يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الأحد العام الثاني من فترة ولايته رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وفيها يتوقع المراقبون أن يكون عاما حاسما لترامب استنادا على مايقدم عليه ترامب من أقوال وأفعال يتراجع عن الكثير منها في أغلب الأحيان بزعم أنها خرجت عن السياق الذي قصده .
ورغم أن العام الأول لترامب كان مليئا بالأحداث والصدمات فلا شك أنه مازال من المبكر الحكم على فترته الرئاسية التي يستحيل خروجها عن الإطار المؤسسي الأمريكي الذي لا يستطيع أي رئيس الخروج عليه مهما، والعام الأول لترامب في البيت الأبيض أبى الرحيل دون وقوع مشكلة داخلية كبرى، تعلقت بعدم التوصل إلى تسوية بشأن الموازنة الجديدة للبلاد (لعام ٢٠١٨) على الرغم من المفاوضات المكثفة التي جرت بين الكونجرس ومجلس الشيوخ وتدخل الرئيس شخصيا الأمر الذي أدى إلى توقف عمل الحكومة وشلل مؤسساتها وإغلاق جزئي للمؤسسات الفيدرالية .
على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة اتسم عام ترامب الأول بالتزامه بوعوده الانتخابية وبإحداث تغيير في واشنطن ووضع شعار (أمريكا أولا) في صلب عمله، فيما يرى المعارضون أن ترامب لا يحرص إلا على تبني مواقف تتعارض بشكل منهجي مع خط أوباما، فقد أعلن ترامب عن إلغاء مشروع الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي يوفر الرعاية الصحية لما يقارب الأربعون مليون أمريكي بسبب تكاليفه الباهظة، واستبداله بمشروع آخر تحت اسم (ترامب كير) إلا أن هذا القرار قوبل برفض شعبي ولم يحظى بموافقة الكونجرس الأمريكي، وكان البديل الذي اعتمده ترامب فيما بعد هو طرح مشروع ثالث يتضمن إلغاء جوانب من مشروع (أوباما كير) بدلا من إلغـائه كليـا.
واقتصاديا، وافق الكونجرس على مشروع ترامب بتخفيض الضرائب بنسبة من 20 إلى 35 في المائة على الشركات ليخفف بشكل مؤقت عبء الضرائب على معظم الأمريكيين، فيما عارض الديمقراطيون مشروع القانون معتبرين أنه يسرق الطبقة الوسطى لأنه يعود بالفائدة على الشركات ودافعي الضرائب الأكثر ثراء ويكبد الدين العام الأمريكي البالغ 20 تريليون دولار نحو تريليون ونصف إضافية على مدى السنوات العشر القادمة، ولكن في المجمل يبدو أن ترامب مازال يجد بعض الصعوبات في إنجاز الإصلاحات التي أعلن عنها مثل فرض ضرائب جمركية على السلع المستوردة.
ومن أكبر العقبات التي تواجه ترامب داخليا التحقيقات الجارية بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها ترامب خاصة مع تضييق حلقات الإدانة شيئا فشيء لتنال الدائرة الأقرب منه وتوجيه اتهامات لمستشاريه بالخيانة والعمالة لروسيا، وجاء صدور كتاب (نار وغضب) داخل بيت ترامب الأبيض للمؤلف الأمريكي مايكل وولف، الصادر أوائل الشهر الجاري كتابا واقعيا يسرد تفاصيل السنة الأولى من حكم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، موجها انتقادات وتهم حادة لدونالد ترامب والشخصيات المقربة منه، بسبب ذلك حاول محامو ترامب منع نشر الكتاب، واتهم ترامب ساعده السابق ستيف بانون بالجنون بسبب التصريحات التي أدلى بها في الكتاب.
وعلى الصعيد الخارجي اتسمت قرارات ترامب في عامه الأول بالاعلان عن الانسحاب الأمريكي من الكثير من المعاهدات الدولية التي أبرمت في عهد سلفه الديمقراطي باراك أوباما والتي أضرت من وجهة نظره بالولايات المتحدة وذلك في سعي منه لتحقيق شعار (أمريكا أولا)، فخلال العام الأولى انسحبت واشنطن من الاتفاق الدولي حول الهجرة (إعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين)، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ، متهمة إياها بأنها (معادية لإسرائيل) وانسحبت أيضا من اتفاق باريس العالمي لمكافحة التغير المناخي، كما انسحبت من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (###TPP###)، وألغى الرئيس ترامب جزءا من الاتفاق مع كوبا الذي أبرمته إدارة أوباما باعتباره (اتفاقا يخدم كوبا من جانب واحد) ما ينذر بتأزم العلاقات مرة أخرى بعد الإنفراجة التي شهدتها في العلاقات بعد جمود استمر الستينيات، ورفض ترامب الإقرار بأن إيران التزمت بالاتفاق النووي الذي وقع عام 2015، مهددا بفرض عقوبات جديدة عليها.
وعلى صعيد العالم العربي والإسلامي والإفريقي، كان السجل حافلا في العام الأول لترامب، بدءا بالتصريحات والقرارات المناهضة للمسلمين الذي حظر فيها دخول مواطني بعض الدول الإسلامية الأراضي الأمريكية، واتخاذه قرارا بحظر حمل الأجهزة الإلكترونية داخل مقصورات الطائرات القادمة من 8 دول في الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، كما صدر إبان تبوئه الحكم سلسلة من الأوامر التنفيذية تحظر اللاجئين والزائرين من عدة دول إسلامية، وتعلق العمل ببرامج الإعفاء من التأشيرات، وانتهاء بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك قراره بتخفيض المخصصات المالية الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين للنصف عقابا للفلسطنيين على عدم تقبلهم لقراره بشأن القدس، القرار ذاته الذي أحدث موجة غضب عالمية عارمة.
ووقع ترامب قراراً تنفيذياً ببناء جدار عازل بين أمريكا والمكسيك لوقف تدفق المهاجرين غيرالشرعيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أمر بقطع التمويل الفيدرالي عن المدن الأمريكية التي ترفض اعتقال المهاجرين غير الشرعيين المقيمين فيها، وكانت أخر تصريحاته التي أشعلت موجة الغضب ضده واتهامه بالعنصرية وصفه دولا إفريقية ولاتينية، يأتي منها اللاجئون إلى الولايات المتحدة بـ “البؤر القذرة” أو”الحثالة”.
وعن العلاقات الأمريكية الروسية، شهدت خلال العام الأول من رئاسة ترامب تذبذبا صعودا وهبوطا بشكل مفاجئ وغير مبرر على الرغم من التوقعات التي كانت تشير إلى احتمال تحسن ملموس في العلاقات بين واشنطن وموسكو، فيما جاءت العلاقات بين أمريكا وكوريا الشمالية لتكون في أسواء حالتها على الإطلاق خلال العام الأول لرئاسة ترامب، حيث تبادل الجانبان الاتهامات والتصريحات النارية والتهديدات بالتدمير والفناء.
المصدر : أ ش أ