أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن قدماء المصريين علموا العالم هندسة وفلسفة البناء حيث مثلت المبانى فلسفة خاصة بمصر القديمة انطلقت من وازع دينى وفلسفى يحمل فى طياته الشموخ ومحاولة الصعود للسماء للتقرب من المعبودات.
وقال ريحان “إن العمارة لدى القدماء المصريين كانت أول خط للسماء رسمته البشرية، بدأ بالخطوط الهندسية الأفقية ومسطحاتها المستوية التى عبر عنها بالمصاطب، وارتفعت المصاطب عن سطح الأرض فى طبقات متراصة فوق بعضها لتصنع الأهرامات المدرجة سلم الطريق إلى السماء، وانتقلت منها إلى الأهرامات الهندسية الأشكال والرياضية التقويم بأضلاعها المنحنية والمستقيمة وأسطحها الزخرفية الملساء”.
وأضاف أنه عقب ذلك ارتفع الهرم بقاعدته عن سطح الأرض لتظهر معابد الشمس ثم تعلو فوق قائم يشق طريقه نحو السماء لتظهر المسلات الرشيقة بقمتها الهرمية تناطح السحاب بفكر راقى يفوق بمراحل هندسة ناطحات السحاب حديثا، وذلك طبقا لما جاء فى كتاب الدكتور سيد كريم “لغز الحضارة المصرية”.
وأشار ريحان إلى أن العمارة المصرية انتقلت من الجدران والحوائط العالية إلى الدعامات والقوائم والأعمدة التى تحمل الأعتاب والكمرات والأسقف لتضع أسس الهياكل الإنشائية بتعدد نظريات تكوينها التى تغيرت أبعادها ونسبها تبعا لتغير مواد البناء، مؤكدًا أن فن العمارة المصرية لم يكن وليد الاجتهاد والابتكار الفنى بل خلاصة تكنولوجيا علم البناء الذى وضع أسس كثير من نظريات العمارة وعلوم الإنشاء فى مختلف الحضارات القديمة وامتدادها لعمارة العصر الحديث.
وأوضح أن أعمال التنقيب والدراسات الأثرية والهندسية حديثا كشفت أن قدماء المصريين منذ عصر ما قبل الأسرات قد وضعوا مثلث تكنولوجيا علم البناء للعالم أجمع، وتتكون أضلاع المثلث من وحدة البناء وهى قالب الطوب الذى ابتكره المهندس المصرى منذ 8000 عام، وأطلق عليه اسم (توبى) وحدد شكله ونسب أبعاده الذى يحفظها العالم إلى اليوم، وكان يؤرخ لعصر معين من مقاسات طوب البناء.
ولفت ريحان إلى أنهم اكتشفوا الطوب الأحمر فى نهاية الدولة القديمة والضلع الثانى وحدة القياس إبتداء من البوصة الهرمية إلى الذراع المعمارى، واخترع الأرقام التى حدد بها وحدات القياس وعلوم الرياضيات والهندسة التى وضعت نظريات فن العمارة وعلوم الإنشاء، بالإضافة لاختراع وحدات قياس الزمن والضلع الثالث وحدة التشكيل إبتداء من الخط المستقيم إلى مختلف الزوايا والمنحنيات وتشكيلاتها الهندسية وما ارتبط بها من حساب المثلثات الهندسية الوصف والعلوم التشكيلية.
وأكد أن قدماء المصريين أقاموا مبانى الخلود بالحجر والجرانيت لتبقى أبد الدهر، بينما بنوا مبانى الحياة بالطوب النيئ ليكون عمرها مرتبط بعمر الإنسان نفسه، ثم تطورت هذه المبانى نفسها حسب احتياجات كل عصر، منوها بأن المصرى القديم خلد تصميماته الهندسية وروائع فنه المعمارى على صفحات أوراق البردى ولوحات الأستراكا، كما نحت بعض النماذج المعمارية للمقابر على جدران أصحابها وجدران التوابيت.
وبين ريحان أن حفائر الدولة القديمة وعصر ما قبل الأسرات كشفت عن نماذج القصور ودور الحياة العامة التى كانت تضمها أسوار هرم زوسر ونماذج للقصور وتصميمات واجهاتها فى مقابر “أبيدوس”، ومن بينها واجهات قصر الملك برايشن أحد ملوك الأسرة الثانية، والملك يوداجى من ملوك الأسرة الأولى.
وأشار إلى أن المصرى القديم عرف المبانى الجاهزة والسابقة التجهيز، وكانت تصنع حوائطها من وحدات خشبية متماثلة تثبت فى بعضها البعض بأربطة من الجلد، والتى تثبت بدورها على قواعد حجرية، كما صنعت وحدات ثابتة النماذج للأبواب والشبابيك التى يمكن فكها وتركيبها بسهولة، وكان القواد يستعملون المبانى الجاهزة فى ميادين الحرب بدلًا من الخيام أو فى رحلات الصيد، كما وجدت نماذج منها يستعملها المهندسون للإقامة أثناء إقامة المنشآت وتخطيط المدن وبناء المعابد.
ولفت ريحان إلى استخدام قدماء المصريين المبانى الجاهزة والمبانى سابقة التجهيز فى بناء مدن بأكملها، ومن أقدمها مدينة “خنت كاوس” إحدى المدن التى بنيت فى الأسرة الرابعة 2565 ق.م، والتى بنيت لتأوى عمال وفنيين بناة الأهرامات ومعابدها الجنائزية، وقد أهديت لهم بعد اكتمال البناء مما يؤكد بالدليل الأثرى أن قدماء المصريين هم بناة الأهرام وبناة كل حضارتهم العظيمة.
المصدر: أ ش أ