العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا تسلط الضوء على اعتماد أوروبا الشديد على الوقود الأحفوري القادم من روسيا
سلطت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا الضوء أكثر من أي وقت مضى، على اعتماد أوروبا الشديد على الوقود الأحفوري القادم من روسيا ، ولا سيما لتزويد ألمانيا والنمسا.
وبينما أعربت المفوضية الأوروبية عن رغبتها في التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي، فإن اللعبة تبدو بعيدة المنال لأن قدرات الموردين الآخرين لا تزال محدودة ، ولن تسمح لها بقطع التجارة مع موسكو في القريب العاجل.
وأشارت المنصة الإخبارية لـ صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية، في تقرير لها، اليوم السبت، أن انقطاع الإمدادات يمكن أن يصب في النهاية لصالح استخدام الفحم ، بدلاً من تسريع انتقال الطاقة، و كان باتريك بوياني، الرئيس التنفيذي لشركة “توتال إنيرجي” الفرنسية العملاقة قد أشار أمس الجمعة إلى أنه من المستحيل الاستغناء عن الغاز الروسي في المستقبل القريب.
وبحسب صحيفة “لا تريبيون” ، أشار جاك بيرسيبوا، الخبير الاقتصادي ومدير مركز أبحاث اقتصاديات وقانون الطاقة ، إلى أن القرار الذي اتخذته برلين ، قبل ثلاثة أيام ،بـ تجميد مشروع “نورد ستريم 2” المشترك بين ألمانيا وروسيا لتوريد الغاز الروسي إلى أوروبا ذو أهمية رمزية قوية ، إلا أنه في الحقيقية لا يغير من الوضع شيئا لأن هذا المشروع لم يتم تشغيله بعد بينما يستمر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، في نقل نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا وذلك منذ العام 2012.
وتابع قائلا:” ولسبب وجيه ، إذا توقفت التدفقات ، “ستعاني أوروبا ، بقدر ما تعاني روسيا” ، على وجه الخصوص ألمانيا ، حيث أن موسكو تزودها بما يقرب من 60% من وارداتها من الغاز ، كما تقوم غازبروم الروسية بتوريد الغاز لكلا من إيطاليا وتركيا وبلغاريا وصربيا والدنمارك وفنلندا وبولندا والنمسا.
وأردف قائلا:” من المنطقي في هذه الحالة الاستمرار في استيراد الغاز لا لضمان أمن الإمدادات على المدى القصير، نظرا لأن احتياطيات أوروبا ستسمح لها باجتياز فصل الشتاء موضحا إلى أن القرار سيكون ضروريًا لعام 2023 ، حيث يتعين تجديد المخزونات هذا الصيف.
وأكد الخبير الاقتصادي ومدير مركز أبحاث اقتصاديات وقانون الطاقة أن سيناريو حظر النفط والغاز ، مثل الذي تم فرضه على إيران قبل عشر سنوات ، يبدو غير مرجح اليوم ، لا سيما في سياق ارتفاع أسعار الطاقة.
وتعليقا على دعوة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية إلى وضع استراتيجية لاستغناء عن الغاز الروسي، من خلال الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال ، والذي يمثل ما يقرب من 20% من واردات الغاز في أوروبا من كل بلدان المنشأ (مقابل 80% لأنابيب الغاز) بحيث يتم نقل الغاز الطبيعي المسال عن طريق البحر بدلاً من خطوط الأنابيب ٌ قال جاك بيرسيبوا أن هذا الحل غير واقعي على المدى القصير والمتوسط.
وتابع قائلا:” هذا الأمر يعد أمرا مستحيلا سواء بسبب قدرات مصانع الإسالة أو الإمداد اللوجستي لمحطات الغاز المسال، مشيرا إلى أن ألمانيا على سبيل المثال ليس لديها محطات طرفية للغاز الطبيعي المسال.
وأضاف قائلا:” كما أن الشحن عن طريق البحر يمثل مشكلة حيث يعانى العالم ، في الوقت الحالي من نقص في ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وأنه في ظل هذه الظروف هناك طرق أخرى تتمثل في تقليل احتياجات أوروبا من الغاز ،مثل كهربة تدفئة المباني أو إزالة الكربون من إنتاج الكهرباء.
في هذا الصدد أتاح انتقال الطاقة الذي بدأ بالفعل لأسباب بيئية ، بدء حركة في هذا الاتجاه، ومع ذلك ، فإن حصة الغاز الروسي في استهلاك دول الاتحاد الأوروبي لم تنخفض كثيرًا ، حيث تصل اليوم إلى 19% ، مقابل 23% قبل عشر سنوات ، وفقًا لأرقام Eurogas.
وذهب جاك بيرسيبوا إلى أن الأزمة الحالية قد لا تفيد هذا التحول ،مشيرا إلى انه في حال اضطرت دولة استخدمت الغاز في السابق لإنتاج الكهرباء ، مثل ألمانيا ، إلى الاستغناء عنه بسبب ارتفاع الأسعار أو تعطل الإمدادات ، فإنها تخاطر بالتحول إلى الفحم.
وأختتم حديثه قائلا:” وبالتالي ، على الرغم من أن برلين قدمت مؤخرًا وعدها بالتخلص التدريجي من الفحم ، وهو الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا ، حتى عام 2030 فمن الممكن أن تؤدي الأحداث الجارية إلى تأخير الموعد النهائي” ،وقد يؤدي ذلك إلى تعريض الأهداف المناخية للبلاد للخطر ، والتي من المفترض أن تحقق حياد الكربون بحلول عام 2045.
المصدر : أ ش أ