انتهى استفتاء كردستان العراق، الذي جرى أمس الاثنين، وسط توتر لم تشهد له مثيلاً العلاقات بين الإقليم العراقي وكل من بغداد ودول الجوار، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، الحليف الأبرز والأهم على مدى سنوات للسلطات في أربيل.
وعلى الرغم من أن الاستفتاء ليس ملزماً للحكومة العراقية المركزية، وليس لديه مفاعيل “قانونية ودستورية” داخلياً (لأنه جاء متعارضاً مع قرار المحكمة العليا، وقرار الحكومة المركزية والبرلمان العراقي على حد سواء) وعلى الصعيد الدولي، إلا أن السؤال يطرح وإن باكراً، هل “دولة الأكراد” تلك أو دولة كردستان “الحلم المنتظر” بالنسبة لشريحة كبيرة من أكراد العراق، في حال انفصالها قابلة للعيش وسط تلك الأجواء والظروف المشحونة والمناهضة لاستقلالها في هذا التوقيت، الذي تعتبره الولايات المتحدة كما بغداد غير مناسب على الإطلاق ؟
“غضب دول الجوار”
يبدو أن الإجابة أتت سريعاً، الاثنين، وقبله بأيام من قبل إيران وتركيا، اللتين لوحتا بعظائم الأمور، وبما سمّته أنقرة على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدرم بـ “خطوات اقتصادية وأمنية وسياسية”.
تهديد يلدرم سرعان ما ترجمه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بلهجة أقوى وأوضح الاثنين قائلاً:” سنغلق المعابر بشكل كامل مع كردستان، ونمنع تصدير النفط من الإقليم”.
ويكتسب هذا التصريح أهمية كبرى حين نعي أن أكراد تركيا يفوقون عدداً أكراد العراق، وبالتالي تعتبر تلك المسألة مصيرية بالنسبة لأنقرة.
فتعداد الأكراد يتراوح حسب عدة إحصائيات بين 25 و35 مليون نسمة، ويعيش القسم الأكبر منهم في تركيا (ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالي 20% من إجمالي السكان)، ثم إيران (حوالي 6 ملايين، أقل من 10%) ثم العراق (4,69 مليون نسمة، ما بين 15 إلى 20%) وأخيرا سوريا (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان).
ولعل في تلك الأرقام، تفسيراً لمواقف دول الجوار من “دولة الأكراد”.
بدورها، اعتبرت إيران الاستفتاء مرفوضاً، ولوحت بإغلاق حدودها. حتى إن بعض التصريحات أتت أكثر حدة، لاسيما ما نسب إلى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بأنه لن يردع ميليشيا الحشد من الهجوم على قوات البيشمركة بعد الآن.
وثبتت أم لم تثبت صحة هذا التصريح فإن ميليشيات الحشد هددت صراحة باقتحام كركوك والمناطق المسيطر عليها من قبل البيشمركة.
إذا حدود “كردستان” ستغلق وتحاصر الدولة المنتظرة قبل أن ترى النور من جهة إيران وتركيا.
أما من الناحية السورية، فعلى الرغم من أن أكراد الشمال السوري تعاطفوا مع هذا الاستفتاء، وأكدت هادية يوسف، رئيسة ما يسمى “المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي في شمال سوريا”، أن معبر سيمالك الحدودي مع إقليم كردستان وغيره من المعابر سيبقى مفتوحاً، إلا أن المشهد السوري لم يستقر بعد، كما أن خريطة النفوذ لم تصل إلى وجهها النهائي.
ويبقى الأبرز، الحدود مع العراق في حال تم الانفصال التام والاستقلال، فالحكومة العراقية أكدت أنها لم ولن تعترف بأي نتائج لهذا الاستفتاء الذي تعتبره غير دستوري، حتى إن الجيش العراقي بدأ مناورات عسكرية مشتركة مع تركيا على الحدود.
“خنق للأنفاس”
كل ذلك يشي بخنق للأنفاس لن تتمكن الدولة المشتهاة من قبل السلطات الكردية في كردستان من تحمله.
فموقف بغداد سينعكس وقفاً لتمويل قوات البيشمركة الذين يقبضون معاشاتهم من السلطة المركزية، وإقفالاً للحدود.
كما قد يتطور لاشتباك أمني في المناطق المتنازع عليها، والتي ضمتها سلطات كردستان قبل سنوات، وأولها كركوك الغنية بالنفط.
كما أن إقفال المعابر بين كردستان ودول الجوار سيؤدي إلى ما يشبع “النزاع” والموت البطيء على صعيد تصدير النفط من الإقليم إلى الخارج.
وبات معروفاً أن مئات الآلاف من براميل النفط يصدرها إقليم كردستان يومياً عبر ميناء جيهان التركي، بعد مشروع مشترك مدت تركيا بناءً عليه خط أنابيب يربط بين الإقليم والميناء المتوسطي.
عراقيل عديدة إذاً تنتظر “دولة كردستان” إذا ما عزمت المضي قدماً في انفصالها عن بغداد، ولا شك أن الأيام القادمة والمواقف الدولية والكردية، ستنجلي وتتوضح أكثر، بانتظار المشهد النهائي.