تشهد العاصمة الكازاخية نور سلطان اليوم الجمعة أعمال الجلسة العامة لجولة المحادثات الثالثة عشر في إطار “مسار آستانا” لحل الأزمة السورية، وسط تطلعات وآفاق بتحقيق تقدم على صعيد الملفات المطروحة، خاصة الوضع في إدلب وشمال شرق سوريا واللجنة الدستورية، وبمشاركة وفدي الحكومة السورية والمعارضة والدول الضامنة وغياب المبعوث الأممي الى سوريا “جير بيدرسن” لأسباب صحية، حيث يرأس نائبه وفد الأمم المتحدة، إضافة الى لبنان والعراق والأردن بصفة دول مراقبة.
وكانت سلسلة المشاورات الثنائية والثلاثية بين الوفود قد بدأت أمس، ويصدر عن الجلسة العامة اليوم بيان مشترك للدول الثلاث الضامنة لعملية أستانا، وهي روسيا وتركيا وإيران، وقد أكدت الاجتماعات الـ12 السابقة، الالتزام الثابت بالحفاظ على سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها ومواصلة الحرب على التنظيمات الإرهابية فيها حتى دحرها نهائيا.
وقد أبدى كل من رئيس وفد دمشق السفير لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، ورئيس وفد المعارضة أحمد طعمة، رغبتهما في المشاركة بجدية، بعد أن أصبح “مسار آستانا” هو المنصة الوحيدة التي تجري فيها مناقشة الملفات السياسية للتسوية في سوريا، في ظل غياب مفاوضات جنيف، وإعلان الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمليات تفاوضية تجري خارج إطار الأمم المتحدة ومن دون رعايتها، بعد حضورها سابقاً عدداً محدوداً من جولات النقاش في إطار “آستانا”.
يتوقع المحللون نتائج محدودة بشأن احتمالات التوصل إلى تفاهمات حول الملفات الأساسية المطروحة لحل الأزمة السورية، إذ يرجع ذلك للأسباب التالية: أولاً: تباعد وجهات النظر بين اثنين من ضامني المسار وهما روسيا وتركيا، إذ ما زالت الخلافات حول آليات التعامل مع الوضع في إدلب تعرقل التوصل إلى تفاهمات كاملة بين موسكو وأنقرة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية استبقت اللقاء بإطلاق تحذيرات قبل يومين قالت فيها إن “الهجمات الإرهابية ما زالت متواصلة”، مؤكد أن لديها معلومات عن إعداد المسلحين لهجمات جديدة ضد قاعدة حميميم والمناطق المدنية المحيطة بمنطقة خفض التصعيد في إدلب.
وقد عكست تصريحات المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، التي قال فيها إن “البلدان الغربية تدعم الإرهابيين في إدلب، بهدف استخدام هذه المنطقة ضد القوات الشرعية في وقت لاحق” درجة وحدة التباعد في المواقف بين موسكو وأنقرة، الأمر الذي يشير إلى ترجيح عدم تحقيق تقدم على صعيد تقريب وجهات النظر.
ثانياً: اتساع مساحة الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة بسبب تهديد أنقرة بإقامة منطقة آمنة شمال شرقى سوريا بالقوة العسكرية؛ الأمر الذي دفع بالطرفين إلى طاولة للحوار الأمني.
ويبدو أن واشنطن أعادت اهتمامها بالأزمة السورية من جديد، خاصة في ظل تراجعها عن قرار سحب قواتها من شمال سوريا وفقًا للإعلان السابق من جانب الرئيس دونالد ترامب، حيث أكد وزير الدفاع الجديد مارك اسبر أن بلاده ستبقى على قوات في سوريا، وقال – خلال جلسة استماع في الكونجرس في منتصف يوليو المنصرم – إن “القوات المسلحة الأمريكية المتبقية في شمال شرقى سوريا ستبقى هناك كجزء من القوة متعددة الجنسيات لمواصلة الحملة ضد داعش”.
ثالثاً: كثرة الملفات الخلافية المطروحة على طاولة المفاوضات تعقد التوصل إلى كثير من التفاهمات، وخاصة أن التشابك التركي مع الملف الكردي يزيد من حساسية إنجاز تلك التفاهمات، إذ لن تتخلى تركيا عن اتهامها للأكراد بأنهم “جماعة إرهابية محظورة”، فيما لن يتراجع الأكراد عن مشروعهم في الداخل السوري، والذي سيظل على صدام مع تركيا وقوى آخرى في الداخل.
رابعاً: التصعيد السياسي الحاد بين إيران والولايات المتحدة: والتي لن يكون آخرها فرض الولايات المتحدة عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لتشمل تجميد أي أصول أو أموال ربما يملكها في الولايات المتحدة أو تلك التي تخضع لسيطرة كيانات وأفراد أمريكيين، كما تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى معاقبة ظريف دوليا بالحد من تحركاته خارج إيران. وبرر وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين هذه العقوبات بأن ظريف قد ساعد في تنفيذ ما سماه “أجندة إيران المتهورة”.
لا شك أن هذا التصعيد في العلاقات الأمريكية الإيرانية ستكون له انعكاسات سلبية على نتائج الجولة الـ 13 من محادثات مسار آستانا، لذا يصعب القول بأن أية مفاوضات أمريكية إيرانية محتملة يمكن أن تضمن الخروج الإيراني من سوريا.
وبالتالي ربما تطول المحادثات بشأن عملية التوصل لحل الأزمة السورية، بسبب تزايد أطماع ونفوذ القوى الإقليمية والدولية وتضارب المصالح والحسابات الاستراتيجية لتلك القوى.
وفي ضوء ما سبق يتوقع مراقبون أن يشكل الإعلان عن تفاهمات على إجراءات لإطلاق متبادل للمعتقلين، واحداً من النتائج المتواضعة لهذه الجولة، رغم أن هذا الملف ظل معلقاً خلال جولات سابقة، وتم تشكيل مجموعة عمل لمتابعته برعاية من الأطراف المختصة لدى الأمم المتحدة، لكن المجموعة فشلت في تقريب وجهات النظر وتحقيق تقدم ملموس في هذا الشأن خلال الجولات السابقة.
يبقى القول أن ثمة إشكالية أخرى تتمثل في عدم وضوح استعداد الأطراف لإطلاق مسار تشكيل اللجنة الدستورية في الجولة الحالية، ومن هنا فإن اجتماع الجولة الـ13 لمسار أستانا، يبقي على الأمال والتطلعات بأن خيار الحل السلمي ما زال مطروحاً لتسوية الأزمة في سوريا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )