تمر، اليوم 16 مايو، الذكرى المئوية الأولى لاتفاقية “سايكس-بيكو”، والتي كان الهدف من ورائها تقسيم المنطقة العربية لتسهيل احتلالها من قبل الدول العظمى .
وفي مثل هذا اليوم من عام 1916، وقعت كل من فرنسا وبريطانيا اتفاقا وتفاهمًا سريًا بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.
ولقد تم تقسيم منطقة الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق.
أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا.
كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
ومنذ ذلك الحين يعاني العراق، فقد أصبح منذ ذلك الوقت تحت الانتداب البريطاني حتى انقلاب عام 1958. وقد زرعت بريطانيا في العراق بذور نموذج “عراق-2003” بعد اتفاق لوزان مع تركيا في عام 1923. وشهد العراق منذ احتلال 2003، انقلابا تاريخيا وجغرافيا غير مشهود منذ قرون.
ووضعت بريطانيا قانون المواطنة العراقية-الجنسية- بديلا عن المواطنة الإيرانية أو العثمانية، التي كان يتمتع بهما المواطن العراقي قبل ذلك.
وأصبح المواطن، الذي كان يتمتع سابقا بالمواطنة العثمانية، بموجب قانون الجنسية الجديد، مواطنا عراقيا بشكل تلقائي؛ خلافا للمواطن الذي كان يتمتع بالمواطنة الإيرانية، إذ كان عليه أن يمر بسلسلة خطوات قبل أن يحصل على المواطنة العراقية.
ثم تعاملت بريطانيا مع مناطق الأكراد بشكل يختلف عن تعاملها مع باقي مناطق العراق، إلى أن حدث انقلاب بغداد عام 1958، الذي عمَّق بعد انقلابين آخرين في عامي 1963 و1968 الشرخ الذي أحدثه البريطانيون في المواطنة العراقية.
ثم كان غزو العراق للكويت في 1990، والذي أدت تداعياته إلى خروج شمال العراق عن سيطرة بغداد، فضلا عن حرب السنوات الثماني، التي أوقدت نارا تحت رماد قانون الجنسية الذي وضعه البريطانيون في عام 1923.
ثم جاء احتلال بغداد في عام 2003، الذي فجر المكونات العراقية بعضها مع بعض، وأخرج نموذج بريطانيا في 1923 شطأه واستغلظ بعد 2003، ولم يستو على سوقه بعد؛ إذ ما زالت مكونات العراق المختلفة تصطرع باتجاه عراق مواطنة، لم يتضح بعد شكله أو دوره أو هويته أو طبيعته السياسية؛ حتى حلت عليه الذكرى المئوية الأولى لاتفاقية “سايكس-بيكو”.
في هذه الأثناء، صرح مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، في 23 يناير الماضي، بأنه يجب إعادة ترسيم الحدود.
ودعا بارزاني زعماء العالم للاعتراف بإخفاق اتفاقية “سايكس-بيكو” لعام 1916، التي رسمت الحدود الحالية للشرق الأوسط. كما دعا إلى التوصل لاتفاق جديد يمهد الطريق لقيام دولة كردية.
وكشف بارزاني أن “العراق معرض للتقسيم في الوقت الراهن، ونحن غير مسؤولين عن ذلك، فقد بذلنا قصارى جهدنا للحفاظ على وحدة العراق الديمقراطي”.
ويبدو أن فشل التحالف الكردي-الشيعي، الذي شُكل في 2005، والذي كان ركيزة العملية السياسية في العراق، وعدم تطبيق المادة 140 من الدستور، الذي حدد تنفيذها بنهاية 2007، ثم عدم تطبيق اتفاقية إربيل في 2010، ثم سقوط عدة مدن عراقية مجاورة لمحافظات إقليم كردستان في يونيو 2014، قد حدت ببارزاني إلى أن يعلن وفاة “سايكس-بيكو”.
وربما رأى مسعود بارزاني أن الواقع قد تغير جذريا بعد كل هذه الإخفاقات السياسية التي انتهت باجتياح “داعش”. ومن هنا، كان هناك قرار كردي ربما بفرض الأمر الواقع قبل أن يكون قانونا. ومن هنا، استطاعت القوات الكردية فعلا بعد هذا الاجتياح أن تحكم سيطرتها على كل المناطق المتنازع عليه وفق المادة 140 من الدستور والتي لم تنفذ دستوريا.
فهل تداعيات اجتياح “داعش” لحدود العراق وسوريا هي التي أنهت اتفاقية “سايكس-بيكو”، كما يقول بارزاني؟ أم أن احتلال العراق في 2003 بتحالف ثلاثيني، سبقه في 1990 تحالف ثلاثيني آخر بعد غزو الكويت، وتلاه في 2014 تحالف دولي ستيني بعد اجتياح “داعش” هو الذي وضع اتفاقية “سايكس-بيكو” على طاولة صراع محلي إقليمي دولي جديد؟
كان العراق قبل الاتفاقية يتشكل من ثلاث ولايات، هي: بغداد والبصرة ونينوى. وقد يعود العراق اليوم إلى مجموعة ولايات. ومن المؤكد هنا أن التغيير لن يطال الحدود الخارجية التي رسختها “سايكس-بيكو”، لكن التغيير طال ولا يزال نظام العراق السياسي، الذي انتقل بفعل دينامية الأحداث من دولة مركزية قبل 2003 إلى عراق فيدرالي واقعي على الأرض قبل أن يكون مكتوبا بقانون تحترمه الأطراف.
وقد تسوق الأحداث العراق إلى أن يعود إلى عصر ما قبل انقلاب 1958، وليس إلى عصر ما قبل اتفاقية “سايكس-بيكو”. وقد يكون عصر ما قبل انقلاب 1958 حلا وسطا ليس فقط بين العراقيين المنقسمين بين سايكس وبيكو اللذين أسسا للدولة الوطنية وبين بايدن الذي أشار إلى الفدرلة، بل بين إيران وتركيا أيضا .
ويمكن القول باحتمال عودة العراق إلى عصر ما قبل 1958، لأن الفاصلة التاريخية التي مرت بالعراق والمنطقة منذ 2003، نقضت النظم الجمهورية العربية القومية، وأنهضت النظم الملكية العربية بديلا، وهو كفيل ربما بعودة نظام ملكي إلى العراق، ربما!
المصدر : وكالات