لعب البنك المركزي المصري دورا كبيرا على مدار السنوات الماضية في دعم ومساندة القطاعات الاقتصادية والاستثمارية من جانب والمواطن من جانب آخر، وذلك بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليكون صمام أمان لها في مواجهة التبعات الناجمة عن التقلبات الاقتصادية العالمية، سواء بالسياسات النقدية التي تم إتباعها أو بالمبادرات التي أصدرها.
وظهرت تلك التوجيهات بصورة واضحة خلال السنوات الماضية، كان أبرزها خلال فترة جائحة كورونا وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي، حيث ساهمت المبادرات التي أطلقها البنك المركزي المصري في تخفيف الأعباء عن المستثمرين في قطاعات السياحة والصناعة وأيضا الزراعة والمقاولات، بتقديم تمويلات بفائدة ميسرة بدعم من المركزي عززت من قدرة شركات تلك القطاعات في مواجهة الضغوط المالية التي نجمت عن توقف الأنشطة بسبب الجائحة.
ومنذ عام 2016 بشكل عام وتحديدا في الأعوام الخمس الماضية ومع ظهور جائحة كورونا ومرورا باشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وحدوث تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي جراء ذلك وامتداد تلك التأثيرات إلى الاقتصاد المصري، أطلق البنك المركزي المصري العديد من المبادرات لتحفيز مستثمري الصناعة والزراعة، وتشجيع المصدرين على زيادة الصادرات، وأيضا رفع قدرات مستثمري السياحة وخاصة في الشق الفندقي، بما يساعد في زيادة الحصيلة الدولارية ويخفف من وطأة التأثيرات على الأنشطة الاستثمارية.
ولعل أبرز المبادرات التي أطلقها البنك المركزي المصري مؤخرا تتمثل في مبادرة دعم القطاع الخاص الصناعي والقطاع الزراعي وقطاع المقاولات، والتي صدرت في يناير من العام 2023، إذ أنها سمحت للعاملين في القطاعات الثلاثة، الحصول على قروض بسعر عائد سنوي 8% على أساس متناقص، لشراء الخامات والمستلزمات اللازمة للإنتاج، وكذلك المعدات والآلات وخطوط الإنتاج.
ونجحت المبادرة في دعم وتشجيع الشركات التي يبلغ حجم أعمالها وإيراداتها السنوية 50 مليون جنيه فأكثر، وتبلغ قيمة المبادرة ككل 100 مليار جنيه.
أقرت الحكومة خلال مارس الماضي، مبادرة جديدة لتمويل العاملين في القطاعين الصناعي والزراعي، في إطار دعمهما لتخفيض الفائدة الحالي الذي وصل لمستوى يقارب 30%، حيث أعلن البنك المركزي المصري، موافقة مجلس الوزراء على تعديل بعض محددات المبادرة الخاصة بتمويل شركات القطاع الخاص الصناعية والزراعية، حيث تم تعديل سعر العائد في المبادرة ليكون 15% متناقص بدلا من 11% متناقص على أن تتم مراجعة سعر العائد الساري خلال ثلاثة أشهر على الأكثر أو عند تعديل سعر الائتمان والخصم.
وأطلقت الحكومة مبادرة دعم برنامج قروض ميسرة بقيمة 120 مليار جنيه على أن يتم تخصيص 105 مليارات جنيه من المبادرة لتمويل رأس المال العامل بالإضافة إلى 15 مليار جنيه لشراء الآلات والمعدات أو خطوط الإنتاج، لمصانع المناطق الحرة والمشروعات الزراعية وكذلك مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، جاءت المبادرة في إطار سعي الحكومة نحو تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتوطين الصناعة، والقدرة التنافسية للصادرات المصرية، وفقا لما قاله وزير المالية محمد معيط.
من الجدير بالذكر أن المبادرة، هي صاحبة أعلى معدل فائدة على التمويل بين المبادرات الحكومية السابقة، والبالغ عددهم 4 مبادرات، بدأت في 2016، لأصحاب الصناعات الصغيرة، بفائدة 5%.
من المقرر أن تقدم البنوك العاملة في السوق المحلية القروض للجهات المستحقة، وتحصل على الفرق بين سعر الفائدة البالغ 15% وسعر الإقراض لدى البنك المركزي من وزارة المالية.
ومن المقرر أن تتحمل الخزانة العامة للدولة 8 مليارات جنيه سنويا، هي فارق سعر الفائدة في المبادرة الجديدة، وفق ما أورده بيان المالية، فيما قدمت مصر ما يقارب 88 مليار جنيه من التمويلات خلال السنوات الخمس الماضية عبر حزم التمويل الصناعي المختلفة.
