جاءت إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 11 سبتمبر 2019، لجون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، بسبب تباين وجهات نظر الطرفين وعدم اتفاق ترامب مع كثير من اقتراحات بولتون بشأن الملفات الأمريكية الشائكة، لتضع العديد من التساؤلات حول تأثيرات تلك الإقالة على مستقبل القضايا والملفات الأمريكية الشائكة الإقليمية والدولية وأبرزها الأزمة الأفغانية والمشكلة مع كوريا الشمالية وإيران وروسيا والصين.
كان الخلاف بين ترامب وبولتون ـ الذي لم يستمر في منصبه سوى عام وسبعة أشهر من تاريخ تعيينه ـ قد بدأ أوئل العام الحالي في ضوء معارضة الأول لآراء مستشاره في كثير من قضايا الأمن القومي، وبولتون هو ثالث مستشار للأمن القومي في إدارة ترامب بعد كل من مايكل فلين وهربرت ماكماستر.
وتحدث ترامب صراحة في مايو الماضي، عن عدم موافقته بولتون على مواقفه الصارمة إزاء بعض قضايا الشرق الأوسط، قائلاً “أختلف معه كثيراً، ولا سيما نهجه إزاء الشرق الأوسط والعراق، وهو أيد التدخل في العراق، وأنا أعتقد أن هذا كان خطأ فادحاً، وثبت أنني محق، وكنت دائماً ضد هذا الأمر”.
رغم محاولات ترامب احتواء هذه الخلافات، عبر التصريح في مناسبات عدة بسعيه لتهدئة بولتون، في إشارة لشدة الخلاف معه حول آرائه، إلا أن الأمر انتهى بالإقالة عبر تغريدة على حسابه بـ«تويتر».
كان ترامب قد اختار بولتون خلال الفترة التي كان بها بحاجة لسياسة العقوبات حتى يجلب عدداً من الدول إلى طاولة المفاوضات بشروطه.
أفغانستان وخلاف الرجلين
يرى مراقبون أنه مع بروز متغيرات جديدة خلال الفترة المقبلة والتي ستشهد الكثير من المفاوضات بين الولايات المتحدة وعدد من الدول من بينها إيران وأفغانستان والعراق، وأن بولتون لن ينجح في هذه السياسة لأن توجهاته وقناعاته تخالف ذلك الاتجاه، كان لابد من إقالة بولتون.
ويشير المراقبون إلى أن مفاوضات السلام في أفغانستان جاءت في مقدمة القضايا الخلافية بين الرئيس ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، لذا قرر ترامب إزاحة بولتون من هذا الملف، وتسلمه هو بنفسه، فضلاً عن استبعاده مؤخراً.
وجرى استبعاد بولتون من الاجتماعات المتعلقة بالحرب في أفغانستان، والتي تدخل ضمن أولويات مهامه، وأيضا استبعاه من اجتماع رفيع المستوى، خاص بمناقشة خطة السلام المحتملة مع جماعة «طالبان» في أفغانستان، في نادي الجولف المملوك لترامب في نيوجيرسي، في وقت سابق من أغسطس الماضي.
وفي ضوء تشدد بولتون في اتفاق السلام الذي كان منتظراً مع طالبان، أعلنت أمريكا مؤخراً إلغاء محادثات سلام مع حركة «طالبان» الأفغانية، وتعثر توقيع اتفاق سلام «من حيث المبدأ» مع «طالبان»، بعد 9 جولات محادثات بينها وممثلي الحركة انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة.
وسيطر شعور على معظم حلفاء ترامب الداخليين، الساعين للتوصل إلى اتفاق سلام مع أفغانستان، يسمح بسحب معظم أو جميع القوات الأمريكية منها، بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون يقف وراء تعثر الاتفاق، وأنهم لا يثقون فيه.
وانعكس انعدام الثقة في بولتون تجاه هذا الملف، في رفض المبعوث الخاص لترامب في أفغانستان زلماي خليل السماح لبولتون بأخذ نسخة مسودة لاتفاق أفغانستان من قاعة المؤتمرات حيث كانا يجتمعان.
كوريا الشمالية وإيران
ولم يكن موقف بولتون أقل تشدداً من الأزمة الأمريكية مع كوريا الشمالية، فقد تبنى جون بولتون استراتيجية الحروب الوقائية لحماية الأمن القومي الأمريكي، ودعا لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية، وتبني مواقف متشددة ضد روسيا.
فوفقاً للتقارير الأمريكية، ارتكب بولتون عدة أخطاء منها الإساءة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عندما طالبه بأن يحذو حذو ما أسماه بـ “النموذج الليبي” ويسلم كل أسلحته النووية، وتعليقاً على ذلك قال ترامب “جون بولتون كلفنا الكثير جدا عندما تحدث عن النموذج الليبي… يا للكارثة”، مضيفاً “أيستخدم هذا لعقد صفقة مع كوريا الشمالية؟ لا ألوم كيم جونج أون على ما قاله بعد ذلك، لم يكن يرغب في التعامل مع جون بولتون، هذه ليست مسألة غلطة في الكلام… بل هي عدم كياسة لقول شيء كهذا”.
