مثل قرار الهند بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير ، وتقسيم “جامو وكشمير” إلى قسمين يخضعان مباشرة لإدارة الحكومة المركزية، بداية فصل جديد من التوتر والصراع بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان ، نظراً لما يمثله إقليم كشمير من أهمية استراتيجية في منظومة توازن القوى في جنوب آسيا، وتوازن القوى بين الهند والصين.
فقد أصدر الرئيس الهندي رام ناث كوفيند، قراراً بتغيير المادة 370 من الدستور الهندي والتي كانت تمنح وضعاً خاصاً لولاية جامو وكشمير، وتتيح للحكومة المركزية في نيودلهي سن التشريعات الخاصة بالدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات في المنطقة، فيما يهتم البرلمان المحلي بالمسائل الأخرى.
يحظر القانون على الهنود خارج الولاية الاستقرار بشكل دائم وشراء الأراضي وشغل وظائف حكومية محلية وتأمين المنح الدراسية التعليمية وبالتالي إحباط أي محاولة محتملة لتغيير ديموغرافي. وتعتبر المعارضة في البرلمان الهندي هذه الخطوة محاولة لتغيير التركيبة السكانية لكشمير ذات الأغلبية المسلمة بالدفع بالمزيد من المستوطنين الهندوس.
ولا شك أن مشروع إعادة تنظيم جامو وكشمير، سيقسم الولاية في حالة تمريره من قبل البرلمان الهندي إلى منطقتين هما :”جامو” و”كشمير” التي ستضم هيئة تشريعية منتخبة و “لداخ” التي ستحكمها الحكومة المركزية مباشرة بدون هيئة تشريعية من تلقاء نفسها.
مما يذكر أن ولاية كشمير تشمل حاليا ثلاث مناطق هي “جامو” ذات الغالبية الهندوسية و”كشمير” ذات الغالبية المسلمة و”لداخ” ذات الأغلبية البوذية.
كانت المادة 370 موضع خلاف بين السياسيين في الولاية وحزب بهاراتيا جاناتا، وتتناول المادة المثيرة للجدل السلطات الخاصة الممنوحة لولاية جامو وكشمير، وهو يسمح للجمعية التأسيسية للدولة بصياغة دستورها الخاص، وبالتالي منحها سلطة دولة مستقلة.
وقبل قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، اتخذت السلطات الهندية إجراءات مشددة في الإقليم شملت تعليق خدمات الهواتف، فضلاً عن وضع زعماء الإقليم تحت الإقامة الجبرية في منازلهم.
كشمير وموازين القوى في جنوب آسيا
تعكس حدة رد فعل حكومة باكستان على القرار الأحادي الجانب من قبل الهند، وتلويحها باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، أهمية إقليم كشمير لباكستان من الناحيتين الجغرافية والسكانية؛ حيث تنبع أنهار باكستان الثلاثة (السند وجليم وجناب) من هذا الإقليم ، وتنفتح الحدود بين باكستان والإقليم، وهو ما يشكل تهديداً للأمن القومي الباكستاني في حالة سيطرة الهند عليه ، يضاف إلى ذلك أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشي الباكستاني، فضلاً عن تقارب السكان الديني والعائلي.
ومن هنا جاء تأكيد باكستان على أنها متمسكة بالحكم الذاتي للإقليم، أو ضمه لإسلام آباد، ووصفت القرار الهندي بغير المقبول وغير الشرعي، ولا يمكن لأي إجراء أحادي الجانب من الحكومة الهندية أن يغير الوضع المتنازع عليه.
وقال قائد الجيش الباكستاني، أمس (الثلاثاء)، إن جيش بلاده سيذهب “إلى أي مدى” لدعم سكان منطقة كشمير المتنازع عليها بعد أن ألغت الهند وضعا خاصا في الجزء الذي تسيطر عليه من كشمير.
وقال الجنرال قمر جاويد باجوا بعد لقائه مع كبار قادة الجيش في روالبندي: “جيش باكستان يقف بصلابة إلى جانب الكشميريين في كفاحهم العادل حتى النهاية” مضيفاً “نحن مستعدون وسنذهب إلى أي مدى للوفاء بالتزامنا فيما يتعلق بذلك”.
كما تشهد باكستان تحركات احتجاجية غداة إلغاء الهند الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به كشمير في خطوة مثيرة للجدل اعتبرتها إسلام آباد “غير شرعية”. وانطلقت المظاهرات في مظفر آباد، كبرى مدن الشطر الباكستاني من كشمير، بالإضافة إلى مظاهرات في لاهور وكراتشي والعاصمة الباكستانية إسلام آباد.
ويعقد البرلمان الباكستاني جلسة لمناقشة إمكانية الرد على خطوة نيودلهي، كما دعا كبار القادة العسكريين لاجتماع يعقد في مدينة روالبندي الشديدة التحصين، ومن شأن خطوة نيودلهي أن تفاقم التمرد الدموي القائم في كشمير وأن تعمق العداوة القائمة مع باكستان.