ورفعت المبادرة التمويلية الجديدة الحد الأقصى لقيمة القرض الممكن إتاحته لشركة واحدة إلى 100 مليون جنيه من 75 مليونا في السابق، كما تسمح للكيانات متعددة الأطراف بالحصول على ما يصل إلى 130 مليون جنيه إجمالا، بدلا من 112.5 مليون جنيه في المبادرة السابقة.
وأكد وزير المالية في بيانه على استمرار الحكومة في دعم التمويلات المقدمة في المبادرة السابقة، التي خصصت 150 مليار جنيه تمويلات منخفضة العائد للقطاعات الصناعية والزراعية بفائدة مدعومة قدرها 11%.
وفيما يتعلق بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن مبادرة رواد النيل التي تم إطلاقها في العام 2019، حققت أهدافا كبيرة في دعم ذلك القطاع الحيوي، خاصة وأنها تأتي بدعم من البنك المركزي المصري والقطاع المصرفي المصري إلى جانب شراكات مختلفة مع القطاع الحكومي والخاص، لرفع قدرات الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات التصنيع والزراعة والتحول الرقمي من خلال تطبيق أدوات الابتكار المختلفة.
وعلى مدار السنوات الماضية قدمت مبادرة رواد النيل 430 ألف خدمة غير مالية لأكثر من 147 ألف مشروع من خلال 110 مركز لتطوير الأعمال، كما ساهمت في تيسير الحصول على تسهيلات بقيمة 6.7 مليار جنيه لأكثر من 9 آلاف مشروع، مع منح أولوية خاصة للمشروعات المملوكة للسيدات.
ومنذ إطلاق البنك المركزي المصري لمبادرة ” رواد النيل ” في فبراير 2019 وعلى مدار 5 سنوات، وفرت مراكز تطوير الأعمال، خدمات غير مالية لنحو 50 ألف مشروعًا حديث التأسيس، 64 ألف مشروعًا قائمًا من خلال مساعدتهم في إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والتقييم المالي، وكيفية استخراج التراخيص اللازمة وتجهيز الملف الائتماني للحصول علي التمويل من المؤسسات المالية وغيرها من الخدمات، فضلًا عن مساهمتها في توفير أكثر من 170 ألف خدمة بنكية، ونشر أكثر من 75 ألف بطاقة بنكية، ما بين بطاقات ميزة وخصم وائتمانية، وإنشاء نحو 25 ألف محفظة إلكترونية وقرابة 15 ألف حساب إنترنت بنكي، وأكثر من 10 آلاف محفظة هاتف محمول، وفتح أكثر من 20 ألف حساب بنكي وربط ما يزيد عن 4 آلاف شهادة بنكية، وذلك لصالح رواد الأعمال والشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة.
وفي إطار تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، حرصت مراكز تطوير الأعمال على تقديم كافة سبل الدعم اللازمة للمشروعات التي تمتلكها السيدات، حيث ساهمت في حصول ما يقرب من ألفي مشروع تابع لرائدات الأعمال على تسهيلات بحوالي 680 مليون جنيه، على مدار الخمس سنوات الماضية، بالإضافة إلى توفير خدمات استشارية غير مالية لنحو 48 ألف رائدة أعمال، بما يعادل 33% من إجمالي عدد المستفيدين.
وعلى صعيد الدعم والمساندة المقدمة للمواطنين، فإن ملف التمويل العقاري يأتي في الصدارة، وخاصة مبادرة التمويل العقاري لمتوسطي الدخل، والتي تم إطلاقها نهاية العام 2019 واستمر العمل بها من خلال تخصيص 50 مليار جنيه من خلال البنوك بسعر عائد 8%، ثم تبعها مبادرة أخرى بفائدة 3% لتوفير التمويل العقاري لمحدودي الدخل.
وفي نهاية العام الماضي، جاءت مبادرة دعم القطاع السياحي والمقدر بنحو 50 مليار جنيه، لتمويل بناء أو إنشاء وتشغيل غرف جديدة أو الاستحواذ على غرف مغلقة، على أن يتم الحصول على إفادة صادرة من وزارة السياحة والآثار بأن الغرف بالفعل كانت مغلقة في تاريخ لا يقل عن 12 شهراً على الأقل قبل بداية السحب، على أن تكون الغُرف المذكورة في نطاق مناطق: القاهرة الكبرى، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، وجنوب سيناء، والساحل الشمالي، وبدأ السحب من المبالغ المخصصة للمبادرة اعتباراً من بداية يناير العام الجاري حتى 31 ديسمبر المقبل.
