جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الأسبانية الأخيرة لتعزز من مكانة اليمين المتطرف داخل المشهد السياسي الأسباني، بعد أن حقق تقدما ملحوظا وصار القوة السياسية الثالثة في البلاد، وهو ما سيشكل بدوره تحديا صعبا أمام الحكومة القادمة.
ورغم تصدر الحزب الاشتراكي لنتائج الانتخابات، التي جرت أمس الأول الأحد، غير أنه فشل في تحقيق الأغلبية المطلقة التي تسمح له بتشكيل حكومة جديدة بل أنه خسر 3 مقاعد في البرلمان الأسباني وأصبح لديه 120 مقعدا من أصل 350 مقعدا. وفي الوقت الذي حل فيه الحزب الشعبي المحافظ في المركز الثاني بعد أن رفع عدد مقاعده من 66 إلى 88 مقعدا، تمكن حزب “فوكس” اليميني المتطرف من مضاعفة عدد مقاعده في البرلمان وحصل على ما بين 56 إلى 59 مقعدا مقابل 24 في الانتخابات الماضية، ليكون بذلك هو الفائز الأبرز في هذا السباق الانتخابي.
وتعد هذه الانتخابات هي الرابعة من نوعها خلال أربع سنوات والثانية خلال العام الجاري. وكان رئيس الوزراء الاشتراكي، بيدرو سانشيز، قد دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة قبل شهرين، أملا في تعزيز موقف حزبه الذي لم يتمكن في انتخابات أبريل الماضي من الفوز بالأغلبية المطلقة التي تسمح له بتشكيل الحكومة، وهو ما تكرر حدوثه في الانتحابات الحالية التي، على العكس، أضعفت من مكانة الحزب بعد فقدانه لثلاث مقاعد برلمانية، فضلا عن أنها كرست مكانة اليمين المتطرف، وهو ما وضع الاشتراكيين في مأزق صعب وجعل من تشكيل الحكومة مهمة شاقة.
يبدو أن الحظ لم يحالف التيار اليساري بكافة أطيافه في هذا الاقتراع إذ فقد حزب بوديموس، الذي يمثل اليسار الراديكالي، 7 مقاعد بعد أن تراجع من 42 إلى 35 مقعدا، ليصبح في المرتبة الرابعة.
كما تسببت هذه الانتخابات في استقالة زعيم حزب ثيودادانوس، الذي يمثل يمين الوسط، من منصبه بعد حصول الحزب على 10 مقاعد فقط مقابل 47 مقعدا في الانتخابات الماضية، وهو ما يعني خسارته لنحو 2.5 مليون صوت في أقل من ستة أشهر.
ويتفق المراقبون على أن صعود حزب اليمين المتطرف “فوكس” يعد هو العلامة الأبرز في الانتخابات التشريعية الأخيرة. فقد كان اليمين المتطرف مهمشا منذ انتهاء نظام الجنرال فرانكو الدكتاتوري عام 1975، ولكنه نجح في الانتخابات التشريعية السابقة في أبريل الماضي من دخول البرلمان الأسباني للمرة الأولى، وتمكن في الانتخابات الأخيرة من تعزيز مكانته على الساحة السياسية عن طريق مضاعفة مقاعده، ليصبح صوته مسموعا داخل البرلمان الأسباني.
وقد ساهمت الاحتجاجات العنيفة التي شهدها إقليم كتالونيا في صعود نجم اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة، حيث استفاد الحزب من حالة الاستياء الشعبي إزاء أزمة كتالونيا، ومشاهد العنف في برشلونة بعد الحكم على القادة الانفصاليين لدورهم في محاولة الانفصال عام 2017، ليعزز من شعبيته على الساحة الأسبانية.
وأثار زعيم حزب “فوكس”، سانتياغو أباسكال، جدلا واسعا بدعوته إلى حظر الأحزاب الانفصالية وتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا وتوقيف رئيسها المؤيد للاستقلال، كيم تورا، واصفا النجاح الأخير لحزبه بأنه “أعظم إنجاز سياسي شهدته أسبانيا”.
يبدو أن توجهات حزب فوكس إزاء كتالونيا قد لاقت قبولا لدى شريحة واسعة من المواطنين الذين يرغبون في وضع حد لهذه الأزمة التي تهدد استقرار بلادهم، وهو ما شجعهم للتصويت لصالحه.
ويتبنى حزب فوكس، الذي أسسه أعضاء سابقون في الحزب الشعبي، خطابا متشددا حول ملف الهجرة، ويؤكد وجود علاقة قوية بين وصول المهاجرين وارتفاع معدلات الجريمة في أسبانيا، فضلا عن موقف المتشدد إزاء أزمة كتالونيا، كل ذلك ساهم في رفع أسهمه في الشارع الأسباني.
إضافة لما سبق، فإن المناخ العام في أسبانيا تخيم عليه حالة من الارتباك وعدم الاستقرار. فقد شهدت البلاد خلال الأربعة أعوام السابقة أربعة انتخابات برلمانية، وهو ما خلق أجواء من الإحباط وعدم الاكتراث ضمن صفوف الناخبين الأسبان، وانعكس ذلك في انخفاض معدلات الإقبال على التصويت بين المواطنين. هذا إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وسياسة التقشف المتبعة منذ أكثر من 10 سنوات، وقضايا الفساد التي أطاحت بحكومة الحزب الشعبي العام الماضي. كل ذلك ساهم في زيادة حالة التذمر والاستياء الشعبي.
في ضوء المشهد السابق، يتفق المراقبون على أن مهمة تشكيل الحكومة المقبلة ستكون شاقة في ظل الصعود الملفت لليمين المتطرف وغياب أغلبية متجانسة في البرلمان، وهو ما يزيد المشهد الأسباني تعقيدا وغموضا لاسيما في ظل تفاقم أزمة كتالونيا. وبدا واضحا أن هذه الانتخابات أصابت البلاد بحالة من الشلل السياسي بدلا من أن تخرجها من حالة الجمود التي تعيشها منذ عدة أشهر.
المصدر: رويترز