جاءت صامتة، في ظل ارتفاع حالات الإصابة بمتحور أوميكرون شديد العدوى الذي بدأ في الانتشار بالهند أواخر ديسمبر الماضي.
وقد حظرت الشرطة في مومباي (المركز التجاري للهند)، التجمعات العامة، فيما أمرت عدة ولايات، إلى جانب العاصمة نيودلهي، بحظر التجول ليلا.
ولكن لم يكن التباعد الاجتماعي الذي تفرضه الحكومة فقط هو الذي أضعف الاحتفالات. فبالكاد مرت سبعة أشهر منذ أن اجتاحت موجة شرسة من متحور دلتا البلاد. وتسبب متحور كوفيد-19 في مقتل حوالي 5 ملايين هندي، وهي أعلى حصيلة في العالم.
وترى المجلة البريطانية أن سبب غياب احتفالات هذا العام مرتبطة بالذكريات المريرة لأهالي المتوفين، والمستشفيات المنهكة التي ماتزال رائحة الموت والحرق الجماعي تنبعث منها بشكل نفاذ. كما أن الخوف من تكرار مثل هذا السيناريو المرعب هو أكثر شيء يثير مخاوف السلطات الهندية، وهو ما حال دون إشعال الألعاب النارية للاحتفال بالعام الميلادي الجديد.
كما ترى المجلة أنه ليس هناك شك في أن الهند في طريقها لموجة إصابات ضخمة أخرى، حيث يرى “بول كاتومان” من جامعة كامبريدج، أحد مبتكري برنامج تعقب فيروس كورونا في الهند الذي توقع بشكل صحيح ذروة العام الماضي، أن اتجاه معدل تكاثر الفيروس ارتفع منذ منتصف ديسمبر الماضي بلا هوادة، فيما ارتفع عدد حالات الإصابات اليومية الجديدة أكثر من 15 مرة مسجلا ما يقرب من 91000 حالة.
وعلى الرغم من أن هذا العدد ما يزال بعيدا كل البعد عن 400000 حالة إصابة جديدة يوميا تم تسجيلها عندما بلغت الموجة الثانية ذروتها في مايو الماضي، إلا أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تصل الهند إلى هذا الارتفاع مرة أخرى، وسط ترجيحات بأن يكون الرقم المسجل أقل بكثير من الرقم الحقيقي.
ومهما كانت الموجة الجديدة مشؤومة، فإن الهند الآن أفضل استعدادا بكثير. ففي أبريل الماضي، كانت حملة التطعيم في البلاد بالكاد قد بدأت؛ الآن، تم استخدام حوالي 1.45 مليار جرعة. ووجد مسح أجرى في شهري يونيو ويوليو أن 68% من الهنود يحملون بالفعل أجساما مضادة للفيروس. كما كشفت استطلاعات الأجسام المضادة الحديثة أن: 87% تكون لديهم أجساما مضادة في مومباي في أغسطس الماضي و 97% في نيودلهي خلال أكتوبر 2021. ولكن لا يمكن لمثل هذه الدراسات معرفة ما إذا كانت الأجسام المضادة تكونت من خلال التطعيم أو نتيجة عدوى سابقة. لكن الدراسات وجدت أن 80% من الأطفال في دلهي يحملون أجساما مضادة، والسبب يعود إلى حملات التطعيم التي تمت لمن هم أقل من 18 عاما، الأمر الذي يشير إلى أن معدل الإصابات بالفيروس كان عاليا للغاية.
وعلى الرغم من الإخفاق في توفير جرعات معززة، فقد أعلنت الحكومة الهندية وبشكل متأخر أنها ستبدأ في توفير ما تسميه “الجرعات الاحترازية” للفئات الضعيفة اعتبارا من 10 يناير الجاري.
وهناك أسباب أخرى للتفاؤل الحذر. فالنظام الطبي في الهند جيد الإعداد نسبيا، حيث قدم كابوس العام الماضي دروسا قيمة. ويقول الأطباء إن فرقهم أصبحت الآن أكثر كفاءة وأفضل تجهيزا، بعد النقص الكارثي في الأكسجين الطبي سابقا حيث تمتلك العشرات من المستشفيات الآن وحدات إنتاج خاصة بها، كما أن شبكة مجموعات الإغاثة الخاصة التي بدأت العمل العام الماضي، والتي توفر كل شيء من الوجبات المجانية إلى خدمات الإسعاف إلى مكثفات الأكسجين، جاهزة أيضا لإعادة الانتشار.
ولكن حتى مع تزايد الأدلة على أن أوميكرون أقل احتمالية للتسبب في مرض شديد أو الوفاة من متحورات فيروس كوفيد الأخرى، يحذر الأطباء أيضا من بعض المخاطر. إن الحجم الهائل لسكان الهند، إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة وانتشار عوامل مثل المعدلات المرتفعة لسوء التغذية والسكري والسل، يشير إلى أنه ما يزال من الممكن أن يتعرض الملايين لخطر كبير. ويتمثل جزء من هذا الخطر في أن الأطقم الطبية ماتزال حتى الآن غير محمية بالجرعات المعززة، ما يشير إلى أنه حتى مع وجود أعراض أكثر اعتدالا وتعافيا أسرع، يمكن أن يؤدي سرعة تفشي العدوى بين الأطقم الطبية إلى شل نظام الرعاية الصحية بشكل شبه كامل.
وبحلول الخامس من يناير الجاري، بدأت المستشفيات في جميع أنحاء الهند في تسجيل نقص متزايد في الموظفين، مما دفع الحكومة إلى إلغاء العطلات وتقليص قواعد الحجر الصحي للمسعفين المصابين.
جدير بالذكر أن موجة العام الماضي تركت البيروقراطيين والسياسيين في موقف حرج للغاية، حيث تفاخروا باللقاحات المصنوعة في الهند بينما فشلوا في توفير ما يكفي للهنود، وتباطأوا في توفير الاحتياجات الأساسية مثل الأكسجين أو إصدار بيانات حول الفيروس.
والأكثر فظاعة، وفقا لذي إيكونوميست، أن ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي وأعضاء كبار آخرين في حزبه شجعوا التجمعات الدينية الضخمة وقاموا بحملات قوية في انتخابات الولاية، وعقدوا تجمعات عامة ضخمة على الرغم من انتشار الفيروس بشكل واضح.
وتتزامن الموجة المتصاعدة هذا العام مرة أخرى مع معارك انتخابية محتدمة في عدة ولايات هندية. حتى عندما أمر السياسيون بإغلاق المدارس وحظر التجمعات، استمرت مسيراتهم الخاصة. في ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند والولاية الحاسمة بالنسبة لمودي لإجراء الانتخابات الوطنية المقبلة في عام 2024، بالكاد تم تطعيم 30% من البالغين بشكل كامل. ومع ذلك، استمرت الحملة الانتخابية دون انقطاع، حيث ظهر رئيس الوزراء نفسه مرارا وتكرارا وسط حشود بلا قناع (ماسك طبي).
وستكشف الأيام والأسابيع المقبلة ما إذا كانت الهند قد استوعبت الدرس واستفادت من تجربتها مع متحور “دلتا” العام الماضي، أم أن الجولات الانتخابية والمكاسب السياسية ستفرض نفسها على حساب جهود مكافحة الجائحة.
المصدر: أ ش أ