تحتفل مصر والقوات المسلحة، اليوم الجمعة، بـ”يوم الشهيد” والمحارب، وهى ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة، فى أثناء حرب الاستنزاف تكريما له وفخرا ببطولاته التى جسدت أسمى معانى التضحية والفداء التى كانت وستظل مبعث فخر.
واستشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض الذى يحتضن ميدان التحرير تمثاله، اختير بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد، وهو مناسبة لتذكر شهداء مصر الذين لم يبخلوا عليها بالجود بأرواحهم، حيث قدمت مصر ومازالت تقدم وستقدم أبناءها فداء للوطن وللمنطقة العربية بأسرها، فكل مصرى هو مشروع شهيد يتحرك على قدميه إلى أن ينال الجائزة.
والـ9 من مارس “يوم الشهيد” ليس مناسبة لتجديد الأحزان، ولكن للتأكيد على فكرة العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن، فالمصريون قوم لهم مع الشهادة والشهداء قدر وباع وتاريخ طويل، ويحتفلون بها وبهم كما يحتفلون بأفراحهم، ويحيون فى هذه المناسبة الكثير من ألوان التكريم والتقدير فى مناسبات عديدة تخليدًا للتضحية وسموا بقيمتها النبيلة.
لقد كان لكل شهيد فى الحروب التى خاضتها مصر قصة مع الشهادة أحدهم ظل يقاتل حتى آخر قطرة من دمه وآخر لم يستسلم وظل يقاتل حتى آخر طلقة وآخر اندفع كالصاعقة لتحقيق هدفه.
إن تلك البطولات التى قام بها أبناء ذلك الجيل العظيم من قواتنا المسلحة وأبناؤهم وأحفادهم خلال المعارك المختلفة تعد ملاحم تاريخية عظيمة يقرأها ويفخر بها أجيال الشباب من أبنائنا وأحفادنا.
لقد كانت قصة استشهاد الفريق/ عبد المنعم رياض على خط الجبهة بداية تصعيد معارك حرب الاستنزاف وفى مواجهة العدو مباشرة من المواقف الرائدة فى حياة الشعب المصرى.. وقد أكد هذا الحدث البطولى أن حياة مصر تغذيها أرواح أبنائها على مر العصور، وأن قدرة مصر على إنجاب الأبطال مستمرة عبر الزمان.
إن الفريق/ عبد المنعم رياض هو الجنرال الوحيد فى تاريخ العسكرية الحديثة الذى سقط ببسالة الفرسان وبينه وبين مدافع العدو الثقيلة أقل من 250 مترا فأضاء بدمه قناديل البطولة.
لقد تدرج الفريق/ عبد المنعم رياض فى دراساته العسكرية والمدنية المختلفة طبقا لرتبته متميزا فى جميع المراحل حتى إن أساتذة الأكاديمية العليا بالاتحاد السوفيتى أطلقوا عليه اسم الجنرال الذهبى بعد حصوله على المركز الأول بتقدير امتياز كما تدرج فى تولى القيادات المختلفة حتى صدر قرار الرئيس/ جمال عبد الناصر فى 11 يونيو عام 1967 بتعيينه رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.
وبدأ الفريق/ عبد المنعم رياض عمله لسرعة إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لمعركة الصمود لتحرير الأرض وعاش حتى رأى نتائج جهوده فى معركة رأس العش فى يوليو 1967 التى نفذها رجال بواسل من قوة صغيرة من وحدات الصاعقة أمام حشد من المدرعات والطائرات الإسرائيلية واستطاع أبطال الصاعقة وقف الزحف الاسرائيلى نحو بورفؤاد واستشهد منهم أبطال تفخر بهم مصر. كما عاش الفريق/ عبد المنعم رياض المعركة البحرية التى تم فيها تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر عام 1967 بواسطة زوارق الطوربيد المصرية من القوات البحرية.
وحضر معارك المدفعية المضادة للطائرات وهى تسقط طائرات العدو والضربات الناجحة لقواتنا الجوية يوم 14و 15 يوليو ثم معارك المدفعية فى سبتمبر وأكتوبر عام 1968 ضد قوات العدو شرق القناة.
وبدءا من يوم 8 مارس عام 1968 بدأت قواتنا أهم مراحل حرب الاستنزاف بداية بالقصف المدفعى فقد قامت المدفعية المصرية فى صباح ذلك اليوم بتنفيذ قصف نيرانى حاشد بجميع أعيرتها وذخائرها ضد المواقع الإسرائيلية شرق القناة لتدمير منشآت خط بارليف، ولم يكن غريبا على الفريق/ عبد المنعم رياض أن يقرر أن يكون مع المقاتلين بالجبهة مصمما على الوجود بين جنوده رغم أن هذه المواقع لا يفصلها عن قوات العدو سوى 200 متر (عرض القناة) وبما يعنى وجوده داخل مرمى الأسلحة الصغيرة بالإضافة إلى الأسلحة الأخرى وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول مقدما مثلا رائعا لكل القادة على جميع المستويات.
وفى نحو الساعة الرابعة مساء 9 مارس تصاعدت حدة وعنف الاشتباكات حيث بدأ قتال رهيب وشاءت إرادة الله أن تسقط إحدى قذائف المدفعية على الموقع وتصعد روح الشهيد الطاهرة إلى بارئها ليفارق الحياة مضحيا بدمائه الطاهرة وهو يرتدى زى الميدان العسكرى مخضبا بدمائه الطاهرة فى أقرب موقع أمامى من العدو.
لقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء والواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر فادحة، ولقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله شهداء من جنوده من رجال وطنه يقومون بالواجب من أجل التصميم على التحرير الشامل للأرض ومهما تَغْلُ التضحيات وعهدوا بالنصر مهما يكن الثمن.
ونعى الرئيس/ جمال عبد الناصر للأمة العربية رجلا كانت له همة الأبطال تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته وأن مصر تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة أن طريق النصر هو طريق التضحيات.
وحمل الشعب المصرى جثمان الشهيد فى جنازة مهيبة يتقدمها الرئيس/ جمال عبد الناصر والجماهير تردد بلادي.. بلادي.