يأتي إدراج إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوات “الحرس الثوري” الإيراني على القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية الأجنبية، في إطار الحرب النفسية المشتعلة بين واشنطن وطهران، فى خطوة يعتبرها مراقبون أنها ستتسبب فى خلق مزيد من سباق التسلح بالمنطقة.
وبعد إدراج الحرس الثوري الإيراني، من المتوقع وقوع عدد من الإجراءات العقابية الأمريكية الأخرى ضد إيران من بينها تجميد الأرصدة المالية التي قد تكون مودعة لدى بنوك أمريكية.
وعلى الفور جاء رد الفعل من طهران، والذي تمثل في قرار المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بتصنيف الولايات المتحدة بـ “دولة راعية للإرهاب”، والقوات الأمريكية المنتشرة فى المنطقة بـ “جماعات إرهابية”، وأكد المجلس الإيراني أن هذه الخطوة تأتى ردا على ما أسمته بـ “الخطوة غير المشروعة والمتهورة” التي اتخذتها واشنطن بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
كما حث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على تصنيف القوات الأمريكية العاملة فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الإفريقي فى قائمة الجماعات التي تعتبرها إيران “إرهابية” وانتقد ظريف خطوة ترامب وقال :”إنها هدية خاطئة أخرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عشية انتخابات الكنيست المرتقبة، ومصيبة خطيرة”.
جاء ذلك في وقت أعلنت فيه وزيرة الأمن القومي الأمريكي كيرستين نيلسن استقالتها لتنضم إلى قائمة طويلة من المسئولين الذين غادروا إدارة ترامب منذ تشكيلها في يناير 2017. كما نقلت تقارير إعلامية عن مسئولين بالإدارة الأمريكية قولهم: “إن قرار واشنطن يعد سابقة أولى لتصنيف السلطات الأمريكية قوات مسلحة نظامية وتتبع حكومة دولة مستقلة وعضو بمنظمة الأمم المتحدة كمنظمة إرهابية”.
والواقع أن العلاقات الأمريكية- الإيرانية تشهد منذ مجيء إدارة ترامب، تصاعداً حاداً وتهديدات متبادلة، بدأت مبكراً بشأن الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، ووصل إلى ذروته برفض الرئيس الأمريكي (ترامب) المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني، وتبني استراتيجية أمريكية أكثر عدائية تجاه إيران، وخلال إعلانه لاستراتيجيته الجديدة وصف الرئيس الأمريكي إيران بأنها “نظام متطرف”، واتهمها بأنها “أكبر دولة راعية للإرهاب”، ورفض الإقرار بالاتفاق النووي الذي وُقع عام 2015 في عهد الرئيس أوباما. وقد أثار الموقف الأمريكي ردود فعل إقليمية ودولية واسعة، لعل من أشدها قوة الموقف الروسي والصيني والموقف الأوروبي.
حقيقة الأمر أن ثمة جملة من الأسباب تقف وراء توتر العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وهي أسباب تدور حول ثلاثة قضايا: أولها، الملف النووي الإيراني: وهو الاتفاق الذي استمر التفاوض حوله قرابة 13 عاماً وفق صيغة (5+ 1) التي تضم كلاً من: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا من جهة، وإيران من جهة أخرى، والذي تم توقيعه في يوليو 2015، ودخل حيز التنفيذ في 15 يناير 2016، واتسمت هذه المرحلة بتحسنٍ في علاقات إيران مع عدد من الدول، وتراجعها مع دول أخرى، وقد كان هذا الاتفاق من ضمن مجموعة من السياسات الأخرى التي تم إقرارها في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، والتي نالها هجوم كبير من قبل ترامب؛ إذ وعد في أثناء حملته الانتخابية بتمزيق هذا الاتفاق وظل يهاجمه بعد توليه الرئاسة، متهماً إياه بأنه منح إيران مكاسب كبيرة دون أن يلجم رغبتها في امتلاك السلاح النووي، وأن الاتفاق فيه تساهل كبير، سمح لإيران بتجاوز كميات الماء الثقيل المحددة، وأن طهران تخوف المفتشين الدوليين من الوصول إلى أماكن سرية.
