عشية كسوف جزئي للشمس لن تراه مصر ويتفق توقيت وسطه مع ميلاد هلال شهر ذي القعدة للعام الهجري الحالي (1439هـ) يكون بلوتو الكوكب الغامض، اليوم الخميس، في تقابل مع الأرض والشمس مكونا انتظام شبه مثالي تحقق بوقوعه بالقرب من واحدة من نقاط التقاطع (العقدتين) في وقت التقابل السنوي مع الأرض والشمس، مما يجعل واجهته المقابلة للأرض مضيئة بالكامل فيكون أكثر لمعانا من أي وقت آخر خلال العام، وسيكون مرئيا طوال الليل، وهي الظاهرة التي لم تحدث منذ عام 1930م بالقرب من وقت اكتشاف بلوتو.
ويستعد الفلكيون في مصر والعالم لرصد هذه الظاهرة منذ وقت طويل، حيث كان بلوتو أبعد كوكب في المجموعة الشمسية أخر مرة قرب واحدة من نقاط التقاطع (العقدتين) في عام 1930، واليوم كان موعدها، وسيحدث الانتظام المثالي التالي بعد 161 عاما، وستخضع الظاهرة للمراقبة بشكل واسع جدا في كافة المراصد حول العالم لمعرفة درجة لمعان بلوتو، إضافة إلى معرفة المزيد عن الأسطح الرائعة لبلوتو وقمره الأكبر تشارون.
وكشفت حسابات المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عن تقابل “كوكب بلوتو” مع الأرض والشمس في وقت لاحق اليوم في الساعة الثانية عشرة ظهرا بتوقيت القاهرة المحلي، وبحسب الدكتور حاتم عودة رئيس المعهد، فإن الكواكب تدور حول الشمس في مدارات بيضاوية تجعل المسافة بين الكواكب والأرض متغيرة، وتكون المسافة هي الأقصر بين الأرض وبين أي كوكب خارجي عندما تكون الشمس والأرض وهذا الكوكب على استقامة واحدة وتكون الأرض في المنتصف، وهي الظاهرة التي تعرف بـ “التقابل”، مشيرا إلى أن ظاهرة التقابل هي أفضل فرصة لرصد “الكواكب” لأنها في هذه التوقيت تكون في أقرب حالاتها من الأرض.
وقال عودة – في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط – “إنه من المعروف في كل عام أن الكواكب التي تتحرك خلف مدار الأرض تصل إلى ما يسمى ” بالتقابل” عندما تظهر في السماء وتقابل الشمس، وفى هذا الوضع “وضع التقابل” يقع كوكب أو قمر أو كويكب والشمس والأرض بينهما، وتحدث هذه التقابلات الاستثنائية عندما يكون الكوكب بالقرب من ما يسمى بـ(خط العقدتين) في وقت حدوث التقابل، مشيرا إلى أنه نظرا لميل مدار بلوتو بشكل كبير بالنسبة لدائرة البروج فإن عبورات العقدة نادرة، وبسبب أن مدار بلوتو شديد الاستطالة فهي تحدث على فترات تتراوح بين 87 عاما و161 عاما”.
وأضاف عودة “أن أخر عبور لبلوتو لنقطة العقدة كان عند اكتشاف “كلايد تومبو” له في عام 1930م، وربما اكتشف “تومبو” بلوتو لأن الكوكب القزم وقع مباشرة في مستوى مدار الأرض ومدارات معظم الكواكب الأخرى في النظام الشمسي في هذا العام”، لافتا إلى أن الأجسام السماوية تميل لتكون أكثر إشراقا، وفي حالات استثنائية عندما تكون بالقرب من التقابل، ويمكن أن يكون ذلك قد زاد من فرص “تومبو” للقيام باكتشافه الشهير، حيث أنه من يحتمل أن بلوتو كان أكثر إشراقا في ذلك الوقت.
وأوضح أن للتقابل تأثير على الأجسام السماوية من حيث السطوع فأسطحها الخالية من الهواء في النظام الشمسي تظهر كلها تأثير التقابل، ويتمثل ذلك في بعض الأحيان في زيادة كمية ضوء الشمس المنعكس منها، وهذا يحدث عندما يكون كوكب أو قمر أو كويكب أو مذنب في وضع التقابل، وتسمى الزاوية بين الشمس والأرض كما ترصد من كوكب “زاوية الطور الشمسي” أو “زاوية الطور”، وتأثير التقابل هو زيادة السطوع المرصود مع انخفاض زاوية الطور إلى الصفر.
وتابع عودة “أن تأثير التقابل هو نتاج ظاهرتين هما (إخفاء ظل الجسيمات)، و (تماسك انعكاس الموجات)، فعندما يكون سطح كوكب أو حلقة في التقابل يمكن للجسيمات أن تخفي ظلالها والمساهمة في زيادة السطوع، بالإضافة إلى ذلك يمكن لأشعة الشمس أن تتداخل بشكل بناء مع أشعة الشمس المنعكسة من السطح عند التقابل وتزيد السطوع المرصود، ومع ذلك لا تظهر الأغلفة الجوية تأثير التقابل بشكل دراماتيكي كما في الحلقات والأقمار”.
وعن الاستفادة من تقابل بلوتو مع الأرض والشمس في هذا العام 2018م، أشار عودة إلى أنه من خلال القياس الدقيق للتغير في انعكاس الضوء في زاوية الطور فإن الخصائص السطحية لبلوتو مثل المسامية وحجم الجسيمات والشفافية يمكن تمييزها خلال التقابل ، كما أن التحليل الكمي لكيفية تشتت الضوء من سطح الجسيمات يتطلب النظر في جميع الزوايا وليس فقط وقت التقابل.
وذكر أنه مع اقتراب المسبار “نيوهورايزونز “، التابع لوكالة الفضاء ناسا من بلوتو عام 2016 ، كانت “زاوية الطور” حوالي 15 درجة وخلال الاقتراب كانت الزاوية تكبر شيئا فشيئا حتى بلغت 170 درجة، ولكن المسبار نيوهورايزونز لم يرصد بلوتو أوأقماره عند زاوية طور أقل من 8 في المائة.
ولفت رئيس المعهد إلى أن بلوتو وأقماره عندما عبروا اليوم خط العقدتين، ووقع “تشارون” أكبر أقماره في التقابل بالقرب من خط العقدتين فإنه ظهر أكثر بريقا من بلوتو، مؤكدا أن هذا التقابل سيفتح المجال لمعرفة المزيد عن كوكب الأرض وكيفية نشأة المجموعة الشمسية، مشيرا إلى أن كوكب بلوتو هو جسم قديم، ويعتبر مثالا للعديد من الكواكب الأخرى التي تدور في مسارات مختلفة حول الشمس ضمن المجموعة الشمسية التي تحتضن كوكب الأرض، وهو من الكواكب الصغيرة جدا، ويصغر عن أحجام سبعة أقمار في المجموعة الشمسية، ومن شدة صغره لا يعتبره كثير من علماء الفلك من الكواكب بل حاول البعض اعتباره تابعا لكوكب نبتون، كما أنه بعيد، ولشدة بعده هو الكوكب الوحيد الذي لم تزره مركبة فضائية.
وأردف أنه عندما تم اكتشاف كوكب بلوتو قبل 88 عاما، خلال عملية استكشاف للأجرام السماوية، ظل هذا الكوكب مصدرا للغموض منذ ذلك الحين، لدرجة أن التلسكوب الفضائي العملاق هابل لم يتمكن إلا من رصد تفاصيل قليلة للغاية عن سطحه الجليدي ، ولهذا فانه الكوكب الوحيد الذي لم تزره مركبة فضائية من قبل، ولذا فالمعلومات المتوافرة عنه ضئيلة ومعظمها محض تخمينات ومنها أن قطره يبلغ 2,390 كيلومتر ، وبعده عن الشمس يصل إلى 5914,18 مليون كيلومتر ، وكتلته تمثل 0,03 من كتلة الأرض، وسنته (مدة الدوران حول الشمس) تعادل 247,7 سنة أرضية، وسرعة دورانه حول الشمس تبلغ 4,75 كيلومتر في الثانية، ويومه (مدة دورانه المحورية) تعادل 6, 4 أيام أرضية، وأما درجة حرارته فتتراوح من 239 إلى 215 درجة مئوية، ومكونات غلافه الجوي هي غازي الميثان النيتروجين، ويعتبر غلافه غلافا جويا رقيقا.
وأشار إلى أنه من شدة صغره لا يعتبره كثير من علماء الفلك بلوتو من الكواكب، بل إن مجموعة من العلماء طالبت خلال اجتماع الاتحاد الدولي للفلك في عام 1999م، باعتباره كويكباً أو تابعا لكوكب نبتون، ولشدة بعده فإنه يعد الكوكب الوحيد الذي لم تزره مركبة فضائية حتى الآن، موضحا أن بلوتو يعتبر جزءا من أكبر حزام من الأجرام الصغيرة الواقعة وراء مدار كوكب نبتون، ويطلق عليها اسم (حزام كايبر)، وهذه المنطقة تتكون من آلاف العوالم الجليدية التي لا يتعدى قطر الجسم الواحد منها الألف كيلو متر، والتي تعتبر مصدر المذنبات والأجسام الفضائية في النظام الشمسي.
واختتم عودة بالقول “إن المعلومات شحيحة عن هذا الكوكب النائي، وظل حتى يومنا هذا الكوكب الوحيد في المجموعة الشمسية الذي لم تزره أي مركبة فضائية، ولهذا فإن المعلومات عنه ما زالت مطوى، فهو أصغر كوكب في المنظومة الشمسية، وقطره أصغر من قطر قمر الأرض بـ1086 كيلو متر”.
المصدر:أ ش أ