يستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي غدا ( الأحد ) بالقاهرة ، صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولى العهد ، ونائب رئيس مجلس الوزراء ، ووزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية ، الذي يقوم بزيارة لمصر تستغرق ثلاثة أيام فى بداية جولة خارجية هي الأولى له منذ أن أصبح وليا للعهد في يونيو 2017 ، حيث تتضمن المحطة الثانية من جولته الخارجية زيارة المملكة المتحدة في السابع من شهر مارس الحالي ولقاء مع رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى ، ثم يتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، محطته الثالثة والأخيرة في زيارة لها تبدأ في ١٩ من نفس الشهر للقاء الرئيس دونالد ترامب ٠
أختيار الأمير الشاب مصر لتكون محطته الأولى في جولته الخارجية يعكس حرصه على تعزيز علاقات التشاور والتنسيق مع مصر بما يحقق مصالح الأمتين العربية والإسلامية وشعوبهما ، وتؤكد الزيارة متانة ودفء العلاقات الثنائية المشتركة بين الرياض والقاهرة ، اللتين تربطهما علاقات إستراتيجية وتاريخية جيدة ، لا يمكن أن يزعزها أي كيان أو تحالف ، حيث قنوات الإتصال المفتوحة والزيارات المتبادلة ٠
وقد رحبت رئاسة الجمهورية في بيان لها أمس (الجمعة )، بزيارة ولى العهد السعودى لمصر مؤكدة “أنه سيحل ضيفا عزيزا علي وطنه الثاني مصر”، وذلك تأكيدا على أزلية وعمق وقوة العلاقات التي تربطهما ، حيث تعد كل مصر والسعودية امتدادا طبيعيا للأخر من الناحية التاريخية والبشرية والسياسية ، زيارة تستهدف تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، فضلا عن تعزيز علاقات الأخوة والصداقة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، إضافة إلى تنسيق المواقف تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وذلك قبل توجه الامير محمد بن سلمان إلى لندن وواشنطن ، وقبل انعقاد الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة فى ٢٣ مارس الحالى ٠
وفى مقدمة الموضوعات المتوقع طرحها للنقاش بين الرئيس السيسى والأمير محمد ، موضوع اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وعزمها نقل سفارتها إليها منتصف شهر مايو القادم ، حيث تقع القضية الفلسطينة فى قلب السياسات والتوجهات المصرية السعودية ، وموضوع كيفية تحجيم أيدي إيران عن العبث بأمن المنطقة العربية والتدخل في الشئون الداخلية لدولها، وموضوع المقاطعة مع قطر ، وموضوع مكافحة الإرهاب وتوحيد الجهود للقضاء عليه بكل الصور ، حيث يواصل الجيش المصري عملية سيناء ٢٠١٨ ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء ، خاصة وأن الرئيس السيسى كان قد عرض فى شهر مايو الماضى ، خلال مشاركته فى أعمال القمة العربية الإسلامية التى شارك فيها الرئيس الامريكى ترامب استراتيجية شاملة لمواجهة خطر الارهاب ، من خلال تكثيف الجهود الدولية الساعية لوقف تمويل التنظيمات الإرهابية ومدها بالسلاح والمقاتلين وتوفير الملاذ الآمن لها٠
عمق ومتانة العلاقات التاريخية التى تجمع مصر والسعودية والشعبين الشقيقين ، تترجمها علاقات ثنائية متميزة تتميز بالخصوصية ، وتتسم بالقوة والاستمرارية وبطابع استراتيجى ، نظرا للمكانة والقدرات الكبيرة التى يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية ، فهما دعامتا الأمة العربية القادرتان على تحقيق الأمن والسلام فى المنطقة ومواجهة التحديات التى تواجهها الأمة ، كما أنهما قطبا العلاقات والتفاعلات فى النظام الإقليمى العربى ، و التشابه بين السياستين المصرية والسعودية يؤدى إلى التقارب إزاء العديد من المشاكل الدولية والقضايا العربية والإسلامية٠
“تنسيق وتشاور دائمان ” بين البلدين الشقيقين ، تلك هى سمة العلاقة التى تربط مصر والسعودية ، ، ويحرص الجانبان المصرى والسعودى على إقامة علاقات ودية وطيبة بينهما ، ويتفقان على رفض اى تدخل خارجى فى الشئون العربية الداخلية ، وكل ما يمس الأمن القومى العربى ويهدد استقرار الدول العربية ، فالأمن القومى العربى هدف إستراتيجى لكل منهما ، ففى حين تنظر مصر للسعودية بأهمية بالغة لوقوعها فى الإمتداد الجغرافى الذى يمثل الفضاء الحيوى والاستراتيجى لمصر فى دائرتين اساسيتين متداخلتين من دوائر السياسة الخارجية المصرية الثلاث (العربية والإسلامية والإفريقية) ، تعتبر السعودية المساس بمصر ، مساسا بالإسلام والعروبة ومساسا فى ذات الوقت بالمملكة ، وأنه مبدأ لاتقبل المساومة عليه أو النقاش حوله تحت اى ظرف من الظروف٠
