الأخطاء التي وقعت فيها معاهد الاستطلاع عشية الاستفتاء التاريخي بشأن عضوية بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، ضاعفت حتما من حجم الصدمة الناجمة عن فوز مؤيدي انسحاب المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي.
وبعد أن كانت استطلاعات الرأي قد وضعت مؤيدي “معسكر البقاء” في المقدمة، جاءت النتائج النهائية لتكشف عن فوز “فريق الخروج”، الأمر الذي أحدث زلزالا سياسيا واقتصاديا في بريطانيا وأوروبا وهزات ارتدادية حول العالم.
والعالم الذي كان يتابع بقلق المعركة الشرسة بين مؤيدي بقاء بريطانيا في التكتل الأوروبي ومناصري خروجها، تلقى “تطمينات” مراكز الاستطلاع بارتياح، قبل أن يصدم بخبر فوز معسكر الخروج الذي ضرب الأسواق العالمية.
ولا شك أن الصدمة الناجمة عن فوز مناصري انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي، غير المتوقع من مراكز الاستطلاع المختلفة، كانت العامل الأبرز الذي ساهم في انهيار الأسواق العالمية في يوم وصف “بالأسود”.
وفي مراجعة بسيطة لأبرز نتائج الاستطلاعات قبل أيام قليلة على الاستفتاء المصيري، نرى أن استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أو.آر.بي” أظهر أن نسبة التأييد لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي بلغت 53 في المئة، مقابل 46.
أما الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة كومريس، ونشرت نتائجه قبل يوم من الاستفتاء، فكشف أن المعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا قد عزز تقدمه على المعسكر المؤيد لخروجها من التكتل الأوروبي، الذي انضمت إليه قبل 40 عاما.
ومؤسسة “يوجوف” نشرت أيضا عشية الاستفتاء نتائج استطلاع للرأي، أظهرت أن “معسكر البقاء” سجل نسبة تأييد بلغت 51 في المئة، مقابل 49 في المئة رفضوا البقاء في الاتحاد الأوروبي الذي يعد أحد أقوى التكتلات.
ولم تقتصر أخطاء مراكز الاستطلاع “المتعمدة” أو “غير المقصودة” على الأيام التي سبقت الاستفتاء، بل طالت أيضا “يوم الاستفتاء” نفسه، حين أشارت إلى تقدم المعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا بعد بدء عملية التصويت.
فمؤسسة يوغوف، على سبيل المثال لا الحصر، قالت إنه وفقا لاستطلاعات الرأي التي اعتمدت على آراء أناس أدلوا بأصواتهم، فإن 52 في المئة صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي و48 في المئة أيدوا الخروج.
وهذه التقارير المغلوطة أنعشت الأسواق المالية، فالإسترليني بلغ ذروته عام 2016 بعد بدء عملية الاستفتاء بسبب توقعات ببقاء بريطانيا في التكتل، قبل أن ينهار أمام معظم العملات الرئيسية بسبب حجم المفاجأة.
والصدمة البريطانية ضربت على الصعيد الاقتصادي الأسواق العالمية من الولايات المتحدة إلى شرق آسيا مرورا بالطبع بالقارة الأوروبية، كما زلزلت الاتحاد الأوروبي، حيث علت الأصوات في دول عدة للمطالبة باستفتاء مماثل.
واللافت في”قصة صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي” أن أخطاء أو “كذب” استطلاعات الرأي رافقتها منذ البداية، أي قبل الانتخابات العامة عام 2015 التي منحت ديفيد كاميرون وحزبه “المحافظين” فوزا غير متوقع.
فقبل الانتخابات، أظهرت معظم نتائج استطلاعات الرأي تقدم مريح لحزب العمال، بزعامة إد ميليباند، على حزب المحافظين، الذي كان يسعى رئيسه كاميرون لولاية جديدة على رأس الحكومة البريطانية.
إلا أن الانتخابات، التي نظمت في مايو 2015 على وقع توقعات بفوز العمال، فجرت صدمة بفوز “المحافظين”، الذي كان زعيمه كاميرون قد وعد قبل عامين بتنظيم استفتاء عام 2017 على عضوية بريطانيا، في حال فوز حزبه.
وبالفعل، فاز حزب المحافظين بالانتخابات، ونجح كاميرون بتشكيل حكومة جديدة لينفذ وعده الانتخابي قبل الموعد بعام واحد، وذلك بعد أن كان قد توصل لاتفاق حول إصلاحات بالاتحاد الأوروبي كان يطالب بها.
ويبدو أن مراكز استطلاعات الرأي، والمؤسسات التي تقف وراءها، رسمت، عن قصد أو غير قصد، مسار خروج بريطانيا، فنتائجها المطمئنة تسببت على الأرجح في تراخي الفريق الذي كان من المفترض أن يفوز وفق توقعاتها.