تجرى غداً الخميس مراسم جنازة الراحل في بلدة الرامة، حيث يصل الجثمان إلى بيت الشعب في العاشرة صباحاً، وتنطلق مسيرة من بيت الشعب إلى الملعب البلدي حيث يُسجى الجثمان، وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة، وفي الثالثة تبدأ المراسم الرسمية بالصلاة على روح الفقيد، يعقبها كلمات تأبينية قصيرة.
حيث توفي أمس الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع المرض، وكان ابنه تحدث قبل فترة عن وضع والده الصحي، وأكد حينها أن والده نزيل في مستشفى بمدينة صفد في منطقة الجليل بالشمال الإسرائيلي، خضع في معظمها للعلاج من احتدام سرطان الكبد عليه، وهو المرض الذي أصابه قبل 3 سنوات.
وكانت صحة القاسم تدهورت في نهاية الشهر الماضي جراء معاناته من المرض الذي كان يعالجه بالكيمياوي، فنقلته عائلته إلى “مستشفى صفد”، حيث أشرف عليه صديقه الذي رافق وضعه الصحي طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وهو البروفيسور الفلسطيني جمال زيدان، رئيس قسم السرطان بالمستشفى.
وبحسب ابنه فإن القاسم كان يدخن حتى أثناء العلاج، وحتى حين كان في المستشفى، بل كان يخرج من غرفة العلاج أحيانا ليرافق أحد الأطباء ويدخن معه في الخارج”، على حد تعبيره عن أبيه المقيم في بلدة “الرامة” القريبة في الجليل الأعلى 25 كيلومترا من عكا.
برحيل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم الثلاثاء، فقد الشعر العربي أضلاع ثالوث ما عرف بـ”شعراء المقاومة” في فلسطين؛ توفيق زيّاد ومحمود درويش إضافة إلى سميح القاسم.
ففي الثلاثينيات من القرن الماضي سيطر ثالوث شعري على الحياة الشعرية في فلسطين تكون من إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبدالكريم الكرمي (أبو سلمى)، ولكن في مرحلة الستينيات وما بعد ظهر ثالوث آخر قوامه محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد.
وإذا كان الكرمي وكمال ناصر ومعين بسيسو وغيرهم قد حملوا لواء الشعر الفلسطيني في المنفى، فإن توفيق زيّاد ومحمود درويش وسميح القاسم كانوا أهم من رفع لواء الشعر الفلسطيني في الداخل.
وقد جسدت أشعار درويش وزياد والقاسم مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وتمسكه بأرضه وهويته العربية. وهو ما عبر عنه دوريش في قصيدته “سجل أنا عربي” التي أكد فيها على تمسك فلسطينيي الداخل بهويتهم رغم كل محاولات طمسها.
وهذا الموقف الذي جسده توفيق زياد الذي شغل منصب رئيس بلدية الناصرة حتى وفاته في عام 1994 وتعرض لمضايقات عدة من السلطات الإسرائيلية بسبب مواقفه المناصرة لمقاومة الاحتلال، وعبر عنه في ديوانه الأول “أشد على أياديكم”، وحمل ذلك الديوان عنوان قصيدة تغنى بها عدد من الموسيقيين العرب كاللبناني أحمد قعبور.
أما سميح القاسم فارتبط اسمه ارتباطا وثيقا بشعر الثورة والمقاومة، كقصيدته “تقدموا” التي خاطب فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي وقصيدته “منتصب القامة أمشي” التي لحنها وتغنى بها المطرب والموسيقي اللبناني مارسيل خليفة.
ويرى كثير من النقاد أن أشعار قاسم ودرويش وزياد كانت حلقة الوصل بين الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال وبين الشعوب العربية الأخرى التي أقبلت على قراءة ومتابعة أشعارهم.
وظلت أشعار هؤلاء المبدعين الثلاثة لسان حال المقاومة الفلسطينية لفترة تزيد عن نصف قرن تقريبا، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، حيث تم تلحين كثير من قصائدهم على يد مطربين وملحنين فلسطينيين وعرب وتناقلها الشباب عبر وسائل و مواقع التواصل الاجتماعي.
