بعد 7 أشهر على طرده من درنة في شرق ليبيا، يعود تنظيم داعش ليهدد هذه المدينة الساحلية التي لا تزال تحاول الخروج من عباءة التنظيم الجهادي ومحو آثار تطرفه عنها.
ولا تخضع درنة لسلطة أي من الحكومتين المتنازعتين على السلطة في ليبيا، السلطة المعترف بها دوليا في الشرق، والسلطة غير المعترف بها في العاصمة طرابلس، بل يحكمها تحالف جماعات مسلحة، بعضها إسلامية، تحت مسمى “مجلس شورى ثوار درنة”.
وقتل 6 من مسلحي المجلس خلال تصديهم لهجوم لتنظيم داعش قبل أيام حاول من خلاله دخول المدينة من جهتها الجنوبية الشرقية، بعد محاولة فاشلة مماثلة في كانون الثاني/يناير الماضي.
وفي ظل هجمات التنظيم هذه، عادت مؤخرا أجواء الاستعدادات للحرب عند أطراف المدينة، إذ أغلقت الشوارع بالكتل الأسمنتية والأشجار لقطع الطريق بين درنة ومواقع التنظيم المتواجد عند بعض الأطراف الجنوبية والغربية والشرقية.
ويتحصن مقاتلو مجلس الشورى خلف المتاريس من الأكياس الرملية في محاور القتال الشرقية، بينما ينتشر قناصته في المباني المرتفعة. وتتمركز دبابة عند الطرف الغربي للمدينة، موجهة مدفعها نحو أعلى الجبل المقابل استعدادا لقصف تحركات مقاتلي تنظيم داعش.
وقال قائد ميداني عند أحد محاور القتال في الشرق لوكالة فرانس برس “قررنا قتال التنظيم بسبب جرائمه، نفعل ذلك لأجل الله والوطن”، مضيفا “لسنا تنظيم قاعدة، نحن شباب ليبيون لا ننتمي لأي تنظيم ولا أي تيار، ونحن نقاتل لرفع الظلم”.
في الساحة الرئيسية التي نفذ فيها التنظيم الجهادي عمليات إعدام وقطع أيادٍ وجلد على مدى نحو عام، يقف محمد المنصوري مستذكرا مشاهد العنف والدماء التي طبعت الحياة اليومية لسكان درنة.
ويقول المنصوري لوكالة فرانس برس “في هذه الساحة، كان داعش ينفذ إعداماته بحق المواطنين. ومن هنا تحديدا، أراد ترهيب الناس وزرع الفزع فيهم ليثبت أنه القوي”.
ويضيف “لكننا طردنا هذا التنظيم”، آملا أن يكون ذلك إلى غير رجعة، على حد تعبيره.
على بعد أمتار قليلة من “ساحة القصاص”، كما كان يطلق عليها إبان حكم تنظيم داعش، يقع مبنى “المحكمة الشرعية” وقد امتزج لون واجهته الأخضر باللون الأسود بعدما أحرقه مواطنون إثر طرد التنظيم من المدينة.
وصدرت من هذا المبنى الأحكام المتشددة، ليكون بذلك الشاهد الرئيسي على مرحلة غلب فيها الخوف الذي دفع بمئات العائلات إلى مغادرة منازلهم وأعمالهم والفرار نحو مناطق أخرى هربا من بطش التنظيم.
وبعد نحو عام من السيطرة، انتفض مسلحو “مجلس شورى ثوار درنة” في المدينة التي لطالما عرفت في ليبيا على أنها المعقل التاريخي للجهاديين، على التنظيم، وتمكنوا في يوليو الماضي من طرده منها بعد معارك طاحنة.
وفي موازاة التصدي العسكري لمنع عودته، تعمل درنة بجد لمحو آثار أعماله من شوارعها وتفاصيل حياتها اليومية.
ويقول حلاق للرجال، فضل عدم الكشف عن هويته “في فترة حكم التنظيم للمدينة كانت مهنة الحلاقة تتعرض للتقييد، منعونا من حلاقة الوجه وبعض القصات التي تحاكي التسريحات العصرية الشبابية الحديثة”، وتابع “نحن نعمل براحة تامة الآن”.
ومنذ طرد التنظيم، عادت مؤسسات المدينة إلى العمل شيئا فشيئا، ففتحت مراكز الشرطة أبوابها، واستعاد المجلس المحلي نشاطاته، وأعيد تفعيل جهاز الحرس البلدي الذي يراقب المحال التجارية ويفرض عقوبات على مخالفي الأسعار وشروط السلامة الغذائية.
ويقول رئيس المجلس المحلي للمدينة محمد استيتة “أغلق التنظيم أبواب المجلس المحلي، ووضعنا في السجن كونه لا يرى بأحقيتنا في تقديم الخدمات للمدينة وفق معتقداته”.
ويضيف “نحن الآن نتعاون مع مجلس شورى المدينة في تأمين المدينة وتوفير احتياجات المواطنين اليومية”.
وعلى الرغم من أن “مجلس شورى ثوار درنة” يقدم نفسه على أنه مستقل، فإن تحالف “فجر ليبيا” الذي يتخذ من العاصمة طرابلس مقرا له، أعلن دعمه له لا سيما في حربه ضد التنظيم، وتبقى العلاقة غامضة بين الجانبين، إذ أن سلطة حكومة العاصمة، غبر المعترف بها دوليا، لا تشمل درنة.
ويرفض قياديو المجلس ربطهم بأي من الجماعات المتطرفة في ليبيا، مثل جماعة أنصار الشريعة الموالية لتنظيم القاعدة، والتي تملك حضورا في درنة، وفي بنغازي، الواقعة على بعد نحو ألف كيلومتر شرق طرابلس، وفي صبراتة التي تقع على بعد 70 كيلومترا غرب طرابلس.
ويعارض هذا التحالف بشكل خاص قائد قوات السلطات المعترف بها خليفة حفتر الذي غالبا ما تشن قواته غارات تستهدف مواقع “مجلس شورى مجاهدي درنة” في المدينة.
وقتلت امراة وابنها ومقاتلان من المجلس في غارة جوية أصابت مستشفى في المدينة في السابع من فبراير، دون أن تتضح الجهة التي تقف وراءها.
وبينما تسعى درنة للخروج من عباءة التطرف التي فرضها عليها داعش يتصاعد خطر التنظيم في ليبيا منذ سيطرته على مدينة سرت الساحلية، على بعد 450 كيلومترا شرق طرابلس في يونيو.
أما في درنة، فتزخر جدران الشوارع بالعبارات المناهضة للتنظيم المتطرف، وقام أحدهم بشطب عبارة “الدولة الإسلامية باقية” على أحد الجدران، وكتب تحتها “لا باق إلا وجه الله”.
المصدر: وكالات