يهل مع فجر اليوم الخميس موعد ميلاد يوم عرفه الذى سيظل مشهودا لدى المسلمين على مر الزمان، مهيبا وجليلا بمعناه الدينى والإنسانى والاجتماعي ، يأخذ قلوب ووجدان من أتم حجه بالوقوف عليه، ومن يتشوق لأداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام ليكتمل دينه، وفي صبيحته يتوافد الحجاج – وهم قليلون هذا العام بسبب فيروس كورونا المستجد – لصعود جبل عرفات لتأدية أهم ركن فى مناسك الحج “فالحج عرفة” .
ويحظى هذا اليوم بمكانة خاصة لدى المسلمين عامة، ففيه أتم الله دينه على أمة الإسلام، وفيه أعلن سيد الأنام في خطبة الوداع مبادئ حقوق الإنسان منذ أكثر من 14 قرنا، وفيها أرسى سيدنا محمد دعائم حقوق البشر، وهو ما يعمل المسلمون على تجديد العهد به فى كل مرة يقومون فيها بزيارة البيت العتيق.
ويقبل الدعاء فى يوم عرفة، وتقال العثرات وتغفر الذنوب ، وتتعاظم أهمية هذا اليوم لدى حجيج بيت الله الحرام، ففيه يتوافد جموع الحجيج على جبل عرفات المقدس (الذي يبعد عن حدود مكة المكرمة بنحو 22 كيلومترا) لإتمام ركن الحج الأعظم.
أما عيون القابضين على الرغبة والتمني، الذين يلهبهم شوق الزيارة وعدم الاستطاعة ، فهم يتابعون عن بعد بقلوب خاشعة هذا المشهد العظيم عبر وسائل الإعلام المرئية ، مشهد تصعيد الحجيج على جبل عرفات في ملابس إحرامهم البيضاء من الفجر للغروب، والكل يدعو الله أن لا تغرب شمس هذا اليوم إلا وهم من عتقائه من النار، وفضل يوم عرفة “اليوم التاسع من شهر ذي الحجة” عظيم على سائر الأيام الأخرى، وعلى أيام شهر ذى الحجة نفسه، وهو يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النار٠
وأقسم الله بيوم عرفه، والعظيم لا يقسم ألا بعظيم، وصيامه يكفر سنتين، وهو اليوم الذى أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم، وفيه تنزل الرحمات والمغفرة، ويدنو أرحم الراحمين من السماء الدنيا، ويطلع إلى ضيوفه ويباهي بجمعهم ملائكته، ويشهدهم أنه قد غفر لهم.
وفضل وقفة عرفة على باقى مناسك الحج لا تأتي من فراغ حيث يأخذ الوقوف على جبل عرفات الحجيج إلى مساحة من الصفاء والخشوع والشفافية، حيث يقضون يومهم من شروق الشمس إلى غروبها في ذكر ودعاء، يحاورون الله بقلوب محترقة ودموع خائفة قلقة وهم على يقين بالإجابة.
وشعائر هذا اليوم فى مناسك الحج تبدأ بعد أن يصلى الحجيج صلاة الفجر في منى (التي تبعد 7 كيلومترات عن مكة) فينتظرون إلى شروق الشمس، ثم يسلكون طريقهم إلى عرفات وهم يرددون التلبية ، ويقضون فيها النهار كله حتى غروب الشمس، حيث يدعون الله ويذكرونه ويبتهلون إليه كثيرا مقتدين في ذلك بفعل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ويتخلل اليوم خطبة يوم عرفه يلقيها إمام الحجاج ، ثم يصلون خلفه الظهر والعصر جمعا وقصرا بآذان واحد وإقامتين، وفيه يقضى المسلمون ساعات يومهم في الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن من شروق الشمس لغروبها، ثم النحر والحلق والتحلل ورمى جمرات العقبة مع بداية أيام التشريق.
المصدر: أ ش أ