يبدو أن قرار سحب 3 دول خليجية سفرائها من قطر لا يعبر عن أزمة طارئة بسبب عدم التزام الدوحة بتعهداتها تجاه دول الخليج الأخرى وفقًا لبيان الدول الثلاث، ولكنه يعكس قضايا خلافية عميقة في العلاقات بين قطر والدول الثلاث عامة، والسعودية على وجه الخصوص، وهو ما يلقي الضوء عليه تحليل تنشره اليوم الخميس صحيفة الأخبار اللبنانية، تحت عنوان (الرياض والدوحة معركة ساخنة بلغة ناعمة).
يقول التحليل، إن الخلاف يعود إلى عام 1913، حين قرر عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، إلحاق قطر بإقليم الأحساء، بعد احتلاله. ولم يعترف عبد العزيز بحدود قطر إلا بعد عامين بضغط من بريطانيا عبر وكيلها السياسي المعتمد.
وبالرغم من توقيع الاتفاقية الحدودية بين قطر والسعودية سنة 1965، أرسلت الأخيرة في 30 سبتمبر 1992 كتيبة عسكرية للسيطرة على مركز الخفوس الحدودي، على خلفية تجمع قبلي في المناطق المتنازع عليها بين البلدين، حيث يتوزع أفراد قبيلة مُرّة في هذه المناطق. يضيف التحليل أنه بعد إحباط انقلاب عسكري في قطر عام 1995، اتهمت الحكومة القطرية السعودية بـ(التورط في الانقلاب بالتعاون مع بعض أفراد القبيلة، وتم إسقاط جنسية المئات من قبيلة آل مرة وتهجيرهم)، ويتابع أن العلاقات بين البلدين تمر بـ(فترات متقطعة من الهدوء، ما تلبث أن تشهد انتكاسة وتوترًا حادًا)، كما حصل بعد بث قناة الجزيرة برنامجًا تلفزيونيًا في عام 2002 عن تاريخ السعودية باستضافة شخصيات سعودية وخليجية وجهت انتقادات صريحة للملك عبد العزيز، ما أدى إلى سحب السفير السعودي في الدوحة حمد صالح الطعيمي مدة ست سنوات، ثم عادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بعد زيارة قام بها أمير قطر السابق الشيخ حمد إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأسبق الأمير سلطان في مارس 2008.
وتفجر الخلاف بين الرياض والدوحة مجددًا على خلفية تباين المواقف حيال العدوان الإسرائيلي على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009، وسعي قطر إلى عقد قمة عربية طارئة في الدوحة لتشكيل موقف عربي مشترك والضغط على مجلس الأمن الدولي لإرغام الإسرائيليين على وقف العدوان، ولكن السعودية قاطعت القمة.
وفي مايو 2010 تحسنت العلاقات بين البلدين، واستجاب أمير قطر السابق، الشيخ حمد، لطلب الملك عبد الله العفو عن عدد من السعوديين المتورطين في المحاولة الانقلابية التي وقعت عام 1995.
تقول الصحيفة، إنه مع بدء الربيع العربي، بدا ما يمكن وصفه بتحالف الضرورة بين قطر والسعودية وبقية دول مجلس التعاون عمومًا في مواجهة تداعيات الحراك الشعبي الذي كان يقترب من تخوم الخليج ثم مع اندلاع الأزمة السورية، شهدت العلاقة القطرية السعودية مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في سياق مشروع دعم المعارضة بكل أشكالها لإسقاط النظام، في وقت كانت فيه قطر تواصل دعمها لحكومة الإخوان في مصر، ولم يكن ذلك مرضيًا للسعودية والإمارات.
ويشير التحليل إلى موقفين هما الأخطر في ملف العلاقة السعودية القطرية: الأول قطري، عبارة عن تسريب مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في يناير 2011 حول فكرة تقسيم السعودية، حيث تحدث الوزير حمد عن خطة إنهاء السعودية على يده وأن قطر موجودة وستدخل يومًا الى القطيف والشرقية… وأن الملك عبد الله مسكين، مجرد واجهة، وأن الحاكم الفعلي هو سعود الفيصل، وأنه منته وستقسم بعده السعودية إلى عدة مناطق». ووصف بن جاسم النظام في السعودية بأنه نظام هرم.
وكشف عن أن أمريكا وبريطانيا طلبتا منه تقريرًا عن الوضع في السعودية، وأعربتا له عن نيتهما في إطاحة النظام الملكي هناك، إلا أنهم يتخوفون من البديل الذي سيكون إسلاميًا غير مرغوب فيه.
الموقف الآخر، هو التصريح الاستفزازي الذي أطلقه رئيس الاستخبارات العامة في السعودية بندر بن سلطان حين وصف قطر بأنها 300 شخص وقناة، وهذا لا يشكل بلدًا، وجاء ذلك في وقت قررت فيه السعودية انتزاع الملف السوري من القطريين والأتراك معاً، ثم جاء ما يطلق عليه التحليل (تخطيط وتمويل الانقلاب العسكري في مصر بغطاء شعبي في 30 يونيو 2013 ليسدد ضربة قوية لحليف قطر، أي الإخوان)، ودخول الحكم الجديد بمصر في خلافات مع قطر، على خلفية وقوفها مع الرئيس المخلوع محمد مرسي وحكم الإخوان عمومًا.
ويختتم التحيل بالقول: الآن وقد نفّذت السعودية إلى جانب الإمارات والبحرين أول التهديدات ضد قطر، ينتظر من الأخيرة رد فعل على الطلب السعودي بالالتزام بالتعهد، وفي حال تمسكت الدوحة بمواقفها، فإن ثمة مواقف تصعيدية متوقعة، رغم أن المعطيات المتوافرة، وكما توحي لغة بيان مجلس الوزراء القطري، لا تفيد بتراجع من جانب الدوحة. ويضيف: الأوضاع السياسية الاقليمية والدولية غير المستقرة والسريعة التبدل تفتح الباب أمام احتمالات عديدة.
بوابة الشروق