شهد عام 2022 حراكا بلبنان على كافة المستويات سعيا لوقف الانهيار الاقتصادي المتسارع في ظل خلافات سياسية تعمقت خلال الاستحقاقات الدستورية العديدة على مدار العام الذي ينتهي اليوم، حيث تمكنت الدولة اللبنانية من إجراء استحقاق دستوري وحيد على مدار العام تمثل في انتخاب مجلس نواب جديد فيما تعثرت في تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات خلفا لحكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي التي تقدمت باستقالتها عقب انتخاب مجلس النواب الجديد، كما تعثرت أيضا في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر الماضي. وكان من اللافت على مدار العام أن كل شهر من شهوره تميز بحدث كبير ومؤثر في مسيرة الدولة اللبنانية.
بدأ العام 2022 بأزمة حكومية كبرى موروثة من أواخر العام السابق، وهي الأزمة التي هددت بتطيير حكومة ميقاتي قبل أن يمضي على تشكيلها بضعة أسابيع والمتمثلة في تعطيل عمل مجلس الوزراء بالكامل بسبب رفض وزراء الثنائي الشيعي في الحكومة اللبنانية المشاركة في الاجتماعات اعتراضا على مسار التحقيقات في انفجار ميناء بيروت البحري. وشهد الرابع والعشرون من شهر يناير الماضي انفراجة في هذه الأزمة تمثلت في عقد جلسة لمجلس الوزراء بحضور جميع الوزراء بعد توقف دام لأكثر من 100 يوم وبجدول أعمال من 56 بندا، ولكن بعد تعطيل مسار التحقيقات في انفجار ميناء بيروت البحري، حيث تقدم عدد من المدعى عليهم في التحقيقات بطلبات رد لقاضي التحقيق طارق البيطار وطلبات مخاصمة الدولة مما أدى لكف يده عن التحقيقات لحين البت في تلك الطلبات التي تنتظر حتى اليوم إصدار التشكيلات القضائية لنظرها.
وبالتزامن مع الانفراجة في الملف الحكومي، حمل شهر يناير بوادر لحل الخلافات بين لبنان ودول الخليج والتي أدت لسحب المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات والبحرين لسفرائهم من لبنان في الربع الأخير من العام الماضي، حيث تقدمت الكويت بمبادرة من عدة بنود أبرزها الالتزام باتفاق الطائف واتخاذ إجراءات لمنع تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج.
وفي فبراير، تفاقم انهيار الأوضاع الاجتماعية نتيجة استمرار سياسات الحكومة في رفع دعم سعر صرف الدولار نهائيا في كافة السلع باستثناء الخبز، فقامت مصر بإرسال أكبر شحنة مساعدات غذائية ودوائية ومعيشية مصرية تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث خرجت السفينة محملة بقرابة 500 طن من المساعدات من ميناء دمياط البحري، وتسلمتها السلطات اللبنانية في ميناء بيروت خلال شهر فبراير بحضور عدد من الوزراء اللبنانيين وسفير مصر بلبنان ياسر علوي والقنصل العام أحمد إمام.
وتعد الشحنة الجديدة هي الأكبر من جسر المساعدات المصرية التي تصل إلى لبنان منذ انفجار ميناء بيروت، حيث تبلغ الشحنة ٤٨٧.٥ طن وتتضمن ٢٦٥ طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية التي تغطي مستلزمات علاج فيروس كورونا بالإضافة إلى أدوية لعلاج الأمراض المزمنة كالضغط والقلب والسكر، و١٢٢ طنا من المواد الغذائية و١٠٠ طن من مواد الإعاشة.
وفي شهر مارس، شهد السباق لانتخابات مجلس النواب اللبناني مفاجآت عديدة أبرزها انسحاب تيار المستقبل (كتلة سنية شكلت الكتلة الأكبر في مجلس النواب السابق) بشكل نهائي من المشهد الانتخابي باستثناء عدد من الأعضاء الذين خاضوا الانتخابات على قوائم أخرى، كما عزف عن الترشح أسماء بارزة في البرلمان من بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، فيما رفض رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة خوض المعترك الانتخابي بنفسه ودخل بقائمة مدعومة منه.
وفي شهر أبريل، تم الإعلان عن نجاح المبادرة الكويتية لحل الأزمة بين لبنان ودول الخليج، وعاد عدد من سفراء الخليج للبنان ومنهم سفير المملكة العربية السعودية وسفير الكويت وسفير البحرين.
كما توصلت السلطات اللبنانية لاتفاق مبدئي على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في خطوة اعتبرت إنجازا غير مسبوق بعد قرابة 3 سنوات من المفاوضات غير المجدية بين الصندوق ولبنان بسبب اختلاف احتساب والخسائر بين أرقام الحكومة وأرقام مصرف لبنان المركزي.
