جاءت زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى إيران ولقائه الرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران، كأول زيارة يقوم بها رئيس وزراء ياباني لإيران منذ 41 عاما، والاحتفال هذا العام بمرور 90 عاما على بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما، في إطار دور بلوماسي جديد تقوم به اليابان للعمل على حل الإشكاليات والتوترات القائمة بين واشنطن وطهران، وفي ظل التوترات المتفاقمة في جميع مناحي العالم.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية كبيرة استناداً للتوترات المستمرة بين أمريكا وإيران، والتي لن يكون آخرها فرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولة جديدة من العقوبات تستهدف اللجنة الاقتصادية والتجارية الإيرانية، والتي تم تأسيسها كوسيط للتجارة مع أوروبا، وذلك في خطوة من المحتمل أن تزيد الضغط الاقتصادي وتضر الوضع الإنساني في طهران.
وتهدف زيارة “آبي” إلى تشجيع إجراء حوار مع الولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، لذا فإن اجتماع رئيس وزراء اليابان مع كل من روحاني وخامنئي يعتبر أمرا ضروريا بالنظر إلى حالة تصاعد التوترات، حيث دعا رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إيران للعب دور بناء في تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وقال إن اليابان عازمة على بذل أقصى ما في وسعها للمساعدة.
**علاقات ثنائية متوازنة
تأتي الوساطة اليابانية في حدود علاقاتها المتوازنة مع واشنطن وطهران، فواشنطن نفسها تعترف بحجم العلاقة بين اليابان وإيران وهذا ما عبر عنه الرئيس ترامب بالقول (أعلم أن رئيس الوزراء الياباني تربطه علاقات جيدة جدًا بالمسؤولين في إيران)، كما أن طوكيو حاولت أن تحافظ على (طريق متوازن) لضمان الأمن الأمريكي والمصالح الاقتصادية مع إيران، فقد أتاحت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 أي الاتفاق النووي الإيراني، فرصة لليابان لشراء خام إيراني أرخص وتوسيع علاقاتها التجارية معها.
فضلاً عن أن اليابان لديها وجهة نظر محايدة مما يمنحها ميزة في نزع فتيل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى ما تتمتع به من “المصداقية الدولية” التي يحتاجها من يقوم بدور الوساطة.
وفي ذات السياق، تتمتع اليابان تقليديا بعلاقات جيدة مع إيران، يعود جزء منها لحاجة اليابان للنفط الإيراني، إذ تعد إيران ثالث أكبر مورد للنفط الخام لليابان، ولدى طوكيو صفقة بقيمة 5 مليارات دولار مع إيران للتنقيب عن الغاز الطبيعي في الخليج، وأن التوتر بين واشنطن وطهران ستمتد آثاره إلى منطقة الخليج برمتها، الأمر الذي يشكل خطراً على مصالحها الاستراتيجية، فضلا عن القبول من الطرفين للوساطة اليابانية، فالولايات المتحدة ترى اليابان حليفا قويا في معركتها الاقتصادية مع الصين، وأن خسارتها يعني خسارة النفوذ الأمريكي في منطقة المحيط الهادي، في ذات الوقت فإن إيران ترى باليابان بلدا مؤثرا ومتفهما للازمة.
**حدود وآفاق الوساطة
لا شك أن اليابان لديها من الأوراق ما تطرحه لكلا الطرفين لنجاح التفاوض، وإن كانت ظروف واشنطن وطهران هي العامل الفصل والمحوري في ذلك، ففي الوقت الذي تراهن فيه أمريكا على الحصار الاقتصادي على إيران، واحتمالية أن ينتفض (الشارع) الإيراني على حكومته، تراهن إيران على صمود شعبها وعمقها الاستراتيجي والتراجع الأمريكي، بسبب السياسات الأمريكية الحالية والسابقة سواء على مستوى الداخل الأمريكي أو خارجه، كما تراهن على فشل الحصار الاقتصادي عليها وكسره من قبل دول أوربا وروسيا والصين والهند وتركيا لتضرر مصالحها، وتضرر مصالح الشركات الأمريكية نفسها.
