تتجسد الصورة الأهم للندية فى العلاقات المصرية الأمريكية، فى أن القاهرة أصبحت تعدد تحالفاتها دون أحكام مسبقة.
فى فترات وعقود سابقة كان هوى التحالفات السياسية والأمنية فى مصر محددًا، تارة سوفيتيًا خالصًا، وتارة فى ركاب المحور الأمريكى الغربى وهكذا.
لكن الثابت، وبعد زوال دولة المرشد فى صيف العام 2013، أن الأمور اختلفت على نحو كبير، القاهرة وجدت إستراتيجيتها السحرية، ما جرى قبيل زلزال الخروج على سلطة الإخوان ومندوبهم فى قصر الاتحادية، محمد مرسى، جرى قطعًا دون تنسيق أو حتى علم من جانب واشنطن، ثم كان أن انفتحت مصر على موسكو، وبات هناك تنسيقات كبيرة معها فى ملفات شائكة، كسوريا ومراكز القوة فى البحر المتوسط، وقبل كل ذلك فى قضايا اقتصادية عدة.
بدأ أن مصر ترجح التعامل مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أكثر من منافسته السابقة بالانتخابات الأمريكية الأخيرة، هيلارى كلينتون، ورغم ذلك لا يبدو السير على طريق الملياردير الجمهورى نهجًا مصريًا إجباريًا.
القاهرة مثلا، وعلى سبيل المثال، لا تتردد فى الهرولة نحو الصين وتحالفاتها المهمة كبريكس وطريق الحرير والشراكة مع إفريقيا وما شابه، وبالتوازى مع ذلك فهناك التنسيق التجارى الاقتصادى والسياسى الأمنى مع أوروبا، والذى أصبح فى أعلى درجاته.
صارت مصر ضلعًا أساسيًا فى كل الخطط الدولية، لمواجهة الإرهاب وخطر داعش، ناهيك بمواجهة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، كما أن المشروعات الاستثمارية بين القاهرة وعدد من العواصم الأوروبية الرائدة كبرلين وروما ومدريد وباريس ولندن تظل فى أعلى مستوياتها.
وكان الاتحاد الأوروبى أشاد بمصر قبل ساعات قليلة فى إطار التعاون المثمر من جانبها فى ملف الهجرة غير الشرعية، وخلال عامين فقط نجحت مصر عبر تغليظ قوانين الهجرة غير الشرعية، إلى جانب خطط أمنية بحرية لضرب تلك الظاهرة المفجعة، فى القضاء على نحو 1000 موجة هجرة غير رسمية سنويًا، ما ارتد ذلك وفق تأكيدات أوروبية، فى صورة انخفاض معدلات الهجرة غير الشرعية بمقدار 70% عن العام الفائت.
وتبقى ملفات غاية فى الصعوبة تقف فيها مصر بصلابة شديدة على خلاف الموقف الأمريكى، منها ما يتعلق بالملف السورى، إذ أن الإدارة الأمريكية تميل إلى الحل العسكرى فى مواجهة دمشق، وهى فى ذلك تحشد خلفها قوى أوروبية، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ملف إدلب الأخير أكبر مثال على ذلك، إذ سعت واشنطن وحلفاؤها لضرب دمشق لعرقلة بسط النظام السورى سيطرته على البلاد، ووأد المعارضة تمامًا، بيد أن للقصة فصول أخرى تتعلق برغبة الولايات المتحدة فى عدم إعلان الانتصار الروسى فى سوريا، ولو كان ذلك على حساب الشعب السورى.
غير أن مصر ظلت صلبة فى موقفها فى هذا الشأن، متمسكة بضرورة التسوية السياسية فى سوريا، ومن ثم إعادة الإعمار، على أن يكون تحديد المصير فى يد الشعب السورى وحده، وتنتهج مصر فى الملف السورى وعكس حلفاء عرب، هم بالأساس حلفاء وربما ممولين كذلك لواشنطن، نهج الدولة المسؤولة الساعية، لتقوية الجيوش الوطنية والحفاظ على مقدرات الشعوب، ومنحهم هم وحدهم حق تحديد مصيرهم ومستقبلهم.
ملف آخر تبدو فيه مصر أكثر من ند للولايات المتحدة، يتعلق بما يثار عن صفقة القرن للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تسعى واشنطن إلى إنهاء حل الدولتين وجعله حبرًا على الورق، وإقحام الغزاوية إلى سيناء مثلُا، مع منح ما تبقى من الضفة الغربية إلى الأردن وتوطين اللاجئين فى دول الشتات، مع إنهاء قضية القدس الشرقية إلى الأبد، وتعويض الفلسطينيين عنها بقرية أبو ديس التى ترى قبة الصخرة من على بعد 14 كيلومتر.
دول عربية وإقليمية للأسف تتورط فى الترويج للصفقة دونا وجل أو خجل، غير أن مصر تقف على الضفة الأخرى، ولا ترى إلا حلًا واحدًا قائمًا على الدولتين فى حدود 4 يونيو 1967.
المصدر : وكالات