تحت وطأة الأولوية الفورية لأزمة “كوفيد -19” الحالية، تراجعت المكانة التي حظيت بها قضية التغيرات المناخية في المحافل الدولية منذ عقد المؤتمر العالمي الأول للتغيرات المناخية في مدينة جنيف السويسرية عام 1979، حيث أدرجت تلك القضية على مدى أكثر من أربعة عقود كبند أساسي في جميع أجندات وبرامج عمل القمم العالمية والإقليمية والثنائية، فضلا عن القمم المخصصة فقط لمناقشة هذا الموضوع الذي مازال حيويا رغم أزمة كورونا الصحية التي أبعدت العالم عنه.
واقع الأمر يؤكد أن القضيتين على قدر كبير من الأهمية والخطورة رغم اختلاف طبيعتهما، فإحداهما (كورونا) أزمة مؤقتة ومن المتوقع أن تكون تداعياتها مؤقتة رغم تفشيها، والأخرى التغير المناخي الموجود منذ سنوات طويلة، وسيظل مستمرا لعقود مهددا البشرية باضطراب إقتصادي وإجتماعي وبيئي ما لم يتم العمل المتواصل للحد من أسبابه وأثاره، والعالم مطالب بالعمل لدعم تعافي اقتصادي صديق للبيئة يتسم بالمرونة.
استشعارا بخطر تراجع الإهتمام بقضية التغيرات المناخية أمام أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن تغير المناخ يمثل مشكلة أعمق من الفيروس، وأن كورونا والتغير المناخي مشكلتان خطيرتان تتطلبان استجابة محددة من الحكومات والمؤسسات والمواطنين.. مشددا على أن تفشي فيروس كورونا المستجد لن يشتت الانتباه عن قضية تغير المناخ أو انعدام المساواة أو غيرها من القضايا الملحة.
دمج ملف التغير المناخي مع حل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كوفيد 19، إشكالية نجح في تحقيقها “حوار بطرسبرج بشأن المناخ” الذي عقد في شقه الوزاري رفيع المستوى في شهر أبريل الماضي عبر الفيديوكونفرنس، والذي أكد مكانه كحدث راسخ في مفاوضات المناخ الدولية.
الحوار الذي شاركت فيه مصر ووزراء البيئة من 30 دولة من دول العالم المتقدمة والنامية، ركز على التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” حول العالم، وكيفية تنظيم تعاف اقتصادي “صديق للبيئة” بعد انتهاء المرحلة الحادة من الوباء.
وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة التي مثلت مصر في الحوار، أهمية وقوف العالم بأسره في حالة من التكاتف في ظل الظروف الراهنة التي يواجهها من خلال جائحة كورونا العالمية.. مشيرة إلى أنه فرصة لجميع وزراء البيئة حول العالم للتكاتف والعمل الدولي الموحد والمتناسق لمواجهة كافة التحديات البيئية التي تحدق بالعالم.
وأوضحت أن من أهم الاهتمامات للتصدي لهذه التحديات تكمن في دعم مشروعات التغير المناخي في مجالات المرونة والتكيف وفتح قنوات اتصال بشكل أوسع بين التغير المناخي والصحة ونقل التكنولوجيا وتنمية القدرات والاهتمام بالبحث العلمي.
بفعل كورونا لم يعد 2020 كما كان مقررا عاما محوريا لمعالجة حالة الطواريء المناخية، الناجمة عن معدلات الاحترار العالمي الذي يتسارع مسجلا العام الماضي ثاني أعلى درجة حرارة (بعد عام 2016) والعقد الماضي الذى كان الأكثر حرارة في تاريخ البشرية، حيث تواجه الجهود العالمية الرامية للحد من التغيرات المناخية تحد هائل بشأن الإقتصاد المتعافي بعد أزمة كورونا.
وسيؤثر هذا على خطة الإتحاد الأوروبي الطموحة للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، حيث لن تكون ممكنة لأن الاتفاق الأخضر يمثل هدفا بعيد المنال غير قابل للتنفيذ من الناحية المالية بعد النزيف الذي أحدثته أزمة كورونا في الإقتصاد العالمي.
فمنذ اتفاق باريس لخفض الانبعاثات.. ارتفع سقف الطموح المناخي العالمي لتثبيت ارتفاع درجة الحرارة عند أقل من درجتين، وبدأ الاتحاد الأوروبي في تقديم حافز بيئي من خلال ما يعرف بـ “الاتفاق الأوروبي الأخضر”. وقال فرانس تيمرمانس، رئيس المفوضية الأوروبية، إن كل يورو ينفق على تدابير التعافي الاقتصادي بعد أزمة كوفيد 19 سيكون مرتبطا بالتحولات البيئية والرقمية، وإن الاتفاق الأوروبي الأخضر هو بمثابة استراتيجية للنمو واستراتيجية للنصر، إنه ليس ترفا نتخلى عنه عندما نتعرض لأزمة أخرى. فهو أمر ضروري لمستقبل أوروبا”.
ورغم ذلك فقد كشف تقرير للأمم المتحدة أن العالم، حتى بالنسبة للدول التي تلتزم باتفاقية باريس للمناخ، في طريقه إلى تسجيل زيادة قدرها 3 درجات مئوية فيما خلصت دراسة علمية جديدة إلى أن ما يربو على ثلاثة مليارات شخص سيعيشون على الأرجح في مناطق درجات الحرارة فيها قد توصف بأنها “غير صالحة للحياة” بحلول عام 2070 وسوف يعاني كثيرون من متوسط درجات حرارة تفوق 29 درجة مئوية، إذا لم تسجل انبعاثات الاحتباس الحراري تراجعا، وتوصف هذه الظروف البيئية بأنها خارج “الإطار” المناخي الذي عاش فيه البشر خلال الـ6 آلاف عام الماضية.
وإلى الآن يوجد مظهر مهمل من مظاهر مشكلة التغيرات المناخية؛ فحتى الآن لا يوجد إلا القليل من الدراسات التي تبحث في مدى تأثير الطقس على انتشار فيروس كورونا، كما تم إجراء قدر أقل من البحوث حول تأثيرات التغير المناخي على الصحة ووفرة الطعام والنمو الاقتصادي والهجرة والأمن والتغير الاجتماعي والمنافع العامة مثل مياه الشرب مقارنة بتلك الأبحاث التي أجريت حول التغيرات الجيوفيزيائية المرتبطة بالاحتباس الحراري العالمي.
وبسبب قلة الأبحاث التي أجريت حول التأثيرات البشرية على التغير المناخي، وصعوبة التفرقة بين تأثير التغير المناخي والعناصر الأخرى المساهمة؛ فإن الإحصاءات التي ترتبط بالتأثيرات البشرية على التغير المناخي بها هوامش كبيرة من عدم الدقة، وعلى المستوى العالمي بوجه خاص، فإن كثيرا من البيانات الإحصائية حول التأثير البشري على التغير المناخي يجب أن تعد مؤشرًا على درجة هذا التأثير.
المصدر : أ ش أ