يصف البعض العملية العسكرية الواسعة التي يشنها الجيش التركي حاليا في المناطق الكردية في شمال شرق سوريا، بأنها ” قبلة الحياة ” لتنظيم “داعش” الإرهابي، للعودة مجددا لممارسة نشاطه الإجرامي، لاسيما بعد الهزيمة الساحقة التي منى بها في سوريا والعراق مؤخرا، وفقدانه لكل معاقله ومناطق نفوذه.
وتثير هذه العملية العسكرية التي يطلق عليها الجيش التركي اسم ” نبع السلام ” مخاوف وهواجس عميقة لدى الأوساط السياسية الإقليمية والدولية من أن يكون لها تداعيات خطيرة فيما يخص الأنشطة الإرهابية لتنظيم (داعش) والجماعات المرتبطة بها..إذ يحذر كثير من المراقبين والمحللين السياسيين والأمنيين من إمكانية أن يستغل عناصر (داعش) حالة الفوضى والاضطرابات التي تسبب فيها الهجوم التركي على شمال سوريا ، وانشغال قوات سوريا الديمقراطية بصد الهجوم التركي، لاستئناف نشاطهم الإرهابي في تلك المناطق مجددا.
وكلما طال أمد هذه العملية واتسع نطاقها، زاد خطر عودة التنظيمات الإرهابية بشكل أكبر، فرغم هزيمة (داعش)، إلا أن هناك الآلاف من عناصره لا يزالون هاربين، ويمكن أن يستغلوا ما يجرى حاليا في شمال سوريا لاستنئاف نشاطهم وتجميع صفوفهم، ومما يعزز هذا الاحتمال هو أن عناصر التنظيم قد تعهدوا بمواصلة القتال من خلال ما وصفوه بـ”حرب استنزاف”، ضد خصومهم وأعدائهم.
وتمثل هذا الأجواء فرصة مواتية لتنظيم داعش، فقيادته الهاربة تعلن بين الحين والآخر عن عودة التنظيم إلى القتال، وفي العراق، وقبل الهجوم التركي بكثير، كانت هناك دلائل على إمكانية إعادة تجمع التنظيم، وشن هجمات على نطاق صغير على مراكز للحكومة العراقية.
ومما يعمق تلك المخاوف أيضا لدى الكثير من إمكانية عودة الخطر الإرهابي الذي يمثله تنظيم داعش وأمثاله، هو احتمال أن يستغل الآلاف من مسلحي داعش المحتجزين حاليا في سجون تحرسها قوات سوريا الديقراطية الكردية، انشغال تلك القوات في صد الهجوم التركي على مناطقها ، للهروب من مراكز الاحتجاز والاختفاء وسط صفوف عشرات الآلاف من النازحين المدنيين الذي فروا من مناطق القتال خلال الأيام الماضية، وما قد يشكله ذلك من خطر كبير على مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها .
وفيما بدا تحسبا لهذا الاحتمال استبق الجانب الأمريكي، الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا، وقام بنقل اثنين من كبار قيادات تنظيم داعش الخطرين والمحتجزين لدى القوات الكردية السورية، إلى مركز احتجاز تابع للقوات الأمريكية في العراق.
وقال مسؤول عسكري أمريكي” إن الجيش الأمريكي تولّى مسؤولية احتجاز اثنين من جهاديّي تنظيم “داعش” كانت تحتجزهما في السابق القوّات الكرديّة في سوريا، في قرار اتُخذ على خلفيّة الهجوم التركي على شمال سوريا.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “سي ان ان” إنّ هذين الجهاديَّين هما ألكساندا آمون كوتي والشافي الشيخ اللذين كانا عضوان في خليّة الإعدامات في تنظيم “داعش” والتي كانت مسؤولة عن قطع رؤوس الرهائن الأجانب.
