يبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، غدًا الإثنين، جولة خارجية تشمل 4 من دول شرق ووسط القارة الأفريقية، وهي: أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا.
جولة خارجية اعتبر خبراء سياسيون ودبلوماسيون أفارقة، أنها تأتي في سياق المساعي اٍسرائيل الدؤوبه لتعزيز نفوذها مع دول القارة السمراء من خلال تكثيف تعاونها في عدة مجالات وفي مقدمتها المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والزراعية والمائية، بحسب الأناضول.
الدبلوماسية الصومالية السابقة شمسة محمود، الخبيرة في شؤون دول شرق أفريقيا، اعتبرت جولة نتنياهو في أفريقيا محاولة إسرائيلية لـ”إحداث اختراق للقارة على عدة صُعد؛ سياسية واقتصادية وأمنية”.
شمسة، التي سبق لها أن تولت إدارة شؤون القرن الأفريقي في جامعة الدول العربية لأكثر من عقدين من الزمان، أضافت، أن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية مرت بـ”سنوات انتعاش” في السبعينيات من القرن الماضي، أعقبتها “سنوات عجاف” بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين مصر وإسرائيل.
وأوضحت أن بعد حرب 1973 استطاعت الدبلوماسية العربية أن تُحاصر النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء، وانتهى الأمر بإعلان الدول الأفريقية قطيعة شبه كاملة مع إسرائيل، واتخاذ مواقف متضامنة مع القضية الفلسطينية.
وفي ظل هذا السياق التاريخي الذي طرحته للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية، رأت شمسة أن نتنياهو يسعى من خلال زيارته الخارجية الحالية لتعزيز نفوذ بلاده لدى الاتحاد الأفريقي، ومحاولة كسب دعم دوله، خاصة أن منبر هذا الاتحاد “أصبح من أقوى المنابر العالمية لدعم القضية الفلسطينية”.
ومن المقرر أن يستهل نتنياهو جولته الأفريقية بالعاصمة الأوغندية كمبالا، التي يصلها اليوم، وتتواصل حتى يوم غد الثلاثاء.
وهناك يستعيد الرجل ذكرى اغتيال شقيقه الأكبر المقدم، يوهانتان نتنياهو؛ حيث يزور قبره الموجود في كمبالا.
وقُتل وهانتان في يوليو 1976 خلال قيادته عملية تحرير رهائن كانوا عن متن طائرة متوجهة من تل أبيب إلى باريس، وتوجه بها مختطوفها إلى أوغندا.
وترى السفيرة شمسه محمود أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول من خلال زيارة قبر شقيقه إيصال رسالة للقارة الأفريقية مفادها أن “بلده عازم على التعاون مع دول القارة في محاصرة الإرهاب، وهو أقوى سلاح يلوح به نتنياهو؛ حيث يثير به الهاجس الأممي لدى دول شرق أفريقيا”.
وحسب مصدر دبلوماسي أفريقي مطلع على تفاصيل الزيارة، سيجري نتنياهو محادثات رسمية مع الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، “تتناول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات”.
المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أضاف أن زيارة نتنياهو إلى أوغندا ستشهد، أيضا، التوقيع على 5 اتفاقيات تعاون في مجالات عدة، وأهمها الاقتصاد، والزراعة، والري.
كينيا ستكون المحطة الثانية لجولة نتنياهو في القارة الأفريقية؛ حيث ستتواصل زيارته لها يومي الأربعاء والخميس.
وقال المصدر الدبلوماسي الأفريقي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلتقي هناك الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، وستكون “ملفات التعاون العسكري والأمني” في صدارة محادثاتهما.
ومنذ مجيئه إلى السلطة في أبريل 2013، عمل كينياتا على تطوير علاقات بلاده بتل أبيب، وفي مارس الماضي أجرى زيارة إلى إسرائيل.
العاصمة الأثيوبية أديس أبابا ستكون المحطة الثالثة لنتنياهو؛ حيث سيمكث بها يومي الجمعة والسبت.
وحسب المصدر الدبلوماسي ذاته، من المقرر أن يُلقي نتنياهو خطابا في مقر الاتحاد الأفريقي، في أديس أبابا، وسيدعو من خلاله إلى تأسيس شراكة وتعاون بين بلاده والاتحاد، الذي سبق أن اتهمه قادة إسرائيل بأنه “معاد للسامية”.
وأضاف المصدر أن الوزير الإسرائيلي سيلتقي، في أديس أبابا، رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، وسيعقد مؤتمر صحفي معها.
كما سيلتقي رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي مريام ديسالين، ورئيس الدولة، مولاتو تشومي ورتو؛ لـ”بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين”.
بينما أكلمت سفيرة إسرائيل لدى إثيوبيا، بلانيش زفاديا، استعدادها لعقد ندوة في مقر الاتحاد تتناول العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، وفق المصدر ذاته.