وسعت الحكومة من خلال هذه المبادرة توفير حزمة حوافز مقترحة لتشجيع قطاع السياحة على الإسراع في التوسع في الاستثمار في بناء الغرف الفندقية، ضمن مُبادرة دعم القطاعات الإنتاجية، موضحة أن العائد من الاستثمار في إنشاء غُرف فندقية جديدة، من شأنه أن يدعم الاقتصاد القومي، إذ أن كل 15 ألف غرفة فندقية تساهم في تحقيق ضريبة قيمة مضافة تقدر بما يتراوح بين 1 و2 مليار جنيه تقريباً، ونحو 2 مليار جنيه ضريبة أرباح تجارية وصناعية، إلى جانب توفير نحو 45 ألف فرصة عمل جديدة “مباشرة وغير مباشرة” مع بدء تشغيل الغرف.
وتم استعراض أبرز محددات المبادرة لدعم القطاع السياحي، والتي تم التوافق بشأنها بين وزارتي المالية والسياحة والآثار، وهيئة الاستثمارهذا من جانب ، أما عن الآليات التنفيذية للمبادرة تكون بالتنسيق بين وزارة المالية وكل من البنك المركزي المصري والجهات المعنية.
على أن يتم تحديد حجم الائتمان المتاح لكل شركة في ضوء حجم أعمالها والقواعد المَصرفية المُنظمة، وعلى ألا يتجاوز الحد الأقصى المستخدم المسموح به لكل شركة مبلغ 1 مليار جنيه أو 2 مليار جنيه للعملاء المُرتبطين، شريطة أن تكون مُعاملات كل شركة مع بنكين بحد أقصى من البنوك المُشاركة بالمُبادرة.
ويُشترط لطلب الاستمرار في الاستفادة من المبادرة أن يكون العميل ملتزماً في السداد طبقاً لشروط القرض مع البنك، كما يُحظر على أي عميل أن يقوم باستخدام أي من الائتمان المتاح له تحت هذه المبادرة في سداد أية مديونيات أخرى مستحقة عليه في تاريخ العمل بهذه المبادرة أو أثناء تنفيذ المبادرة للقطاع المصرفي.
وكما يتضمن الشق الثاني من المبادرة الإشارة إلى أنه سيتم منح المشروعات الاستثمارية التي تُقام بعد العمل بقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2007، وفقاً للخريطة الاستثمارية، حافزاً استثمارياً خصماً من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة، ومن بينها المشروعات السياحية التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس الأعلى للاستثمار.
وجاءت شروط استحقاق تلك الحوافز بما يضمن حوكمة الإجراءات، ومنها وضع آلية لالتزام الشركات ببيع نسبة 40% من الإيرادات المحققة بالعملة الأجنبية من خلال القطاع المصرفي، والحصول عليها بالسعر الرسمي، وذلك طوال مدة تقديم الدعم وهو 5 سنوات، وأن يحصل المستفيد من المبادرة على الدعم المقدم بعد تقديم رخصة التشغيل، واقتراح مد مهلة تقديم رخصة التشغيل إلى 30 يونيو 2026 لإتاحة الفرصة لزيادة الطاقة الفندقية.
وتحقيقا للرقمنة وللشمول المالي، وفي مايو 2020، أطلق البنك المركزي المصري مبادرة السداد الإلكتروني، لتنشيط السداد الإلكتروني للمدفوعات، وتقليل الإعتماد على النقود ” الكاش”، إذ أتاحت البنوك حوافز للعملاء لدى استخدامهم وسائل القبول الإلكتروني المتاحة بكافة محافظات الجمهورية، عبر 10 آلاف نقطة بيع إلكترونية يتحمل تكلفتها البنك المركزي.
وبالتزامن مع إجراءات الشمول المالي، واصل البنك المركزي المصري تحركاته الرامية إلى تحقيق الرقمنة، من خلال مبادرة نشر 6500 ماكينة صراف آلي، عبر عدد مـن البنوك لضمان تقـديم البنوك الخدمات المناسـبة لعملائها، ليصـل بذلك إجمالي عـدد ماكينات الصراف الآلي إلى مـا يقـرب مـن 20 ألف ماكينة موزعة على كافة المحافظات.
ومع التوجه الكبير نحو المدفوعات الرقمية، جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي من خلال المجلس القومى للمدفوعات، بشأن تعزيز مبادرة البنك المركزى بإنشاء بطاقات دفع ذات علامة تجارية وطنية وتمكين حامليها من استخدامها فى الحصول على الخدمات المالية المحتلفة لإدماجهم فى النظام المالى، والتي تمثل في بطاقات ميزة.
وبحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزى المصرى، فقد وصل عدد بطاقات ميزة الوطنية بالسوق المصرية إلى 33.7 مليون بطاقة مصدرة خلال منتصف عام 2023، وبالتوازي مع ذلك، كشف البنك المركزى المصرى عن نشر البنوك 300 ألف نقطة بيع إلكترونية جديدة فى المحافظات التى لا يوجد بها الأعداد الكافية لنقاط البيع، ليرتفع إجمالى عدد نقاط البيع الإلكترونية إلى 1.091 مليون نقطة بيع.
المصدر : وكالات