وتمكنت حكومة ميقاتي من توحيد الأرقام والتوصل إلى اتفاق مبدئي وفقا لعدة خطوات من بينها إقرار قوانين في مجلس النواب، وهو الأمر المتعثر حتى الآن، إذ لم يصدر سوى قانونين من بين قرابة 5 قوانين تعد أساسية من قبل الصندوق.
وكانت التوقعات أن يحصل لبنان على قيمة التمويل التي ينص عليها الاتفاق وقدرها 3 مليارات دولار خلال شهر أغسطس الماضي حال أنجزت التشريعات، إلا أن العام انتهى دون تقدم ملموس.
أما شهر مايو، فاستطاعت الدولة اللبنانية إنجاز إجراء الانتخابات النيابية في الخارج والداخل بنظام القائمة النسبية، والتي أسفرت عن خسارة فريق 8 آذار – المدعوم بالثنائي الشيعي وحلفائهما والتيار الوطني الحر التابع لرئيس الجمهورية آنذاك – للأغلبية النيابية بحصولهم على قرابة 61 مقعدا من بين 128 مقعدا، فيما لم تتمكن المعارضة من حصد الأغلبية أيضا وباتت تركيبة البرلمان اللبناني موزعة بين كتلة 8 آذار (قرابة 61 عضوا) وكتلة 14 آذار – أحزاب القوات اللبنانية والكتائب والتقدمي الاشتراكي وحلفائهم (قرابة 45 عضوا)، فيما برزت كتلة جديدة ومستقلون لم يرجحوا أيا من الكفتين حتى الآن.
وبمجرد بدء ولاية مجلس النواب في 21 مايو، تم إعلان استقالة الحكومة التزاما بنص الدستور وتكليفها بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.. وفي آخر الشهر تم إعادة انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب للمرة السابعة على التوالي.
وفي شهر يونيو، أسفرت الاستشارات النيابية الملزمة بين رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب عن إعادة تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة.
وقام ميقاتي بتقديم مقترح تشكيلته الحكومية الجديدة لرئيس الجمهورية بعد 3 أيام فقط من تكليفه في أسرع مشاورات تشكيل في تاريخ لبنان، إلا أن خلافات بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية حالت دون إعلان تشكيل الحكومة حتى انتهاء ولاية الرئيس في 31 أكتوبر الماضي، مما عطل استحقاقا دستوريا هاما أدخل البلاد في جدل سياسي واسع، حيث يشترط الدستور أن يتم تشكيل الحكومة بموافقة رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية معا وهو ما جعل رئيس الجمهورية شريكا في عملية التشكيل إلى جانب القوى السياسية التي يتطلب التشكيل التوافق معها من أجل ضمان نيل الحكومة لثقة مجلس النواب.
كما شهد شهر يونيو اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية العرب في العاصمة اللبنانية بيروت بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في أول حضور وزاري على هذا المستوى في لبنان منذ بداية الأزمة في عام 2019.
وفي يوليو، شهد لبنان أزمة حادة بسبب إضراب موظفي القطاع العام عن العمل بشكل شبه كامل بسبب المطالبة بزيادة الأجور في ظل تدهور قيمة العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات بشكل فاق قدرة المواطن اللبناني.
وبعد عدة أسابيع من الإضراب أقرت الحكومة إجراءات لزيادة الأجور بشكل مؤقت لحين إقرار الموازنة العامة للدولة عن العام الجاري. كما دخل قطاع الاتصالات في إضراب مفتوح تسبب في توقف خدمات الاتصالات والإنترنت في العديد من المناطق بلبنان بما في ذلك العاصمة بيروت للمطالبة أيضا بتصحيح الأجور وخصوصا بعد رفع أسعار خدمات الاتصالات وتقويمها بالدولار.. وبالفعل استجابت الحكومة لمطالب العاملين في القطاع وتوصلت لاتفاق مع اللجان النقابية التي عادت للعمل مرة أخرى.
وفي شهر أغسطس، دخل أغلب قضاة لبنان في اعتكاف عن العمل احتجاجا على تدني الأجور وسوء أحوال المحاكم، وأصدروا عدة بيانات في هذا الشأن، إلا أن الأزمة لا تزال مستمرة حتى اليوم، وسيبدأ العام الجديد دون حل لها.
يأتي ذلك في ذات الشهر الذي أحيا فيه عدد من اللبنانيين الذكرى الثانية لانفجار ميناء بيروت البحري مطالبين بتحقيق العدالة وإنجاز التحقيق وتقديم المسئولين للمحاكمة.