قد تبدو المعادلة صعبة في شكلها العام، ولكن ما يمكن أن يساعد على حلحلة التوتر هو حاجة البلدين لذلك، فإيران تدرك التأثير الأمريكي وقوتها، ولا تريد أن تصصدم بالشكل الذي يفرض على أمريكا المواجهة، وأمريكا أدركت أن إيران رقم صعب، ولا يمكن المغامرة معه بأي حرب.
ووفقاً لخبراء ومحللين، فإنه بشأن الشروط الإيرانية لقبول عقد اتفاق مع أمريكا، ثمة ثلاثة شروط تريدها إيران، هي أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي مرة أخرى، ووقف كل العقوبات التي صدرت تجاه إيران، والشرط الثالث والجديد هو أن تدفع أمريكا كل الخسائر التي تكبدتها طهرات جراء تلك العقوبات غير القانونية، ولكن أمريكا لن توافق على مثل هذه الشروط وإن قدمت بعض التنازلات.
ويؤكد المراقبون أنه في ظل صلابة الموقف الإيراني وثقة المرشد بالحكومة الإيرانية، فإن الحديث الإيراني مع آبي سيكون إيجابيا، وسيتحاشى الطرفان الدخول في تعقيدات السياسة وسيركزان على ما ستقدمه واشنطن من تراجعات لتسهيل قرار إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
لذلك يُثار التساؤل المنطقي عن مدى جدية العروض الأمريكية للتفاوض مع إيران، خصوصاً إذا كانت واشنطن تدرك جيداً أن إيران لن تخضع لضغوط ولن تقبل بشروط.
ورغم المصداقية والدور الذي تقوم به اليابان في التوصل لحل الأزمة بين واشنطن وطهران، فإن وساطة اليابان تقف دونها تحديات وصعاب تقلل من فاعليتها وآفاقها المستقبلية، أولها، مدى جدية الطرفين الأمريكي والإيراني لقبول أي طرح ياباني، فالأخيرة تراهن على الأطراف الدولية في مواجهة الضغوط الأمريكية، وبات الموقف الأوروبي متقاربا مع الموقف الأمريكي فيما يتعلق بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي والتفاوض حول برنامجها الصاروخى وأنشطتها المزعزعة للاستقرار فى الشرق الأوسط.
كما أن موقف الإدارة الأمريكية أحبط التفاؤلات من هذه الوساطة، فقد بادرت وزارة الخزانة الأمريكية بإعلان فرض عقوبات على صناعة البتروكيماويات الإيرانية التي تعد عصب الاقتصاد الإيراني، وذلك بفرض عقوبات على شركة «جى بى آى سي» أضخم مجموعة إيرانية للبتروكيماويات لاتهامها بتقديم دعم مالى ضخم للحرس الثورى الإيراني.
وطالب مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي إيران بأن “توقف تهديداتها وتصعيدها النووي، وتجمد تجارب الصواريخ الباليستية وتكف عن دعم الإرهابيين وتوقف الاحتجاز التعسفى للأجانب”، وهو من كان يتحدث قبل عن “حوار غير مشروط مع إيران”.
فإن كانت واشنطن ترى أن على إيران الالتزام بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ووقف برامجها النووية والتسليحية وتهديدها لمناطق أخرى من العالم، فإن طهران ترى أن واشنطن تمارس عليها سياسة العصا والجزرة، وتعتبر واشنطن نفسها فى موقف قوة إزاء إيران وليست مضطرة لتقديم تنازلات عبر الحوار فيما يتعلق بالعقوبات وتعتمد على سياسة النفس الطويل.
يبقى القول أن الحصاد الدبلوماسي من جولة الوساطة التي تقوم بها اليابان للتوصل إلى حل للتوتر القائم بين واشنطن وطهران، سيكون محدود النتائج مثله مثل بقية الجولات التي قامت بها دول إقليمية سابقة، ولكن الأمل أن تفتح هذه الجولة من الحوار قنوات أخر للتواصل البناء بين أمريكا وإيران.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)