يزداد المشهد البريطاني تعقيداً يوما بعد يوم مع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمقرر في 31 أكتوبر المقبل، لاسيما على ضوء تولي بوريس جونسون رئاسة وزراء بريطانيا وعزمه الواضح على إتمام عملية الـ “بريكست” في الموعد المنتظر سواء تم التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين أو لم يتم.
وبدا واضحاً أن تنفيذ “بريكست” في أكتوبر المقبل هو المهمة المحورية لحكومة جونسون الجديدة التي ضمت عدداً كبيراً من الشخصيات المؤيدة للـ “بريكست” وعلى رأسهم وزير الخارجية دومينيك راب، الذي يعد من أكبر مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي، ووزير المالية ساجد جافيد، وهو من أبرز المتشككين بشأن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى وزيرة الداخلية بريتي باتل.
وخلال خطاب تنصيبه الأسبوع الماضي، أكد رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون أن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي سيتم في موعده، أي في نهاية أكتوبر المقبل، حتى إن لم يتم التوصل لاتفاق مع بروكسل، مؤكداً استعداده لإجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن “بريكست” عندما يظهر الزعماء الأوروبيون بوادر استعداد لتغيير موقفهم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في نوفمبر الماضي.
ويطالب جونسون بإعادة التفاوض للتوصل إلى اتفاق جديد حول “بريكست” يحذف منه البند المثير للجدل حول “شبكة الأمان”، التي تهدف إلى تفادي عودة حدود مادية بين مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية والجمهورية الإيرلندية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن اتفاق الخروج المتضمن الترتيب الخاص بأيرلندا لم يحظ بموافقة البرلمان ثلاث مرات على التوالي ، وهو ما يستوجب تغييره.
في المقابل، أكد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أن اتفاق “بريكست” الذي وافقت عليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، هو الاتفاق الأفضل والوحيد الممكن مع التكتل الأوروبي، موضحا أن الاتحاد الأوروبي سيدرس أي أفكار تقدمها بريطانيا، بشرط أن تكون متماشية مع بنود اتفاق الانسحاب.
من جانبها أكدت رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، عقب اللقاء الذي جمعها بجونسون الإثنين الماضي في اسكتلندا، أن الحكومة البريطانية تخاطر بدفع المملكة المتحدة المتعمد نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي دون صفقة واضحة، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية “متشددة” ولها عواقب وصفتها بالـ “خطيرة” خاصة بعد أن أعرب الاتحاد الأوروبي عدم نيته إعادة النظر بشأن بنود اتفاق “بريكست”.
ووفقا للمراقبين، لا يظهر في الأفق أية بوادر تشير بإمكانية التوصل إلى اتفاق قريب بين الجانبين قبل الموعد المحدد للانفصال، بل على العكس ترجح معظم المؤشرات وقوع سيناريو “بريكست بلا اتفاق”، وهو ما سيكون له تداعيات كارثية على الجانبين البريطاني والأوروبي.
فقد صرح وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، إن حكومة جونسون ستنشئ لجنة حكومية يومية لبحث مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، مشيرا إلى أن الحكومة البريطانية “خصصت حتى الآن 4 مليارات جنيه استرليني للانسحاب من الاتحاد، فيما سيقرر وزير المالية تمويلات أخرى لاحقاً”.
وأضاف إن الانسحاب البريطاني من التكتل يعتبر بمثابة ربح للطرفين، الأوروبي والبريطاني”، مؤكداً أن بريطانيا ستكون في وضع أفضل للتفاوض حول “اتفاق جيد” مع الاتحاد الأوروبي في حالة خروجها من التكتل قبل نهاية أكتوبر المقبل.
من ناحية أخرى، أعلنت الحكومة البريطانية الجديدة استعدادها لإنفاق ما يصل إلى 10 ملايين جنيه إسترليني على حملة توعية وطنية حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، حيث يخطط جونسون للوصول إلى ملايين الأسر البريطانية من خلال الإعلانات التلفزيونية والمنشورات والإنترنت، وذلك لإعداد الشعب لحدوث “بريكست بلا اتفاق”، وتوضيح كيفية تأثير ذلك على مجالات الحياة اليومية، مثل الواردات والسفر، والإمدادات الغذائية والأدوية.
ويتفق المراقبون على أن سيناريو “بريكست بلا اتفاق” سيكون له تداعيات اقتصادية كارثية على مختلف الأطراف. فمع تزايد احتمالات تنفيذ البريكست دون صفقة، أظهرت المؤشرات الاقتصادية في بريطانيا تراجعا ملحوظا حيث انخفض الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأمريكي لأدنى مستوى منذ أكثر من عامين نتيجة عدم استقرار الأوضاع السياسية، ويعاني نشاط الخدمات في المملكة المتحدة من مستويات متدنية على مدار شهور.
من جانبه حذر مكتب إدارة الموارد المالية من أن مغادرة الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، من شأنه أن يتسبب في انخفاض النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة بنسبة 2% بحلول نهاية عام 2020، ويتسبب في خسارة 30 مليار جنيه إسترليني سنوياً في المالية العامة، وهو ما سيدخل بريطانيا في حالة ركود.
كما أن تصريحات جونسون المؤيدة للبريكست دون اتفاق تعطي إشارات سلبية للسوق البريطاني، وهو ما يقود بدوره إلى حالة من التشكك لدى المستثمرين، خشية مما سيحدث مستقبلا.
في ضوء المشهد السابق، تتفق غالبية المراقبين على أن السيناريو المرجح هو خروج بريطانيا دون اتفاق في أكتوبر المقبل، فالوقت لا يسمح بفتح باب المفاوضات على اتفاق جديد مع الجانب الأوروبي نظرا للعطلات الصيفية وضيق الفترة المتبقية على الموعد المقرر للانفصال، فضلا عن أنه من المستبعد أن يقدم الاتحاد الأوروبي تنازلات إضافية لبريطانيا في بنود الاتفاق حتى لا يشكل ذلك سابقة يستفيد منها لاحقاً المشككون في تجربة للاتحاد الأوروبي.
المصدر: أ ش أ