كانت كوريا الشمالية قد وصفت بولتون بأنه “مولع بالحرب” وفي العام الماضي، هددت بإلغاء أول قمة بين كيم وترامب بعدما لمح بولتون إلى النموذج الليبي لنزع السلاح من جانب واحد، وكان بولتون قد اقترح من قبل استخدام القوة العسكرية للإطاحة بالأسرة الحاكمة هناك.
أما بشأن الأزمة الأمريكية مع إيران، فقد كان بولتون مهندساً رئيسياً لممارسة سياسة “الضغط الأقصى” للإدارة المتمثلة في تصعيد العقوبات الاقتصادية والتهديد بالانتقام بسبب دعم إيران للإرهاب، عن طريق شل الاقتصاد الإيراني لدرجة أن يشعر قادتها أنه يتعين عليهم المساومة على أي طموحات نووية خاصة بطهران.
ومع توتر حدة التصعيد الأمريكي مع إيران وعدم التوصل لأي حلول في الأفق المنظور، اكتشف ترامب أن سياسته مع إيران في فرض العقوبات لن تساعده في الوصول لهدف خاصة لوقوف عدد من الدول الأوروبية بجانب إيران، وأنه خلال قمة الـ”G7″ بفرنسا قال ترامب إن “إيران كانت تخالف الاتفاق النووي ولكن الآن ملتزمة به”، وهو ما قال عكسه جون بولتون.
وأشارت تقارير إلى رغبة ترامب في فتح مفاوضات مع إيران في أقرب وقت، للتوصل إلى اتفاق يحل محل الاتفاقية النووية الدولية لعام 2015 التي وصفها بأنها “مروعة” وغير عادلة للولايات المتحدة.
فقد أظهرت متغيرات وتفاعلات القوى الإقليمية والعالمية خلال الفترة القليلة الماضية، أن الرئيس الأمريكي ترامب بحاجة خلال الفترة الحالية إلى خوض سياسة جديدة مع عدد من الدول تعتمد على الحوار والمناقشة، وهو الذي يُعد مخالفا لطبيعة جون بولتون.
إذ يعد جون بولتون أحد قادة “الصقور” في إدارة جورج دبليو بوش قبل أن يصبح معلقا على شبكة “فوكس نيوز”، وهو من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته القوى الكبرى في يوليو 2015 لمنع إيران، كما تعتبره إسرائيل أحد أصدقائها.
ويبقى التساؤل المطروح يدور حول ماهية الآثار والتداعيات المترتبة على إقالة بولتون على مستقبل القضايا والملفات الأمريكية الشائكة سواء فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أو مستقبل العلاقات مع بيونج يانج وطهران وموسكو وبكين وفنزويلا.
ويرى محللون أن إقالة بولتون شأن داخلي لا يترتب عليه أي تأثيرات، خاصة أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، بصرف النظر عن تغيير منفذي هذه السياسات، وفي هذا الإطار استبعد نائب وزير الخارجية الروسي سيرجى ريابكوف، أن تتحسن علاقات موسكو فجأة مع واشنطن بعد إقالة بولتون، قائلاً “لا يمكننا أن نعطى أى تقييمات لهذا الحدث، إنه أمر داخلى أمريكى، شهدنا فى الماضى أكثر من مرة حصول تغييرات ما فى الإدارة الأمريكية لا تؤدى إلى تحسين العلاقات مع روسيا أو تطبيعها بالرغم من التصريحات التى يدلى بها ممثلو هذه الإدارة”.
من جانبها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينج، إن مسألة إقالة مستشار الأمن القومى الأمريكى “تُمثل شأنًا داخليا”، في حين قال مبعوث طهران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجى، أن “رحيل مستشار الأمن القومى من إدارة ترامب لن يدفع إيران لإعادة النظر فى الحوار مع الولايات المتحدة، ولا مجال للحوار مع واشنطن مادامت العقوبات المفروضة على إيران سارية”.
ورغم طرح عدة أسماء مرشحين لخلافة بولتون، من بينهم تشارلز كوبرمان نائب مستشار الأمن القومى المقال جون بولتون، المبعوث الأمريكى الخاص لكوريا الشمالية ستيفن بيجون، المبعوث الأمريكى الخاص لإيران براين هوك، وكذلك السفير الأمريكى لدى ألمانيا ريتشارد جرينيل وغيرهم من الأسماء.
وتظل الانفراجه المتوقع حدوثها في الملفات والقضايا الأمريكية سالفة الذكر، رهناً بتحقيق المصالح الأمريكية في كل ملف بعيداً عن ماهية الأشخاص التي تنفذ السياسات والاستراتيجيات الأمريكية.
المصدر : أ ش أ