ثاني القضايا محل الخلافات: منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية: فرغم التحذيرات الأمريكية استمرت طهران في الإعلان المتكرر عن إجراء تجارب صاروخية لاختبار التطوير المستمر لمنظومتها الصاروخية، وباتت قادرة على استهداف القطع العسكرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، وفي القواعد العسكرية الأمريكية الواقعة بالقرب من ذلك، وصار بمقدورها الوصول إلى (إسرائيل)، وما يُمثله ذلك من تهديد جدي لأمنها، وهذا الأخير يُعد أهم ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة، خاصة في عهد ترامب، والذي ترجمته قرارات ترامب الأخيرة بشأن القدس وغزة والجولان، وكشفت عن حماساً كبيراً في الالتزام بحماية أمن إسرائيل.
ثالث القضايا: دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة: من خلال القوى التابعة لها، والتي تمثل امتداداً فكرياً وسياسياً، وفي بعض الأحيان عسكرياً، لها، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، والجماعات الشيعية في العراق وعدد من دول المنطقة.
ومن ثم باتت سياسات إيران من العوامل الرئيسة التي تسهم في خلق وتغذية الاضطرابات، وإثارة الصراعات في المنطقة، بل وتهديد السلم والأمن في المنطقة والعالم، من خلال تهديدها للملاحة الدولية في ممرات مائية دولية شديدة الأهمية، كما هو الحال مع مضيق باب المندب ومضيق هرمز.
هذه القضايا الخلافية دفعت ترامب لتبني استراتيجية للمواجهة مع طهران، انقسمت إلى ثلاث خطوات: أولها، منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وعدم التصديق على الاتفاق النووي ما لم تضَفْ له بنودا جديدة؛ منها حظر التصنيع الصاروخي؛ لا سيما طويلة المدى أو تلك القادرة على حمل رؤوس نووية. وثانيها، فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على إيران وخاصة عقوبات مشددة على الحرس الثوري الإيراني، (الذي أدرج على القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية الأجنبية”. وثالثها، التضييق على أذرع إيران العسكرية خارج حدودها.
تشير توقعات المحللين أنه في حال حدوث أي نزاعات محتملة بين واشنطن وطهران، فإن التوتر في الشرق الأوسط سيتصاعد، سواء في سوريا أو اليمن أو لبنان أو العراق أو منطقة الخليج، وأن العراق قد يتحمل العبء الأكبر، باعتبار أن العراق هو “المسرح المحتمل للانتقام، حيث ترتبط المليشيات المنتمية للأغلبية الشيعية بعلاقات وثيقة مع طهران”. وتتهم واشنطن إيران بدعم المليشيات الشيعية في العراق، والتي نفذت هجمات استهدفت البعثات الدبلوماسية الأمريكية في العاصمة بغداد والبصرة (جنوب).
ويؤكد مراقبون أن موقف الرئيس ترامب وإدارته من إيران، وتبني استراتيجية أمريكية جديدة تجاهها، يسهم في زيادة مستوى التوتر العسكري والأمني، وبخاصة في منطقة الخليج العربي، وربما في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، إضافة إلى رفع مستوى الاستقطاب بين إيران والقوى المرتبطة بها والمتحالفة معها من جهة، والقوى الرافضة للسياسات الإيرانية من جهة أخرى. وربما ينعكس الموقف الأمريكي سلباً على البؤر الصراعية في المنطقة، سوريا واليمن والعراق ولبنان، والزج بالمنطقة في صراعات جديدة، وتوريطها في سباق تسلح، مما يزيد من حدة التوترات وعد الاستقرار في العالم أجمع وفي منطقة الشرق الأوسط بالأخص.
المصدر : وكالات