ووفقاً لصحيفة التايمز البريطانية التي حذرت في افتتاحيتها أمس من أن الهند وباكستان، القوتين النوويتين الجارتين، تقرعان طبول الحرب، وأن على قادة العالم الإسراع بالفصل بين الدولتين في “النزاع المتهور” بشأن منطقة كشمير.
وكشمير هي المنطقة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في الهند، وهو واقع يزعج القوميين الهندوس في حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وفي الوقت نفسه، تطارد باكستان مخاوف من احتمال تدفق كبير للهندوس على كشمير الهندية، حيث أن تغير ديمغرافية المنطقة سيؤدي إلى ترجيح الكفة الجيوسياسية هناك لصالح الهند، بحسب التايمز.
وباعتبارها منطقة نزاع، هناك توازن دقيق في كشمير، بحيث أن أي استخدام للقوة من شأنه تهديد الوضع الأمني في جنوب شرق آسيا.
توازن القوى بين الهند والصين
وترتبط قضية كشمير بتوازن القوى بين الهند والصين ، على اعتبار الأخيرة تبدي اهتمامها غير المسبوق مع باكستان ولا شك أن هذا الاهتمام الصينى بباكستان كان دائما مثار نقاشات مطولة بين المتخصصين فى شئون آسيا، وهو ما يمكن إبرازه في ثلاث نقاط أساسية.
أولاها : أن أمن باكستان حيوي بالنسبة لأمن مناطق غرب الصين وبخاصة مقاطعة سنكيانج، ولذلك تقرر في خطط الصين الاستراتيجية أن يقام طريق عابر للحدود يوصل بين ميناء جوادار على بحر العرب في جنوب باكستان وبين مقاطعة سنكيانج عبر ممر “كاراكوروم”. يكون هذا الطريق عند الانتهاء من شقه بمثابة المرحلة الأولى من مراحل مد طريق جديد من طرق الحرير، ينطلق من نقاط مختلفة في غرب الصين متجها نحو شرق أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا.
ثانيها : ثمة محللون يقولون أن باكستان بالنسبة للصين أكثر من دولة جارة، فهي كنز للصين ، لأنها أي باكستان منذ النشأة باتت عدوا لدودا للهند ، العملاق الناهض المتحفز لينافس الصين ويضبط حركتها في الإقليم ويكون قيدا على حريتها، فباكستان بهذا الوضع الممتد زمنيا في التاريخ كفيلة بأن تبدد طاقة استراتيجية هندية وتحد كثيرا من قدرة الهند على إيذاء الصين.
ثالث : النقاط لفهم أسباب الاهتمام الصينى الشديد بباكستان، أن الأخيرة لديها جماعات وعناصر متشددة عديدة، وأدركت باكستان كيف تستثمره لخدمة مصالحها الاستراتيجية، فقد استثمرته في علاقاتها بالولايات المتحدة منذ النشأة الأولى لباكستان وبخاصة خلال الحرب الباردة، واستثمرته في جميع مراحل تدهور علاقاتها بالهند ، سواء بالنسبة للوضع في كشمير أو لمجمل علاقاتها مع نيودلهي.
وعلى خلفية الأهمية الاستراتيجية لإقليم كشمير في منظومة الأمن السياسي والاستراتيجي لكل من الهند وباكستان ، لم تهدأ التوترات بين البلدين، والتي أثرت تبعتها على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، ومر بهما كثير من الأزمات وشكلت التوترات المتفاقمة بين الدولتين مصدر قلق كبيراً للمجتمع الدولي، كونها واحدة من أطول النزاعات، ولامتلاك الهند وباكستان برنامجاً للسلاح النووي.
ولم تمنع معاهدة الأمم المتحدة خوض الدولتين ثلاثة حروب منذ عام 1947، واقتربوا من حرب أخرى عام 1999، واندلعت الحروب في 1948 و 1947 و1965 مباشرة في كشمير، وأسفر العنف المستمر عن مقتل أكثر من 47000 شخص منذ عام 1989.
وحافظ البلدان على وقف هش لإطلاق النار منذ عام 2003، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية، على الرغم من أن المتنافسين يتبادلان النار بانتظام عبر الحدود. ويتبادل الجيشان الهندي والباكستاني، بشكل شبه يومي، تقريباً، إطلاق قذائف “الهاون” على خط وقف إطلاق النار، الذي يقوم عملياً مقام الحدود بين شطري كشمير.
وفي عام 2006 اتخذ البلدان خطوات نحو تنفيذ معادلة الحوار وتقوية العلاقات الثنائية، ولكنها لم تكلل بالنجاح، لاستمرار رغبة البلدين في الاستحواذ علي الإقليم، تبعاً لعوامل عرقية واقتصادية وسياسية وتاريخية.
يبقى القول أن قضية كشمير ستظل عاملا محوريا في استراتيجية توازن القوى في جنوب آسيا وتوازن القوى بين الهند والصين، وستشهد الفترة القليلة القادمة محاولات دولية وإقليمية للوساطة بين الهند وباكستان لتجنيب المنطقة والعالم أجمع ويلات حرب نووية مفتوحة بين الجانبين.
المصدر : أ ش أ