وفي هذا السياق، أشار المصدر إلى أن المجموعة العربية داخل الاتحاد الأفريقي، التي تضم 9 دول، سجلت تحفظها على استقبال نتنياهو في مقر الاتحاد.
وتوقع المصدر أن يثير نتنياهو مجددا الطلب الذي سبق أن قدمته بلاده لنيل عضوية المراقب في الاتحاد الأفريقي.
وحول فرص الاستجابة للطلب الإسرائيلي المتوقع، أوضح محمد حبيب، أستاذ القانون الدولي في جامعة أديس أبابا، أن عضوية المراقب في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) كانت مقتصرة منذ تأسيسه في عام 1963 على المنظمات الأممية مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجامعة العربية.
وأضاف، أنه بعد تحويل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي في 2002، تم فتح باب عضوية المراقب لشركاء الاتحاد الأفريقي التنمويين.
“حبيب” أوضح أن الاتحاد يرفض، حسب ميثاقه، قبول عضوية “أي دولة تحتل أراضي دولة أخرى”.
في مايو الماضي، جدد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، خلال لقائه بوزير خارجية ساحل العاج، عبد الله مايرى، بمدينة القدس، رغبة بلاده في الحصول على عضوية المراقب فى الاتحاد الأفريقي.
وكان الاتحاد الأفريقي رفض طلباً سابقاً لإسرائيل في ذات الشأن عام 1976.
رواندا ستكون آخر محطة في جولة نتنياهو الأفريقية، وسيمكث فيها يومي الأحد والإثنين المقبلين بالتزامن مع بدء فعاليات القمة الأفريقية الـ27، التي تستضيفها كيغالي خلال الفترة بين 10 و18 يوليو.
لزيارة نتنياهو، تبدو الأهداف الاقتصادية حاضرة بقوة أيضا، حسب المصدر الدبلوماسي الأفريقي.
إذ يصطحب الرجل في جولته، وفق المصدر، وفدا ضخما يضم أكثر من مئتي رجل أعمال، والذين كانوا يدخلون القارة تحت غطاء شركات أوروبية، ولكنهم سيحاولون هذه المرة إيجاد أسواق واعدة وجديدة في منطقة تتزايد أهميتها الاقتصادية عاماً بعد عام.
وتركز إسرائيل منذ سنوات على تعزيز علاقاتها التجارية مع كينيا وأثيوبيا ورواندا وأوغندا.
وعلى سبيل المثال، تستثمر إسرائيل في دولتي كينيا وأثيوبيا مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة الزهور التي تصدرها لأوروبا، وتجني من ورائها سنويا أكثر من 300 مليون دولار أمريكي.
كما تنقل إسرائيل خبرتها لهذه الدول في مجالات الزراعة، والري، وشق الطرق، والمجال العسكري والأمني.
وحسب مراقبين، تتركز المصالح الإسرائيلية الاقتصادية الكبرى في كل من كينيا التي تربطها بها علاقات متينة ومتميزة مع دول وسط القارة، ورواندا التي تضع تل أبيب عينها على ثروتها الطبيعة الضخمة خاصةً مناجم المعادن الثمينة (الذهب والأحجار الكريمة واليورانيوم).
كما يمثل ملف التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل وبعض دول شرق ووسط القارة الأفريقية أهمية خاصة بالنسبة للطرفين، وفق هؤلاء المراقبين؛ حيثُ تُسوق تل أبيب لبيع السلاح المتطور، وخاصة الطيارات بدون طيار “الدرون” التي تقدمت في تقنيتها بخطوات بعيدة عن غيرها.
ولاجتذاب التعاطف والتأييد الأفريقي، دشنت إسرائيل منذ سنوات قليلة مضت سياسة تصعيد عدد من اليهود الأثيوبيين (الفلاشا)، الذين بدأوا في الهجرة إليها عام 1984، في سلكها الدبلوماسي؛ حيث أهلت ودربت عددا منهم وألحقتهم بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وأوفدت عدد منهم إلى دول القارة الأفريقية.
ومن هؤلاء مديرة الدائرة الأفريقية في الخارجية الإسرائيلية، بلاينش زفاديا، التي تم تعيينها مؤخراً سفيرة لبلادها لدى أديس أبابا.
وتعود العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي؛ حيث عاشت هذه العلاقات ربيعها المزدهر حتى حرب 1967؛ حيث أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، آنذاك، إلى تغيير صورة إسرائيل ، من دولة فتية ومسالمة ، في نظر الأفارقة، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية .
وشكلت حرب 1967 بداية مراجعة لدى بعض الدول الأفريقية، وبداية مسار لقطع العلاقات شمل آنذاك أربع دول فقط هي غينيا، وأوغندا، وتشاد، والكونغو برازفيل.
وعقب حرب أكتوبر 1973، عمدت الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بشكل جماعي بقرار ملزم صادر من منظمة الوحدة الأفريقية؛ حيث قطعت 31 دولة علاقتها مع تل أبيب.
إلا أن بعض الدول الأفريقية بدأت في إعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي إثر توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978.