في إعلانه عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووية، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم رضاه عن الاتفاقية، وعرض قائمة من الاتهامات بشأن السياسات الإيرانية. ولكن حسب مايكل سينج، باحث ومدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لم يجب ترامب على ما قد يعد أهم سؤال، وهو ما هي سياسة الولايات تجاه إيران؟
ويلفت سينغ إلى تصدر المسألة النووية، طوال العقد الماضي، عدداً من المداولات الجادة بشأن السياسة الأوسع حيال إيران. ولكن البرنامج النووي لا ينفصل عن استراتيجية إيران القومية، وخاصة سعيها إلى استعراض قوة غير تقليدية بعيداً عن حدود إيران.
وحسب كاتب المقال، لا تتركز هواجس أمريكية بشأن مساعي إيران للحصول على سلاح نووي في موقف مبدئي معارض لانتشار أسلحة دمار شامل، بقدر ما يتعلق بعمليات ونوايا النظام الإيراني في المنطقة عامة. كما من السهل تذكر بأنه قبيل التوقيع على ما عرف بخطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، كان حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، علاوة على إسرائيل، أعربوا عن قلقهم من سياسات إيران الإقليمية، أكثر من خوفهم حيال مساعيها النووية.
ومن أشد الانتقادات التي وجهت للرئيس السابق باراك أوباما من قبل منتقدي JCPOA أنه ركز على القضية النووية وتجاهل جميع القضايا الأخرى، وأن الاتفاقية ذاتها شرعت هذا التركيز عبر رفع عقوبات تجارية شاملة في مقابل وقف طهران مشروعها النووي.
وفيما كانت الولايات المتحدة تتفاوض على الصفقة النووية، تقدمت إيران في سوريا واليمن وفي مناطق أخرى، مع تنامي توقعات بنشوب حرب بين إيران وإسرائيل. وما تحتاج إليه واشنطن هو سياسة إيرانية جديدة، لا سياسة نووية، وإرادة للتحرك من أجل مقاومة هذا التوسع الإيراني.
ورغم حدوث انقسامات في أوساط محللين طالبوا بالعمل على تغيير النظام الإيراني، وبين من دعوا للتقارب معه، كان الانقسام بين مسؤولين أمريكيين أقل حدة. واستخدم رؤساء متعاقبين مزيجاً من الشدة والمرونة مع إيران. فقد اعتمدت إدارة الرئيس بوش سياسة فرض ضغوط حادة على إيران، ولكنها لم تصل لدرجة السعي لتغيير النظام، كما عملت إدارة أوباما على التقرب من زعماء إيران.
ويرى الكاتب أنه بالنظر للدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ليس غريباً أن يسبب التحول الأمريكي أصداء واسعة. ومع انشغال واشنطن في شكل من التخندق الاستراتيجي، لم يكن هناك أي كيان، محلي أو خارجي، قادراً على ملء ذلك الفراغ وممارسة دور قيادي. وكانت النتيجة استبدال بنية أمنية تكون واشنطن في مركزها بأخرى تقوم على تنافس بين كتل سائبة مما كان له نتائج كارثية.
وحسب الكاتب، ثبت أنه كان في الفوضى التي ضربت الشرق الأوسط، فائدة لإيران. فمنذ 2011، وسعت إيران نفوذها وبصمتها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وفي مناطق أخرى.
وانصب التحدي الذي واجهته الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة على كيفية توضيح رفضها توسيع انخراطها في الشرق الأوسط في ظل رغبتها بمواجهة السلوك العدائي الإيراني في المنطقة.
ويرى سينج بأن المطلب ليس مجرد واجب سياسي أو إيديولوجي، كما يعتقد بعض حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا، بل هو متجذر في المصالح القومية الأمريكية.
ومن وجهة النظر الأمريكية، تهدد نشاطات إيران ليس فقط استقرار الشرق الأوسط، بل حرية الملاحة والتجارة في ممرات مائية إقليمية، فضلاً عن تهديدها أمن حلفاء أمريكا.
المصدر: وكالات