ويشترك البلدان فى أهداف السياسة العربية ، وهى مجموعة من الأهداف المرتبطة بالأوضاع الأمنية والعسكرية الحالية فى المشرق العربى وشبه الجزيرة العربية وليبيا ، وهو أمر ضروري ، حيث مفهوم الربط بين أهداف المرحلة الحالية وأهداف أعمق وأبعد مدى تتعلق بشكل المنطقة مستقبلا
مصر والسعودية تربطهما علاقات اقتصادية ، حيث لا تنسى مصر الدعم السعودي للاقتصاد المصري الذي قدمته عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ، ويحقق حجم التبادل التجاري بين البلدين قفزات مستمرة وبصورة متضاعفة ، حيث تحتل الإستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر ، والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات العالمية وقفز حجم التبادل التجارى بين البلدين ، وهناك مشروع للربط الكهربائي وتبادل الطاقة بين مصر والسعودية ،فى إطار منظومة الربط باستثمارات تبلغ ٥ر١مليار دولار ، ومشروع لإقامة جسر عملاق يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر ( تحت الدراسة )، يربط مدينة شرم الشيخ المصرية برأس حميد فى منطقة تبوك شمال السعودية ، مما يتيح تأمين تنقل أفضل للمسافرين بين البلدين من الحجاج والمعتمرين والسياح والعمالة ، وتنشر العمالة المصرية فى كل مناطق المملكة ، ويشغل العاملون المصريون قطاعات حيوية مثل الصيدلة والطب والمحاسبة والتعليم والإنشاءات والمقاولات ، إلى جانب علاقات دينية وثقافية متميزة تتجسد فى التعاون فى مجال الوقاف والشئون الاسلامية ٠
وولي العهد السعودى الامير محمد بن سلمان ، كان قد قام بزيارة لمصر فى ٣٠ يوليو عام ٢٠١٥ ، عندما كان وليا لولي العهد ، والتقى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى فقد اتفق الجانبان على وضع حزمة من الآليات التنفيذية في مجالات تطوير التعاون العسكرى والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة ، وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل ، و تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل على جعلهما محورا رئيسيا في حركة التجارة العالمية ، وتكثيف الاستثمارات المتبادلة السعودية والمصرية بهدف تدشين مشروعات مشتركة ، و تكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين لتحقيق الأهداف المرجوة في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، ومواجهة التحديات والأخطار التى تفرضها المرحلة الراهنة.
الامير محمد بن سلمان صاحب رؤية جريئة ضد الأفكار المتشددة في المملكة ، ويتبنى انفتاحا اجتماعيا ظهرت بوادره خلال الفترة الماضية منذ السماح للمرأة بقيادة السيارة إلى السماح للمرأة السعودية اليوم بتقلد منصب نائب وزير ، مؤكدا “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”، وتابع “نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة ، وهذا أمر أعتقد أنه اتخذت (في إطاره) خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.
واستطاع الأمير محمد بن سلمان بعد عام واحد من توليه منصبه وليا لولي العهد ، تقديم رؤية متكاملة بشأن مستقبل المملكة “رؤية السعودية 2030″، التى وافق عليها مجلس الوزراء السعودي في أبريل عام 2016 ، وتهدف إلى تحضير المملكة لمرحلة ما بعد النفط ، متضمنه عدة برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية، وتشتمل الخطة إصلاح في الموازنة العامة، وتغيير تنظيمات ومبادرات خمسية ، وستعمل هذه الرؤية على تعزيز الجهاز الحكومي وتعزيز القطاعات الإنتاجية والصناعية غير النفطية ، وشملت أيضا إقرار مجلس الوزراء لبرنامج التحول الوطني ” 2020″، الذي يستهدف تنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات غير النفطية ، من أجل مواجهة تراجع أسعار النفط.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ)