يحتفل العالم الاسلامى اليوم السبت بذكري ” المولد النبوى الشريف “، الذى لم و لن تنطفئ بهجته مهما مضت القرون ، فقد استمر الإحتفال به على مدى الزمان وهاجا فى قلوب المسلمين ، فتحتفل به جميع الدول الإسلامية فى وقت واحد كعادتهم فى كل عام ، فالمولد النبوى مناسبة للتنقيب عن أفكار جديدة لإثارة العقل الديني ، وتجديد خطابه وصقله صقلا جديدا يعينه على تجديد حضارة الإسلام لتنال حقها الطبيعي في الأرض بعد أن حرفت وشوهت بفضل الخوارج عنها٠
يوم ميلاد رسول الإنسانية هو أعظم الأيام قدرا ، والاحتفال بذكراه العطرة تجئ للتذكير بفضل صاحبها على البشر ، فقد كان علامة فارقة بين عهدين ، وجاء نورا للبشرية فأخرجها من الظلمات إلى النور ، وللنبى فى ذكرى مولده حق على المسلمين باتباع سنته ، والوفاء بحقه والتأسى بأخلاقة الكريمة والعمل على نشر السلام والعدل والأمان بين البشر ، حيث وعد من أدى حقه بشفاعته وأكرامه بورود حوضه وسقياه من الكوثر ٠
إنه أبو القاسم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، الرحمة المهداة ، الذى ولد فى عام الفيل عام ٥٧١ ميلادية ، ارسله الله بالحنيفية السمحة ، الشريفة الجامعة التي تكفل للبشر الحياة الكريمة فتصل بهم إلى أعلى درجات الرقي والكمال ، وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاما تقريبا قضاها الرسول في الدعوة إلى الله تم له ما أراد من تبليغ الدين للجميع .
ويحتفل المسلمون في كل عام بهذه المناسبة الكريمة فرحا بمولد نبيهم رسول الله محمد بن عبد الله ، ويختلف الاحتفال بالمولد النبوى الشريف من منطقة لأخرى ، ومن بلد لآخر ، وفى مصر تبدأ الاحتفالات الشعبية مع بداية شهر ربيع الأول لنهايته، بإقامة مجالس الذكر والإنشاد والابتهالات الدينية التى ينشد فيها قصائد مدح النبي، وتكون فيها الدروس من سيرته، وذكر شمائله و فيها يطعم الطعام وتقدم الحلوى ، وتتزين الشوارع بشوادر بيع حلوى المولد المتنوعة ، ويكون يوم مولده اجازة رسمية ، كما فى الكثير من البلاد العربية ، وفيه ايضا تنظم وزارة الأوقاف إحتفالا رسميا يشهده رئيس الجمهورية الذى يكرم فيه حفظه القرآن الكريم والعلماء ٠
حياة النبى من ألفها إلى يائها في سكونها وحركاتها تقوم على صنعة إلهية حكيمة ، وتخطيط إلهى محكم يتناسب مع أداء هذه الشخصية في الحياة حتى تؤدي دورها في نقل البشرية نقلة جديدة حقيقة ، ويعود ذلك إلى طبيعة الرسالة الخاتمة والطبيعية البشرية التي حافظت عليها الشخصية المحمدية في تكوينها وأحداثها ، وطبيعة التمييز الإنساني الخالص الذي أفرزته الدعوة وجسدته الحضارة الإنسانية.
فالنبوة بصفة عامة والشخصية المحمدية بصفة خاصة لا يمكن أن تبدو مجافية عن الحياة أو مختلفة عنها ، لأنها جاءت في الأساس لإصلاحها ، والشخصية المحمدية شخصية غير نمطية نضجت منذ صباها و تميزت في مواقفها فى الحياة عن غيرها ، شخصية لاتبدو في تميزها جافة أو معقدة، شخصية متفاعلة ومتجاوبة ، شخصية معجزة في تكوينها وفيما طرحته من أفكار وقيم ، ويبلغ من مجاز هذه الأفكار أنها صالحة للتجدد مهما تبدل الزمن أو تغيرت الحياة ٠
وكان للتعدد البيئي الذى عاش فيه محمد أثر لا محالة في تطور وبناء شخصيته ، حيث كانت حادثة شق الصدر التي حدثت له طفلا في ديار بني سعد ، إيذانا بترك حليمة السعدية والعودة لحضن الأم ، ومن هناك كانت إختلاف حياة الحضر عن حياة البداوة في تربية ذهن الطفل وتدرج عقله وتعدد مداركه الحسية والنفسية ، فلقد أدت حياته في بني سعد غرضها المطلوب منها وآن الوقت ليتزود من قيم وأفكار أمته الحقيقية٠
و الشخصية المحمدية متعددة الجوانب ، فهى شخصية سياسية واعية صاحبة مهارات فائقة ، وهو سياسى وقائد عسكرى من طراز فريد ، صقلت الأجواء والظروف مقدرته العسكرية ، وتربى تربية عسكرية قادرة على أداء دورها في أي لحظة حيث شارك في سن صغيرة في معارك ( معركة الفجار ) ، فصقل هذا عبقريته الحربية و تدريبها وتجوديها تجويدا يؤهلها إلى تحمل التبعات والأحداث ٠
وجاءت رسالته عليه الصلاة والسلام لتزكية النفوس وتطهيرها عن طريق الدعوة إلى الله وعبادته وتدعيم الروابط الإنسانية ، وإقامتها على أساس من الحب والرحمة والإخاء والمساواة والعدل ليسعد الإنسان في الدنيا والأخرة ، و لم تكن رسالة موضعية محدودة تخص جيل دون أخر شأن الرسالات التي تقدمتها، بل كانت رسالة عامة جامعة للناس جميعا ، ويؤكد عمومها وشمولها أنه ليس فيها ما يصعب على الناس اعتقاده أو يشق عليهم العمل به ٠
وجاء بها ما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان كالعقائد والعبادات مفصلا تفصيلا كاملا ، موضحا بالنصوص المحيطة به ، فليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص منها ، وجاء ما يختلف باختلاف الزمان والمكان كالمصالح المدنية ، والأمور السياسية والحربية ، مجملا ليتفق مع مصالح الناس في جميع العصور ويهتدي به أولو الأمر في إقامة الحق والعدل ، و كل ما في الرسالة من تعاليم إنما يقصد به حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل وبديهي مما يناسب الفطرة ويساير العقول ويجاريها ويصلح لكل زمان ومكان .
المصدر : أ ش أ