والمعروف عن القاسم، المولود في 1939 بالرامة، أنه كتب قصائد معروفة وتغنى في كل العالم العربي ، حيث أصدر القاسم أكثر من 80 كتاباً، معظمها دواوين شعر ونثر وأعمال مسرحية شهيرة ، منها قصيدته التي غناها مرسيل خليفة ويغنيها كل أطفال فلسطين، وتغنى في كل مناسبة قومية، وفيها يقول: “منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي”، لذلك نال جوائز عدة، منها “غاز الشعر” من إسبانيا، وعلى جائزتين من فرنسا، كما على “جائزة البابطين” الشهيرة، وأيضا على جائزة “وسام القدس للثقافة” و”جائزة نجيب محفوظ” من مصر، وعلى “جائزة السلام” و”جائزة الشعر” الفلسطينية.
ودرس القاسم في الرامة والناصرة، واعتقل مرات عدة في حياته، وفرضت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلية الإقامة الجبرية لمواقفه الوطنية والقومية، وهو شهير بمقاومته للتجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها، وهو شهير أيضا بنثرية شعرية ترددها بصوته قنوات عربية وفلسطينية، خصوصا وسط الهجوم على غزة هذه الأيام، وفيها يقول “تقدموا.. تقدموا براجمات حقدكم وناقلات جندكم، فكل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم”.
ويُعد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي العام 48، مؤسس صحيفة كل العرب ورئيس تحريرها الفخري، عضو سابق في الحزب الشيوعي.
ولد القاسم لعائلة درزية في مدينة الزرقاء يوم 11 مايو 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.
وقد صدَرتْ في العربي وفي العالم عدّة كُتب ودراسات نقدية، تناولَت أعمال الشاعر وسيرته الأدبية وإنجازاته وإضافاته الخاصة والمتميّزة، شكلاً ومضموناً، ليصبح كما ترى الشاعرة والباحثة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، الشاعر الوحيد الذي تظهر في أعماله ملامح ما بعد الحداثة في الشِّعر العربي.
وهو كما يرى الكاتب سهيل كيوان “هوميروس من الصحراء” وهو كما كتبت الشاعرة والباحثة الدكتورة رقية زيدان “قيثارة فلسطين” و”متنبي فلسطين”. وسميح القاسم في رأي الشاعر والناقد الدكتور المتوكل طه هو “شاعر العرب الأكبر” ويرى الكاتب محمد علي طه أن سميح القاسم هو “شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل”.
ويرى الكاتب لطفي بولعابة أن سميح القاسم هو “الشاعر القديس” وبرأي الكاتب عبد المجيد دقنيش أن سميح القاسم هو “سيّد الأبجدية”. ويرى الكاتب والناقد الدكتور نبيه القاسم أن سميح القاسم هو “الشاعر المبدع، المتجدّد دائماً والمتطوّر أبداً”، وبرأي الكاتب الطيّب شلبي فإن سميح القاسم هو “الرجل المتفوّق في قوة مخيلته والتي يصعب أن نجد مثلها لدى شعراء آخرين”.
واعتبرت الشاعرة والكاتبة آمال موسى سميح القاسم “مغني الربابة وشاعر الشمس، ويمتلك هذه العمارة وهذه القوة التي تسمح له بأن يكون البطل الدائم في عالمه الشعري”.
وكانت تلك الكلمات آخر ما كُتب على صفحة الشاعر سميح القاسم على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قبل رحيله بساعات .. حيث قال : ” أنا لا أُحبُّكَ يا موتُ.. لكنّني لا أخافُكْ وأدركُ أنَّ سريرَكَ جسمي.. وروحي لحافُكْ وأدركُ أنّي تضيقُ عليَّ ضفافُكْ أنا.. لا أُحبُّكَ يا موتُ.. لكنني لا أخافُكْ! ” .
المصدر : وكالات