مع بدء العد التنازلي لإستعادة الجيش السوري للجنوب (محافظة درعا)، التي شهدت بدايات الأزمة السورية، بإندلاع التظاهرات والاحتجاجات ضد النظام السوري في 15 مارس 2011 عقب اعتقال وتعذيب بعض الشباب المراهقين الذين رسموا شعارات ثورية على حائط مدرسة، واستغلها تنظيم الإخوان المسلمين لتفجير ثورة أسوة بما حدث في مصر، ثم تداعت وتمددت الأحداث بتدخلات إقليمية ودولية، وتنظيمات إرهابية، ليشتعل الصراع في سوريا على مدى نحو 7 سنوات.. ويصبح التساؤل الآن في ضوء التطورات الأخيرة: هل تسجل «درعا» أيضا بداية نهاية الأزمة
البداية مع تدخل قوات الجيش السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي، منذ أسبوعين تقريبا ( 19 يونيو)، وشن عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا بهدف استعادتها بالكامل، وتمكنت بموجبها من توسيع نطاق سيطرتها إلى أكثر من خمسين في المائة من مساحة المحافظة، عبر الحسم العسكري والمصالحات والتسويات، با ستسلام مقاتلي الفصائل وتخليهم عن سلاحهم الثقيل والمتوسط، وإجلاء من يرفض ذلك من المقاتلين والمدنيين إلى شمال البلاد على غرار ما حصل في الغوطة الشرقية قرب دمشق، مقابل دخول قوات النظام.. بينما تجمع ألاف المواطنين رافعين الأعلام السورية وصوراً للرئيس بشار الأسد، مرددين الهتافات المؤيدة له وللجيش.. وأصبح التوجه في غالبية البلدات هو القبول بالتسوية التي تتضمن تسليم المقاتلين سلاحهم والرحيل من درعا.
التحرك السوري لإستعادة محافظة الجنوب الإستراتيجية (درعا)، يدعمه التفاهم الأمريكى الروسى بشأن جنوب سوريا، وتمثل فى الآتى: عودة قوات الجيش السورى إلى الجنوب.. توجه مسلحى المعارضة فى الجنوب نحو إدلب في الشمال.. رفع واشنطن الغطاء العسكرى عن فصائل الجبهة الجنوبية.. وتنسيق عسكرى بين إسرائيل وموسكو يقبل بوجود الجيش السوري بالجنوب.. بينما يصر الوفد الروسي «المفاوض» على دخول قوات النظام والأمن لكل البلدات، ويشمل هذا معبر نصيب الحدودي مع الأردن، ودرعا المدينة، وبصرى الشام كلها دون استثناء.
التطورات في الجنوب السوري ومحافظة درعا، تزامنت مع طرح الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) فكرة سحب القوات الأمريكية من سوريا، خلال لقائه مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، مطلع الأسبوع الماضي، وكشفت مصادر مطلعة على اللقاء، أن الرئيس ترامب يسعى إلى عقد اتفاق مع الرئيس الروسي،بوتين، للحصول على ضمانة من الروس بعدم تعرض قوات المعارضة المدعومة أمريكيا لمجازر، إذ إنه يرغب بمنحهم فرصة للخروج الآمن من المنطقة، وفي المقابل ستقوم روسيا بإقامة منطقة عازلة في جنوب غربي سوريا لضمان عدم وجود قوات إيرانية في المنطقة، وهو الأمر الذي يشكل جزءا أساسيا من خطة ترامب للانسحاب من سوريا بأسرع وقت.
وتسعى المعارضة السورية المسلحة، إلى الخروج بشروط أفضل من المفاوضات التي بدأتها مع الروس، وتراها «شروطا مذلة»، وفي حين يرغب النظام السوري في خروج الرافضين للمصالحات إلى الشمال السوري، وتسليم ادارة معبر نصيب الحدودي، وبدا واضحاً أن الروس نجحوا تحت الضغط، في فصل المفاوضات مع ممثلي محافظة درعا عن محافظة القنيطرة ذات الحسابات الأصعب نظراً لحساسية قربها وملاصقتها لمناطق واسعة من الجولان السوري المحتل.في الجنوب السوري.
التطور المرتقب بعد استعادة الجيش السوري السيطرة علي الجنوب ومحافظة درعا، هو فيما يتعلق بمعبر «نصيب» الحدودي وإعادة فتحه، وبالتالي فتح الباب واسعا لعودة العلاقات التجارية والحركة بين الأردن وسوريا، ، ما يتوقع معه أن ينعكس إيجابيا وبقوة على المملكة الأردنية واقتصادها، خاصة في ظل حاجة سورية في مرحلة الإعمار المقبلة الى السوق الأردني، الأقرب لها، على غير صعيد، ومن المرجح أن تبدأ الآثار الإيجابية له خلال أشهر في ظل تسارع عمليات الحسم واستعادة ما تبقى من أراض ومناطق بأيدي المعارضة السورية والتنظيمات المسلحة.
وبموازاة مواصلة القصف والمعارك، يواصل الروس مفاوضات على مستويين؛ الأول مع وجهاء المدن والبلدات، والثاني مع ما تبقى فيها من مقاتلين، وفق شروط «تسليم الفصائل السلاح الثقيل والمتوسط، وتسليم معبر نصيب الحدودي، ودخول شرطة مدنية سورية فقط إلى الأراضي التي كانت خارج سيطرة النظام، ويتم تسوية أوضاع للمطلوبين، ويسرّح المنشقون أو من يرغب العودة، ويؤجل المطلوبون لخدمة العلم لمدة سنة، وكل من يثبت عليه جريمة على أن تكون موثقة بتصوير يتم اعتقاله من الشرطة الروسية ومحاسبته أصولا»..كما تضمنت بنود الشروط أنه «بعد 15 يوما تقريبا يتم تسليم السلاح الخفيف، فيما يعود جميع الناس المطلوبين وغير مطلوبين إلى قراهم، وتهجير كل من لا يرغب بالتسوية أو المصالحة».
ويشير المراقبون لتطورات الأوضاع في جنوب سورية، وفي محافظة درعا ـ تحديدا ـ التي شهدت بداية انفجار الأزمة السورية، واطلق عليها وقتئذ «هبة درعا».. إلى موقف أمريكي لم يكن متوقعا بالتنسيق مع روسيا لعودة الاستقرار في الجنوب السوري تحت سيطرة النظام السوري، وفي إطار صفقة مع روسيا بشأن سوريا، التي ستتصدر جدول أعمال القمة الرسمية الأولى بين رئيس الولايات المتحدة «ترامب» ونظيره الروسي «بوتين» يوم 16 يوليو الجاري، في ضواحي العاصمة الفنلندية هلسنكي.