اقترب الفصل الأخير من مشهد الانتخابات الأمريكية 2020 من نهايته الدرامية، مع بروز الحدث الأهم الأسبوع المقبل وهو التصويت في المجمع الانتخابي، والإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي المنتخب الديمقراطي جو بايدن بسدة الحكم، ورغم ذلك يأبى الرئيس المنتهية فترة رئاسته دونالد ترامب، أن يترك مسرح الأحداث السياسية الأمريكية طيلة أربع سنوات مقبلة دون مشاغبات سياسية.
وقد ضمن بايدن رسمياً الأصوات الـ 270 الضرورية في المجمع الانتخابي المؤلف من 538 ناخباً كبيراً، بعدما صادقت كاليفورنيا على انتخاباتها الرئاسية، مانحة إياه أصواتها الـ 55 المخصصين للولاية، واقتربت الفرص القانونية أمام ترامب من نهايتها، بعدما رفضت المحكمة العليا في ويسكونسن، ومحاكم أخرى في كل من مينيسوتا وميشيجن ونيفادا، أحدث طعونه القضائية لقلب النتائج في هذه الولايات.
وحسب النظام الانتخابي للولايات المتحدة، وصلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمس، إلى ما يسمى “الملاذ الآمن”، وهي مرحلة رئيسية يتم فيها تثبيت أصوات الولايات، ويُمنع الكونجرس إلى حد كبير من التدخل .
جاءت مرحلة “الملاذ الآمن” بعد مرور35 يوماً على الانتخابات، وتخصص هذه الفترة لتسوية أي نزاعات، وإذا ما صدّقت أي ولاية على نتيجتها قبل هذا الموعد، فإنه لا يمكن للكونجرس أن يتدخل لاحقاً لإلغاء ما قرره الناخبون في تلك الولايات.
حظيت هذه المرحلة بزخم كبير هذه المرة بسبب رفض الرئيس ترامب الاعتراف بالهزيمة، ومضيه في إقامة دعاوى قانونية في عدد من الولايات لإلغاء نتيجة الانتخابات التي فاز بها جو بايدن .
وفي الوقت الذي يواصل فيه بايدن استكمال ملامح إدارته الجديدة، لتولي حكم البيت الأبيض لمدة أربع سنوات، كشفت تقارير أمريكية أن ترامب يفكر في مغادرة البيت الأبيض بطريقة دراماتيكية، تتضمن قيامه برحلة أخيرة على متن الطائرة الرئاسية في 20 يناير إلى فلوريدا، حيث سيحضر مهرجاناً معارضاً في الوقت نفسه الذي تجري فيه احتفالات تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.
ونقلت محطة “إن بي سي نيوز” عن مصادر أمريكية أن ترامب لن يحضر مراسم تنصيب بايدن، وسيعلن ترشحه لانتخابات 2024 رسمياً للعودة للبيت الأبيض، وهو ما سيؤدي إلى اربعة سنوات يقوم فيها ترامب بدور المعارض الرئيسي لبايدن ، وخلال فترة رئاسة بايدن سيظل يلعب دوراً سياسياً داخل الحزب الجمهوري، من خلال مجلس الشيوخ حالة حصوله على الأغلبية، من خلال كسب المجلس مقعدى ولاية جورجيا في 5 يناير المقبل.
وحيث يستعد الجمهوريون والديمقراطيون لانتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ عبر جولة ثانية من الانتخابات، بات السباق يجسد التوتر العام في البلاد ويمثل نسخة مصغرة عما يجري من مشاحنات منذ السباق الرئاسي في الثالث من نوفمبر الماضي.
وهذا ما يفسر ـ حسب المراقبين ـ إصرار ترامب على عدم الاعتراف بخسارته، وامتناعه رسمياً عن قبول الهزيمة، خصوصاً أن الدستور الأمريكي لا يجبره على ذلك، وبمواصلته القول إنه لم يخسر السباق، يحاول قطع الطريق على أي مرشح جمهوري يسعى إلى الترشح للانتخابات في 2024.
وقد خلق إعلان ترامب خلال مهرجانه في جورجيا ، أنه “لا يريد الانتظار حتى عام 2024” مشكله امام كثير من المسؤولين الحاليين والسابقين، وزعماء الكونجرس الجمهوريين، الذين ينظر إليهم على أنهم مرشحون محتملون في سباق 2024، ومن بين هؤلاء نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، وأعضاء مجلس الشيوخ ومنهم، السيناتور تيد كروز، ماركو روبيو، ريك سكوت، جوش هاولي، وتوم كوتون.
وفي هذا الصدد يقول بريندان باك، الخبير الاستراتيجي الجمهوري،: “إنهم جميعاً يحتاجون إلى مواكبة الأمر لأنهم يعرفون أنهم عندما يفكرون في الترشح، فإن أسوأ شيء هو أن تكون ضد ترامب”، ويعتقد “باك” أن من مصلحتهم الإشارة إلى هزيمة ترامب في انتخابات هذا العام”.
وترددت تكهنات في واشنطن بأنه في حال لم يتمكن ترامب من الاحتفاظ بثقة ودعم الحزب الجمهوري، فإنه لن يتوانى عن تشكيل حزب جديد أو بديل، في تكرار لسوابق شهدها الحزب في السنوات الأخيرة، رغم أنها لم تصل إلى حد الانشقاق عنه.
لكن مع خطاب ترامب المتشدد، وشعاراته النارية ، وتحريضه على الطبقة السياسية، وحصوله على ثاني أكبر تصويت شعبي بعد بايدن في تاريخ الانتخابات الرئاسية، لا يستبعد المراقبون هذه الفرضية وهى إما تغيير طبيعة الحزب الجمهوري وقناعاته وقياداته ، بما يتناسب مع رؤية ترامب، أو تأسيسه لحزب ثالث جديد .
وهناك اتجاهان داخل الحزب الجمهوري، الأول يعتقد أن سلوك ترامب جيد لأنه يجنب الحزب الجمهوري الصراع الداخلي بين المرشحين ، بينما يعتقد الاتجاه الثاني أن ذلك يؤدي إلى شلل الحزب الخاسر عادة في الانتخابات من القيام بمراجعة ذاتية للأسباب التي أدت إلى خسارته، وتجديد قياداته، وتعيين مكامن الخلل.
ويقول آلن إبرامويتز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إيموري بأتلانتا، إن “مغازلة” ترمب لأنصاره واختباره موقف الجمهوريين من فكرة ترشح جديد، قد تتسبب في استياء بين الطامحين في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وإذا تأكدت رغبة ترامب في الترشح لعام 2024، فقد ينسحب الكثيرون لإتاحة المجال له، وخوفاً من تداعيات منافسته، وهو ما يثير الكثير من التوتر بين أعضاء الحزب الذين يخشون أن يصبح منصة لدعم مصالح ترامب.
المصدر : أ ش أ