تنطلق الثلاثاء بالعاصمة البريطانية لندن، الجولة الثامنة من جولات التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي ينظر إليها الكثيرون باعتبارها جولة فاصلة ومصيرية في مسار المفاوضات بين لندن وبروكسل، وسيتحدد على إثرها مصير العلاقات المستقبلية بينهما في مرحلة ما بعد “بريكست”.
وتعقد هذه الجولة وسط أجواء من القلق والتوتر سواء على الصعيد الأوروبي أو البريطاني، حيث تصاعدت حدة التصريحات من الجانبين مؤخرا على نحو ملحوظ.
وفي محاولة لاحتواء هذا التوتر.. اتفق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحاجة لإحراز تقدم في المحادثات بين لندن وبروكسل خلال الشهر الجاري، والتوصل سريعا إلى نتيجة.
يأتي ذلك بعد إعلان جونسون أن بلاده تتجه حاليا نحو الخروج من التكتل الأوروبي دون صفقة، وحدد 15 أكتوبر المقبل، وهو موعد انعقاد قمة المجلس الأوروبي، موعدا نهائيا لإبرام اتفاق لمرحلة ما بعد بريكست.
وخلال لقائه والرئيس الفرنسي قال جونسون “أن المملكة المتحدة لن تساوم على استقلالها”. وهو ما أكده كبير مفاوضي بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، ديفيد فروست، والذي شدد على أن بلاده ليس لديها ما تخشاه من وقوع بريكست دون اتفاق، وأنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يأخذ على محمل الجد أن بريطانيا ستستعيد استقلالها كدولة ذات سيادة.
في المقابل، اتهم كبير مفاوضي بريكست في الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، لندن بعدم إظهار “أي استعداد لتقديم تنازلات”.. معربا عن قلقه وخيبة أمله بشأن نهج المملكة المتحدة في المحادثات، وهو ما يثير المخاوف من مغادرتها للتكتل في يناير المقبل دون صفقة، مشيرا إلى ضرورة التوصل لاتفاق بحلول نهاية أكتوبر المقبل للسماح بمصادقة أوروبية عليه في الوقت المحدد.
وكان العديد من المسئولين الأوروبين قد عبروا مؤخرا عن قلقهم من سيناريو الخروج بلا اتفاق، والذي سيؤدي بدوره إلى تداعيات كارثية للجانبين في مرحلة ما بعد “بريكست”. ومن أبرز هؤلاء المسئولين وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، الذي أكد أن ثمة حاجة ملحة في التوصل إلى اتفاق بشأن محادثات التجارة في مرحلة ما بعد “بريكست”، واصفا تعاطي لندن مع هذه المفاوضات بالمتعنت وغير الواقعي.
ويزيد من أجواء التوتر مشروع القانون الذي تنوي الحكومة البريطانية تقديمه غدا الأربعاء والذي من شأنه إلغاء “النطاق القانوني لبعض أجزاء الاتفاق الذي حدد الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير، بما في ذلك القواعد الجمركية في إيرلندا الشمالية”.
وتقول الحكومة البريطانية إن القوانين المرتقبة “إجراء احتياطي” إذا فشلت المحادثات التجارية مع الاتحاد.
وردا على هذه الخطوة، اتهم ميشل بارنييه المملكة المتحدة بأنها ترغب في الحصول على “أفضل ما في العالمين” من الناحية التجارية مشددا على أنه “يجب احترام كل ما وقع في الماضي وإنه ضمان للثقة في المستقبل”.، بينما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن بريطانيا “ملزمة بموجب القانون باحترام اتفاق خروجها من الاتحاد الأوروبي وهو شرط أساسي لأي شراكة مستقبلية”. في الوقت الذي أعرب عدد من المسئولين الأيرلنديين عن استيائهم من هذا القانون الجديد الذي من شأنه أن يقوض “بقوة وبوضوح” الاتفاق الموقع مع جونسون في اكتوبر 2019 وسيؤدي بدوره إلى إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأيرلندي. وكان من أبرز هؤلاء المسئولين وزير الخارجية الإيرلندي، سيمون كوفيني، الذي أكد أن مشروع القانون هذا سيكون “طريقة غير حكيمة للمضي قدما”.
وفي ضوء هذه الأجواء المتوترة ومع استمرار التصلب في المواقف، بدأت تلوح في الأفق بوادر قلق في الأوساط الاقتصادية من وقوع بريكست دون اتفاق والتداعيات الخطيرة التي سيسفر عنها هذا السيناريو، وانعكس ذلك بقوة على العملة البريطانية “الجنيه الاسترليني” الذي شهد انخفاضا ملحوظا أمس، عشية هذه الجولة الحاسمة من جولات التفاوض، نتيجة انتشار حالة القلق داخل الأسواق المالية وتزايد مخاوف المستثمرين من أن الاقتصاد البريطاني سيكون أصغر حجما مستقبلا نتيجة مغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.
ويوضح فريق من المحللين الاقتصاديين أن التقلبات التي شهدها الجنيه الإسترليني خلال السنوات الأخيرة تعود بدرجة كبيرة إلى نتيجة التصويت على بريكست في استفتاء الانفصال عام 2016، وتوقعوا تراجع مستوى الاسترليني بمعدلات أكثر إذا تعثرت المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي أو وقع الخروج دون اتفاق.
في السياق ذاته، أعربت العديد من الشركات عن قلقها إزاء الضرر قريب الأجل المتوقع أن ينجم عن بريكست دون اتفاق، حيث ستخضع حينئذ علاقات البلدين لقواعد منظمة التجارة العالمية وهو ما يعني فرض رسوم جمركية مرتفعة وتشديد الرقابة الجمركية في العلاقات التجارية بينهما.
في هذا الصدد تواجه ثلاثة أرباع شركات النقل البريطانية خطر إقفال أبواب الاتحاد الأوروبي في وجهها في غياب اتفاق تجاري من ضمن عملية بريكست، وتخشى هذه الشركات أن تؤدي الخطوة إلى اختناقات في موانيء المملكة المتحدة، وتعطيل إمدادات البضائع؛ نتيجة اضطرار شركات النقل والمؤسسات الأخرى إلى ملء كميات كبيرة للأوراق الجمركية الجديدة، وهو ما يثير المخاوف من حدوث نقص في الأغذية وبضائع أخرى.
من جانبها، حذرت غرفة الصناعة والتجارة الألمانية من خطورة تطبيق رسوم جمركية وتعطل سلاسل التوريد وزيادة صعوبة تبادل البيانات والمعلومات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حال عدم وجود اتفاقية تجارية، لافتة إلى أن نهاية المرحلة الانتقالية في 31 ديسمبر المقبل دون اتفاق تعني تحديات اقتصادية إضافية بالنسبة إلى الشركات، مشددة على أهمية “أن تستعد الشركات لفترات تخليص جمركي أطول على الحدود، وكذلك لبيروقراطية جمركية وإجراءات سماح مزدوجة للمنتجات”.
في ضوء كل ما سبق، يبدو أن المشهد التفاوضي بين لندن وبروكسل بات ملبدا بالغيوم في ظل ضيق الفترة الزمنية المتبقية وتزايد الضغوط من كافة الأطراف للتوصل إلى اتفاق سريع. وفي حالة عدم التوصل على الاقل إلى اتفاق مباديء خلال الجولة الحالية فإن ذلك سينذر بقرب وقوع بريكست بلا اتفاق، والذي سيفرز بدوره مصاعب جديدة في علاقة الجانبين قد تزداد حدتها مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها وباء كورونا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)