تقف بريطانيا حاليا على حافة أكبر أزمة تتعرض لها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث الوضع المتقلب فى الساحة السياسة بشأن الخطة التى أعدتها رئيسة الوزراء تيريزا ماى للإنسحاب من الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى جعل من الصعب التوقع ما ستؤول إليه الأمور.
وأحدث خروج المملكة المتحدة الوشيك من الإتحاد الأوروبى والمعروف بـ”البريكست “، إنقسامات ثلاثة..إنقسام فى الأمة البريطانية مابين مؤيد ومعارض لهذا الخروج ، وإنقسام فى الحكومة البريطانية وهو ماكشف عنه تقديم عدد من الوزراء من المؤيدين للبقاء في الاتحاد استقالاتهم على خلفية تعثر المفاوضات ، ومن بينهم الوزير المسئول على ملف “البريكست”. فيما يكمن الإنقسام الثالث فى حالة من الانقسام تضرب حزب العمال البريطانى جراء الخلاف حول قضية الخروج من الإتحاد ، ففى حين يرفض شباب الحزب الخروج من هذا التكتل القارى، يبدى أعضاؤه الأكبر سنا قبولهم لنتائج الاستفتاء، التى قضت بالخروج منه، إلا أن ثمة توافق بين كافة أعضاء الحزب على رفض الخطة التى تتبناها ماى حول هذه القضية.
تداعيات غير واضحة الملامح لهذا الإنقسام ظهرت فى الأفق كلما اقترب موعد الخروج الرسمى لبريطانيا من التكتل الأوروبي والمقرر فى العام المقبل ، وظهر هذا واضحا برفض الكثيرين لخطة الإنسحاب التى قدمتها رئيسة الوزراء البريطانية ، إذ رفض الإتحاد خطة ماى بشآن إنشاء آلية مستقلة للإشراف على خروج بريطانيا من أي ترتيب جمركي ، وهو الأمر الذى من شأنه زيادة احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد بدون اتفاق .
ومازالت خطة ماى التى تدافع عنها بكل قوة محل جدل عمق الإنقسامات الثلاثة الموجودة على الساحة السياسية البريطانية ، بل وتضع حزب المحافظين الحاكم أمام أول اختبار سياسى حقيقى فى المرحلة الراهنة، حيث ركزت سياسات الحزب البريطانى على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهى مسائل تبدو محلا للاتفاق بين الجميع، إلا أن معضلة الخروج من الاتحاد الأوروبى خلقت حالة من الانقسام غير المسبوق.
ويعارض الحزب أى اتفاق من شأنه الخروج من الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق، ويشدد على وجود حاجة ملحة إلى اتفاق بشأن تأسيس اتحاد جمركى بين بريطانيا والتكتل الأوروبى، بالإضافة إلى ضمان الحفاظ على حقوق البريطانيين فى العمل ، ولم تقتصر الانقسامات على المواقف التى يتبناها قيادات الحزب من قضية “بريكست”، وإنما امتدت إلى تصريحاتهم العامة للإعلام، ففى الوقت الذى اتفق فيه غالبيتهم على مسألة إمكانية تنظيم استفتاء جديد، ظهرت خلافات أخرى حول الخيارات التى ينبغى طرحها فى مثل هذا الاستفتاء.
وتسعى ماى جاهدة للتوصل إلى التفاصيل النهائية لصفقة الخروج من التكتل الأوروبى ، وقد اقترحت بريطانيا ترتيبات جمركية مؤقتة على نطاق المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبى لحل هذه المسألة ، إلا أن المؤيدين للخروج فى حزبها يريدون أن يكون لدى لندن القول الفصل فى الموعد الذى سينتهى فيه هذا الترتيب ، وهو ما رفضه الاتحاد من الأساس ، وتركزت الانتقادات الموجهة لخطة ماي على المخاوف من أن تعني المقترحات المدرجة فيها إبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي إلى أجل غير مسمى ، أو أن ايرلندا الشمالية قد تضطر لقبول قواعد مختلفة عن بقية بريطانيا.
وفي الوقت الذي رفض فيه الاتحاد الأوروبي خطة رئيس الوزراء “لآلية مستقلة” للإشراف على الكيفية التي قد تترك بها المملكة المتحدة الاتحاد الجمركى إذا انهارت محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، تتحدى ماى الإنتقادات المحلية والضغوط المتزايدة التى تتعرض لها من جميع الجهات لتغيير خطتها حتى تتجنب مواجهة الفشل فى تمريرها فى البرلمان ، وتطرح تلك الضغوط خيارين أمامها هما إما تغيير خطتها أو فتح المجال لإجراء استفتاء ثان، وهو ما ترفضه بشدة ، فى الوقت الذى تزامن مع المحادثات العالقة بشأن مسألة الحدود مع أيرلندا ، والمعركة الرئيسية تتعلق بما يطلق عليه سياسة المساندة لمنع عودة الحدود الصلبة بين إقليم ايرلندا الشمالية ودولة ايرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي .
ويمثل التصويت فى مجلس العموم (البرلمان )، أكبر مواجهة فى المفاوضات المطولة للخروج من الاتحاد الأوروبى، التى تعتبر أكبر تحول فى سياسات التجارة والعلاقات الخارجية تشهده بريطانيا منذ 40 عاما ، حيث حذرت أندريا لوسياس، زعيمة المجلس من أن خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماى الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبى ستفشل في الوصول إلى البرلمان إذا ما كانت ستبقى بريطانيا “محاصرة” في الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي ضد إرادتها.
ومن وجهة نظر بعض السياسيين البريطانيين ، فإن الخطأ التاريخى سيكون إذا اعطت بريطانيا الأولوية لاسترضاء الاتحاد الأوروبى على حساب بناء بريطانيا المستقلة الكاملة ، ومن ناحية أخرى، قال مسئولان دفاعيان بارزان فى بريطانيا إن القوات المسلحة تعد خطط طوارئ لكيفية دعم البلاد حال خرجت من الاتحاد دون التوصل لاتفاق خروج.
المصدر: أ ش أ