من قلب القاهرة إلي الوطن العربي والعالم أعلن الفتي “بليغ عبد الحميد حمدي سعد الدين مرسى” عن موهبته الموسيقية منذ التاسعة من العمر، وحتي عمر الـ 62 عامًا ظل ” ملك الموسيقي” كما نعته جريدة الأهرام عند رحيله عن عالمنا في 12 سبتمبر 1993، على قمة التلحين في الوطن العربي.
وخلال حوالي ربع قرن وتحديداً قبل 24 عامًا من رحيله لم يغب بليغ حمدي عن الساحة الغنائية في الوطن العربي، بسبب رصيده الكبير من التلحين لكبار مطربين ومطربات الوطن العربي، ووصل رصيده إلي 1500 لحن غير متشابه أو مكرر لثلاثة اجيال غنائية على الأقل.
ومن قلب القاهرة وفِي 7 أكتوبر عام 1931 ولد بليغ في حي شبرا لأسرة ميسورة الحال، فوالده أستاذ في الجامعة ومشجعه الأول على حب الفن وعشق العود الذي تعلم العزف عليه في سن التاسعة وتمكن من أوتاره وطوعها لألحانه الخاصة عندما كان في سن العاشرة، وعلي الرغم من عشقه للعود والتلحين إلا أنه بدأ حياته الفنية كمطرب، بل وتم اعتماده في الإذاعة المصرية وسجل أربع أغنيات، بعدما درس أصول الموسيقي في مدرسة عبدالحفيظ إمام للموسيقي الشرقية اثناء دراسته بمدرسة شبرا الثانوية، في تلك المرحلة كانت الفنانة شادية جارته في الشارع والموسيقار صلاح عرام والمطربة فايدة كامل والمطرب عبد الحليم حافظ والشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد، زملاءه في الدراسة.
ولم يستمر بليغ طويلًا في تجربة الغناء لعشقه للعود والتلحين عليه، وكانت أغنية ” ليه لأ” للمطربة فايدة كامل هي أول ما لحن.
ومع بدايته وفِي أول رحله خارجية له إلي بيروت اختطفه المطربون السوريون علي مدار أربعة أشهر متواصلة لحن خلالها 22 لحنا لكل مطربي سوريا ومطرباتها، وفي تلك الفترة غنت له فايزة أحمد “ما تحبنيش بالشكل ده”، ثم “حسادك علموك”، ولحن لصباح ” كدابة” ولحن لشادية ” مكسوفة” .
ولكن النقلة الكبيرة في حياة بليغ التلحينية جاءت عندما اجتمع مع محمد فوزي والذي تبناه بالفعل لدرجة أنه أهداه تلحين أغنية لأم كلثوم كان سيقوم هو بتلحينها وهي ” أنساك “، وكان لقاء أم كلثوم وبليغ مرحلة جديدة ليس في تاريخهما فقط بل في تاريخ الأغنية واللحن العربيين، باعتبار أن أم كلثوم كانت صوت الغناء العربي الأقوى والأعظم، فوضعت حدا فاصلا بين معنى الغناء الكلاسيكي والرومانسي والغناء الواقعي.
وكان تعاونه الأول مع عبد الحليم حافظ في أغنية “تخونوه” الذي كانت ستغنيها فايدة كامل، لكن حليم أصر على الحصول عليها ليغنيها في فيلمه “الوسادة الخالية”، وجاء التعاون الثاني في أغنية “خسارة” التي غناها حليم في فيلم “فتى أحلامي” لتتوالي أشهر أغاني حليم وبليغ.
وكانت ألحان بليغ واقعية متأثرة بالتراث الشعبي، مثل ألحان سيد درويش، وخصوصًا عندما توجه للفلكلور الشعبي والأوبريت الغنائي، ويحسب لبليغ فضله في مزج أو استحداث ” ضروب إيقاعية” تم إضافتها إلى قائمة الإيقاعات العربية المُستَخدَمة ليبدع أنواعَ جديدة، ففي مقدمة أغنية ” حاول تفتكرني ” للحليم ، إيقاعاً مغربياً لأول مرة في وقت كان يمكنه الاستعاضة عنه بآخر مألوف للجماهير، ثم أنه استحدث إيقاعاً من وزن جديد وظهر بوضوح في مقدمة لحنه لأغنية ” الحب كله ” لأم كلثوم .
ويشير المتخصصون في عالم الموسيقى إلى عبقريته في السبق بابتداع العديد من الإيقاعات المركبة والتي استخدمها آخرون بعده، كما يؤكدون اهتمامه بتطوير أداء الكورس والأصوات البشرية المصاحبة للمطرب. فأدخل وللمرة الأولى في تاريخ الغناء العربي الأصوات البشرية في سياق الأغنية ذاتها لتعبر عن دراما النص كما كان له السبق في إقناع كوكب الشرق باستخدام الكورال في أغنية “حكم علينا الهوى”.
وقد قام بليغ بتلحين جميع الألوان الغنائية من رومانسية أو شعبية أو وطنية أو القصائد أو حتي ابتهالات دينية مثل مجموعة الحانه للشيخ “سيد النقشبندي” واشهرها “مولاي” بل وحتي اغاني الاطفال مثل اغنية “انا عندي بغبغان” لوردة.
وبالجمل الفلكلورية لحن لشادية “آه يا أسمر اللون حبيبي يا اسمراني”، ولحن لعبد الحليم حافظ أربع أغنيات هي “أنا كل ما أقول التوبة” و”على حسب وداد قلبي”، و”إن لقاكم حبيبي سلمولي عليه” و”سواح وماشي في البلاد سواح” والأغاني الأربع مأخوذة من أربع جمل أصيلة من الفلكلور الشعبي.
وكان لا يجد حرجا في إدخال ” المزمار الصعيدي ” والإيقاعات المشهورة صعيدياً في أقوى وأطول مقدمات الأغاني التي كان يقدمها للحليم أو أم كلثوم أو غيرهما.
كما اتجه للمسرح الغنائى وشغف به، حيث كان يرى أن تلحين الأوبريتات هو التطور الطبيعي لمشروعه الموسيقى، وأول أوبريت لحنه كان “جميلة”، ثم كان أوبريت “مهر العروسة” تأليف عبد الرحمن الخميسي تناول تأميم قناة السويس وأمضى عاما ونصف في تلحينه وعرض في أوائل عام 1964، وكانت النتيجة مباشرة بعودة المسرح الغنائي.
وقد تزوج بليغ في بداية حياته من ” أمنية طحيمر” لمدة عام واحد، وظل في حياة العزوبية على مدار عشرة أعوام قبل أن يرتبط بالفنانة الجزائرية وردة لمدة سبعة أعوام ولم يجرب حظه في الزواج حتي فارق الحياة في مثل هذا اليوم ولكنه مازال في الذاكرة.
المصدر: وكالات