وحسب تقارير صحفية أمريكية غربية فإن القوات الأمريكية قامت خلال الفترة الماضية بنقل نحو أربعين من أخطر العناصر الداعشية إلى معسكرات احتجاز في العراق، لضمان تقديمهم للمحاكمة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن يوم الأربعاء الماضي أنه تم نقل “عدد محدد” من عناصر تنظيم “داعش” خارج سوريا وسط مخاوف من هروبهم خلال العملية التركية ضد الأكراد..لكن نقل هؤلاء الدواعش الخطرين إلى سجون خارج سوريا،لا يبدد المخاوف من هروب آلاف الدواعش الآخرين من سجون قوات سوريا الديقراطية، والذي يقدر عددهم بأكثر من عشرة آلاف عنصر محتجزين في سجون”مؤقتة” بالقرب من الحدود التركية، وفقا لمسؤولين عسكريين أميركيين.
وتقع غالبية هذه السجون في مدارس أو مبان حكومية محلية خلف ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة” التي تريد تركيا إقامتها على طول نحو500 كيلومتر على الجانب السوري من الحدود.
وبموازاة ذلك فإن المخيمات التي أقامتها قوات سوريا الديمقراطية لأسر وعوائل عناصر داعش، تزدحم بمجموعات من النساء من مؤيدي التنظيم، وتوجد معظم هذه المخيمات جنوب الشريط الحدودي الذي تريد تركيا احتلاله خلال عمليتها العسكرية الحالية وتخضع لحراسة القوات الكردية، لكن الهجوم التركي على مناطقهم سيؤدي إلى تحريك جانب من تلك القوات التي تحرس المخيمات للمشاركة في عملية صد الهجوم التركي .
وتقول قوات سوريا الديمقراطية إن الحرب مع تركيا ستُجبرها على إعادة توزيع المقاتلين، فضلًا عن أنها ستصرف انتباهها عن تأمين مكاسبها في معركتها ضد داعش، فضلا عن إمكانية هروب الآلاف من مسلحي داعش في سجون قوات سوريا الديمقراطية حال حدوث أي نوع من الاضطرابات.
ويعد “مخيم الهول”، أكبر المخيمات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، ويصفها بعض المراقبين بأنه “قنبلة موقوتة”، بعدما شهد مؤخراً حوادث اعتداء وفوضى خصوصاً في القسم المخصص لعائلات مسلحي التنظيم الأجانب.ويضم هذا المخيم المكتظ أكثر من ثلاثة آلاف عائلة من عائلات التنظيم من إجمالي أكثر من 70 ألف شخص، وفق الإدارة الذاتية الكردية.
ويشكل مصير سجناء (داعش) وعوائلهم، لدى قوات سوريا الديمقراطية، وما يمكن أن يحدث لهم في ظل الهجوم العسكري التركي الحالي، أحد المسائل التي تثير هاجسا أمنيا عميقا لدى الأوساط الغربية، التي تخشى من إمكانية تسرب بعض هؤلاء الدواعش – خصوصا الأوربيين منهم – وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية مجددا لتنفيذ عمليات إرهابية.
وتتصاعد المخاوف داخل أجهزة الاستخبارات الغربية بأنه في حال نجح عناصر تنظيم (داعش) في استغلال الهجوم التركي للفرار من سجون قوات سوريا الديمقراطية، فإن بعضهم سيعود إلى أوروبا بطريقة ما للتخطيط لهجمات أخرى مثلما حدث في لندن وباريس وبرشلونة وأماكن أخرى.
وحذر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي، كيفن ماكارثي، من أن الهجوم العسكري التركي على سوريا يهدد بوقف الزخم ضد (داعش)، ويمكن أن يعطي تنظيمات مثل القاعدة وإيران موطئ قدم جديد في المنطقة..بينما هاجم السيناتور تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، الغزو التركي لسوريا قائلا” إن السماح لتركيا بمهاجمة الأكراد، يمكن أن يؤدي لإطلاق سراح ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل من داعش وهو ما يعرض أمريكا للخطر”.
وكان منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناثان سيلز قد حذر من أن “الأحداث المزعزعة للاستقرار” في المنطقة يمكن أن “تؤدي إلى إطلاق سراح” معتقلي داعش.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)