وفي سبتمبر، بدت مؤشرات لقرب التوصل لاتفاق بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حول تشكيل الحكومة، إلا أن الآمال تبددت سريعا. ولكن أقر مجلس النواب اللبناني في 26 سبتمبر أول موازنة للدولة منذ سنوات، وذلك رغم مرور أكثر من 9 أشهر من العام.
كما عقد المجلس في 29 سبتمبر أول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس ميشال عون وذلك قبل 33 يوما من انتهاء ولايته الدستورية حيث ينص الدستور على ضرورة الشروع في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال شهرين قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.
وفي 27 أكتوبر، توصل لبنان إلى اتفاق تاريخي مع إسرائيل برعاية أمريكية وأممية لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين بعد مفاوضات دامت عدة سنين.
ووقع الرئيس اللبناني السابق ميشال عون على خطاب بالموافقة على الترسيم لإيداعه في الأمم المتحدة، وذلك قبل 4 أيام من انتهاء ولايته. ويسمح الاتفاق للبنان بالشروع في التنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية وهي العملية المرقبة خلال العام الجديد.
وفي 1 نوفمبر، دخل لبنان رسميا الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون دون انتخاب رئيس جديد بسبب فشل مجلس النواب في التوافق على مرشح.. ورغم عقد 10 جلسات خلال قرابة 3 أشهر، إلا أن الفرقاء السياسيين لم يستقروا على تسمية مرشح بعينه وظلت الأوراق البيضاء – خالية من أي أسماء – هي المسيطرة على أغلب الجلسات. ووفقا لنص الدستور من المفترض أن تنتقل صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعا، إلا أن خلافا دستوريا نشب بسبب أن حكومة ميقاتي تعد مستقيلة وتمارس مهام تصريف الأعمال بصلاحيات محدودة. وتباينت آراء القوى السياسية حول هذا الأمر وتمسك كل فريق سياسي بموقفه.
وحمل آخر شهور العام عددا من الأزمات السياسية أبرزها أزمة دعوة رئيس الحكومة لعقد جلسة لمجلس الوزراء يمارس فيها صلاحيات الرئيس، حيث قاطع الجلسة 7 وزراء من بين 24 عضوا (22 وزيرا ورئيس الحكومة ونائبه) اعتراضا على عقد الجلسة معتبرين أنها غير دستورية لكون الحكومة في مهمة تصريف الأعمال فقط ولا يحق لها الاجتماع كمجلس وزراء، فيما لبى باقي الأعضاء الدعوة مبررين ذلك بالحرص على تسيير مصالح المواطنين الضرورية.
وفي الشهر ذاته، باءت مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لدعوة القوى السياسية المختلفة للحوار بالفشل بعد اعتراض أكبر كتلتين مسيحيتين في المجلس.
وفي آخر أيام الشهر تفاقمت الأزمة المعيشية بعدما وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 47 ألف ليرة تقريبا للدولار الواحد بعدما كان سعر الصرف بداية العام 20 ألف ليرة للدولار الواحد، وهو ما تسبب في حالة من الغضب لم يخفف منها سوى قرار لمصرف لبنان بإتاحة الدولار للشركات والمواطنين على سعر منصة صيرفة بقيمة 38 ألف ليرة للدولار الواحد.
وعلى الصعيد الأمني، شهد لبنان عددا من الأحداث الكبرى أبرزها غرق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين قبالة سواحل طرابلس مما أدى إلى مقتل العشرات من ركابه ولم تنجح جهود البحث عن حثث الضحايا في الوصول إليهم جميعا بسبب استقرار المركب على عمق كبير.
كما تم كشف عدد من المخططات الإرهابية وإحباط عمليات تهريب مخدرات عبر الموانئ اللبنانية إلى عدد من دول الخليج وأفريقيا.
ولكن يبقى الحدث الأكبر إطلاق النار خلال شهر ديسمبر الجاري على سيارة تقل 4 جنود من الكتيبة الإيرلندية العاملة ضمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) مما أدى إلى مقتل جندي وإصابة 3 آخرين فيما لا تزال التحقيقات مستمرة لمعرفة الجناة في العام الجديد.
وعلى هامش الأحداث السياسية والاقتصادية الكبرى، تعرضت البلاد لأزمات صحية بعد تفشي وباء الكوليرا في البلاد قبل احتوائه بفضل المساعدات الدولية وتوفير قرابة 900 ألف جرعة لقاح بالإضافة إلى المساعدات الطبية التي قدمتها مصر وقدرها 27 طنا من الأدوية ومستلزمات علاج الكوليرا.
كما عانى القطاع الصحي كباقي القطاعات في الدولة من ضعف الأجور وتردي الخدمات نقص ملحوظ في الأدوية والمستلزمات الطبية.
المصدر : أ ش أ