شهد العالم الإسلامي حالة من الحراك الرسمي والدبلوماسي والديني والشعبي، لاسيما بعد تصدي الأزهر الشريف للمحاولات العبثية المسيئة للإسلام والنبي محمد صلي الله عليه وسلم، حيث جاء حديث الأزهر والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بعيدًا عن الدبلوماسية، معتبرًا أن هذه الإساءة عبثٌ وانفلاتٌ من كلِّ قيود المسؤوليَّة والالتزام الخُلُقي والعرف الدولي وعداء صريحٌ لهذا الدِّين الحنيف ولنبيِّه الأكرم.
وفي ظل الهجمة الشرسة التي حاولت الإساءة للإسلام والنبي الكريم في عام 2020، تصدى الأزهر الشريف – وهو صوت ما يقرب من ملياري مسلم – بكل قوة لهذه المحاولات، والتي كان أبرزها: ما حدث في 30 أغسطس حين تصدى الأزهر الشريف لـ واقعة حرق المصحف في السويد محذرًا من تأجيج مشاعر الكراهية وارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا، بما يتنافى ومبادئ احترام حرية وحقوق الآخرين ومعتقداتهم؛ بما ينعكس سلبًا على وحدة وأمن المجتمعات التي نسعى جميعًا للحفاظ عليها.
كما وصف مرصد الأزهر في 31 أغسطس ما حدث من تكرار محاولات الإساءة لـ المصحف بالنرويج، بالعمل بالمتطرف البغيض والذي يتطابق مع أفعال “داعش” والتنظيمات الإرهابية التي لا تحترم حرية الأديان والعقائد والرموز والمقدسات الدينية، مطالبًا المجتمعات الأوروبية باحترام مقدسات المسلمين ووضع حد للتصرفات الإجرامية التي تزيد من الكراهية وتزرع الضغائن بين أبناء المجتمع الواحد، لافتًا إلى أن ازدواجية المعايير في التعامل مع أتباع الأديان خطاب كراهية وتطرف مقيت.
وفي الأول من سبتمبر، وصف الإمام الأكبر جريمة حرق المصحف بأنها إرهاب متوحش وعنصرية بغيضة تترفَّع عنها كل الحضارات الإنسانية، بل هي وقود لنيران الإرهاب التي يعاني منها الشرقُ والغربُ، لافتًا إلى أن التاريخ الإنساني سيسجل هذه الجرائم في صفحات الخزي والعار، وفي 2 سبتمبر أعلن مرصد الأزهر عن رفضه ما قامت به مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، من إعادة نشر رسوم مسيئة للنبي محمد ﷺ – محذرًا من أن الإصرار على هذه الجريمة يرسخ لخطاب الكراهية ويعرقل جهودًا عالمية قادتها كبرى المؤسسات الدينية على طريق الحوار بين الأديان، لافتًا إلى أن الازدواجية في التعامل مع أتباع الأديان وسياسة الكيل بمكيالين وغض الطرف عن جرائم اليمين المتطرف لن تقدم للإنسانية إلا مزيدًا من الكراهية والتطرف والإرهاب.
وفي الأول من أكتوبر جاء غضب شيخ الأزهر من إصرار بعض المسئولين في دول غربية على استخدام مصطلح “الإرهاب الإسلامي” معبرا عما يجيش في صدور أبناء العالم الإسلامي، رافضًا تداول هذا المصطلح ومطالبًا بتجريم استخدامه، لافتًا إلى أن هؤلاء السادة الذين لا يكفون عن استخدام هذا الوصف الكريه لا يتنبهون إلى أنهم يقطعون الطريق على أي حوار مثمر بين الشرق والغرب ويرفعون من وتيرة خطاب الكراهية بين أتباع المجتمع الواحد.
أما في 21 أكتوبر فقد وصف الأزهر الاعتداء بالطعن والشروع في قتل سيدتين مسلمتين بباريس بأنه إرهاب بغيض، لافتًا إلى أن الازدواجية في التعامل مع الحوادث الإرهابية طبقا لديانة الجاني أمر مخز ومعيب، مطالبًا الجميع أن يتبنى نفس مواقف الرفض والاستنكار لكل العمليات الإرهابية دون النظر إلى ديانة الجاني أو الضحية، كما قرر مجلس “حكماء المسلمين” في 26 أكتوبر برئاسة الإمام الأكبر، يقرر تشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على “شارلي ايبدو” لإساءتها لنبي الرحمة.
وفي 28 أكتوبر وخلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، أعلن الإمام الأكبر عن إطلاق الأزهر منصة عالمية للتعريفِ بنبيّ الإسلام والرحمة والإنسانية بكل اللغات وتخصيص مسابقة بحثية عالمية عن أخلاق النبي وإسهاماته التاريخية في مسيرة الحب والخير والسلام، وفي 2 نوفمبر احتفت المعاهد الأزهرية بالمولد النبوي في جميع المحافظات تحت عنوان «يوم في حب الرسول»؛ بهدف التعريف بنبي الرحمة وبيان أخلاقه في نشر التعايش والسلام بين البشر، كما أطلق مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في 7 نوفمبر عدة حملات باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان: «النبي الذي لا يعرفونه»، “هذا نبينا” Our prophet))؛ للرد على الإساءات الموجهة لنبي الإسلام ولتسليط الضوء على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم الأخلاقية والإنسانية ودوره في الدعوة المستمرة للتراحم بين البشر جميعًا وترسيخ مبادئ السلم العالمي بين الناس بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو دينهم.
وفي 8 نوفمبر وجه الإمام الأكبر خلال لقائه وزير الخارجية الفرنسي في مشيخة الأزهر، عدة رسائل للوزير الفرنسي نصرة للنبي الأكرم، والتي من أبرزها: أنا أول المحتجين على حرية التعبير إذا ما أساءت لأي دين من الأديان وليس الإسلام فقط، وإذا كنتم تعتبرون أن الإساءة لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، حرية تعبير فنحن نرفضها شكلًا ومضمونًا، وهل من الحكمة المغامرة بمشاعر ملايين البشر من أجل ورقة مسيئة .. لا أستطيع أن أتفهم أي حرية هذه؟! وسوف نتتبع من يُسئ لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط، مؤكدا أن أوروبا مدينة لنبينا محمد ولديننا لـ ما أدخله هذا الدين من نور للبشرية جمعاء ومحمد صلى الله عليه وسلم رحمة لنا ولكم، وأن صدري متسع للحوار والعمل معكم ومع الجميع؛ ولكني أقول: إن الإساءة لمحمد ﷺ مرفوضة تمامًا ، وقال أنا وهذه العمامة الأزهرية حملنا الورود في ساحة باتاكلان وأعلنا رفضنا لأي إرهاب ، وددنا أن يكون المسئولون في أوروبا على وعي بأن ما يحدث لا يمثل الإسلام والمسلمين؛ خاصة أن من يدفع ثمن هذا الإرهاب هم المسلمون أكثر من غيرهم.
المصدر : أ ش أ