ما أشبه الأمس باليوم وما أشبه الليلة بالبارحة .. مشاهد الماضي تتكرر اليوم .. مشاهد تدمي القلوب .. هي المشاهد السائدة في غزة اليوم .. أكثر من مليون غزاوي يتم تهجيرهم من شمال غزة، إلى مستقبل مجهول.
فبعد 75 سنة كاملة ؛ لقطات النزوح من غزة تعيد إلى أذهان الفلسطينيين والعرب مشاهد نكبة 1948، ولكن بنسخة 2023 المعدلة.
المشاهد المؤلمة تضم أسرًا بأكملها على عربات تجرها الدواب أو عائلات كاملة تسير على الأقدام حاملين ما يستطيعون من أغراضهم الحياتية؛ تاركين وراءهم بيوتهم ومتعلقاتهم.
الآلاف يسيرون ويقطعون غزة من شمالها لجنوبها هربا من القصف الإسرائيلي الذي هدم بيوتهم وشردهم وجعلهم بلا مأوى.
فترى سيدة عجوز تخطى عمرها الـ90 عامًا تسير على أقدامها بكل صعوبة بصحبة أولادها وأحفادها .. فذلك المشهد ليس غريبا عليها؛ فقد عاشته في طفولتها أثناء نكبة 1948.
وترى الأم التي تجر أولادها بيديها الاثنتين طيلة الطريق .. تقطع الطريق إلى مستقبل مجهول؛ تاركة وراءها كل ما تملك.
وترى أصغر نازحة .. طفلة مولودة منذ ساعات؛ بدأت رحلة النزوح بصحبة أمها والعائلة بمجرد ولادتها مباشرة، بدون أن يتسنى لها الوقت لتناول رضعتها الأولى.. فلا وقت للراحة من آلام الولادة لالتقاط الأنفاس.
وإضافة إلى ألم ترك المنزل و الرحيل إلى مكان آخر .. هناك مشقة وتعب خلال رحلة السفر .. وصفه نازحون ” برحلة الشؤم ” .
بهذا الوصف المؤثر عبر به أحد الفلسطينيين عن حجم المشقة التى تكبدها خلال رحلة نزوحه الإجبارية من شمال قطاع غزة إلى جنوبها.
ولا يوجد عدد دقيق لمَن نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث لم تتوقّف المطالب الإسرائيلية للسكان بالتوجّه إلى الجنوب منذ اندلاع المعارك أكتوبر الماضي .
وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل إعلام عالمية مسيّرات لآلاف الفلسطينيين حاملين أبناءهم وأغراضهم، رافعين رايات بيضاء وهم متّجهون لأقرب مكان توجد فيها إعاشة وخدمات تقدّمها منظّمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
جاءت الراحة نوعًا ما من عبء الطّريق بعد أن وصل النازحون إلى أماكنَ وجدوا فيها منظّمات إغاثية تابعة لمنظمة “أونروا”، التي قال النازح الفلسطيني إنها قامت بتسكينهم في مدارس ومستشفيات “لكن الوضع خطير للغاية”.
ولا يرى كثيرون أنّ وضعهم تحسن بعد أن وصلوا إلى الجنوب، فبجانب تهديدهم بالقصف في الطريق وفي أي وقت، فهم يشعرون أنهم بلا مأوى، والمستقبل مجهول أمامهم.
يأمل الكثيرون أن تنتهي مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة بنتيجة مُرْضية للطرفين، باعتبار أن هذا قد يكون مفتاح وقف إطلاق النار، وإعادة الهدوء للقطاع.
ترى هل تنتهى الأزمة الراهنة في غزة في المستقبل القريب .. ويعود من نزحوا من بيوتهم في شمال غزة أم يظلوا بعيدين عنها لتكرر نكبة 48 برقم جديد هو 23 ؟ .