تعقد منظمة الصحة العالمية اجتماعها للدول الـ194 الأعضاء فيها، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في إطار جهودها العالمية وبهدف تنسيق جهود التصدي لوباء “كوفيد 19″، في ظل المناكفات السياسية المستمرة بين واشنطن وبكين، وتلويح إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستئناف جزئي لتمويل المنظّمة بعد قرارها بتجميد حصتها في ميزانية الصحة العالمية.
المتبع والمعروف في اجتماعات منظمة الصحة العالمية، أن يحضر وزراء وموظفون من دول المنظمة الـ 194 كل عام إلى جنيف لمدة أسبوع للمشاركة في جمعية الصحة العالمية، هيئة القرار في الوكالة التابعة للأمم المتحدة، لكن الظروف الاستثنائية هذا العام ومع انتشار فيروس كورونا المستجد، تحتم عقد الجمعية عبر الفيديو، وليومين فقط 18 و19 مايو 2020، على أن تقتصر المحادثات على الوباء العالمي على أمل تنظيم اجتماعٍ لاحقاً خلال السنة في جنيف.
وبالرغم من تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، تأمل الدول في تحقيق إجماع الأسبوع المقبل حول مسودة قرار طرحها الاتحاد الأوروبي، فبعد مشاورات اتفق الدبلوماسيون في نهاية المطاف على نص يطالب بإتاحة الحصول على جميع المنتجات الضرورية للتصدي للجائحة بصورة سريعة ومنصفة في مختلف أنحاء العالم.
وتطلب مسودة القرار، خصوصاً من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبرييسوس، المباشرة في أسرع وقت ممكن بعملية تقييم لمراجعة الاستجابة الصحية الدولية والتدابير التي اتخذتها المنظمة وتسلسلها الزمني، كما تدعو إلى المساعدة في التعرف إلى المنشأ الحيواني للفيروس، وتحديد طريقة انتقاله إلى البشر.
معوقات إضافية
في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تضافر الجهود وتكاملها لمواجهة تفشي كورونا، تلعب مصالح القوى العالمية الفاعلة في المنظمات الدولية، دورها في عرقلة ما يتعارض مع مصالحها ولا يحقق أهدافها في القيادة والزعامة، في ظل التوجه نحو تشكُل نظام عالمي جديد، يعيد هيكلة النظام والقوى المؤثرة فيه بعد انتهاء الجائحة.
ثمة كثير من المسائل الخلافية حول المنظمة الأممية، من إصلاح منظمة الصحة العالمية، إلى موضوع عضوية تايوان، مروراً بإتاحة الحصول على اللقاحات وإرسال خبراء إلى الصين، لكن مسألة منشأ الفيروس تبقى محور المواجهة بين الصين والولايات المتحدة.
واتهمت الولايات المتحدة، مؤخراً الصين، بالسعي لاختراق الأبحاث الأمريكية حول لقاح لعلاج كورونا، وسط منافسة أمريكية أوروبية محتدمة للتوصل إلى
لقاح، فيما هدّد ترمب مؤخراً بقطع كل العلاقات مع بكين.
وتخوض واشنطن، التي تتهم بكين بإخفاء حجم الوباء وخطورته عند بدء انتشاره، اختبار قوة مع منظمة الصحة العالمية التي يتهمها الرئيس دونالد ترامب، بارتكاب أخطاء في إدارة الأزمة بتبنيها الموقف الصيني، وعلق المساهمة المالية الأمريكية لها، إلا أنه قال مؤخراً إن إدارته تبحث عدداً من المقترحات بشأن منظمة الصحة العالمية، من بينها دفع واشنطن لنحو 10 في المائة من مبالغ التمويل السابقة.
وقد فتحت مطالبة كل من واشنطن وأستراليا بإجراء تحقيق للاشتباه بأن بكين تسترت على حادث وقع في مختبر في ووهان، وكان مصدراً للفيروس، باباً للخلاف بين القوى العالمية، الصين من جانب والاتحاد الأوروبي من جانب آخر..إذ سرعان ما انضمت أوروبا إلى هذه المطالب، وتحركت نحو طرح الفكرة داخل أروقة منظمة الصحة العالمية في وقت لاحق هذا الشهر، واكتسبت أستراليا في خضم ذلك دوراً جديداً يتمثل في تحولها إلى فاعل عالمي، لجهود الضغط من أجل تعزيز المؤسسات الدولية التي تخلت عنها الولايات المتحدة.
وفي مواجهة أزمة لا تحدث إلا مرة واحدة في الجيل، تسعى القوى العالمية المتوسطة جاهدة نحو إحياء الأعراف القديمة للسياسات متعددة الأطراف، الأمر الذي يمهد لبناء هيكل جديد للنظام العالمي وقواه الفاعلة والمؤثرة في قراراته.
وقد شرعت دول في أوروبا وآسيا في بناء أواصر جديدة فيما بينها حول قضايا مثل الصحة العامة والتجارة، والتخطيط لمستقبل يقوم على ما يعدونه الدروس الكبرى المستفادة من الوباء.
وربما يستمر هذا الزخم من قبل القوى العالمية المتوسطة الحجم فقط لفترة وجود الفيروس، لكن حال استمراره بعد ذلك، فإنه قد يطرح بديلاً للنظام العالمي ثنائي القطب، وبعيداً عن المناكفات السياسية بين واشنطن وبكين، ثمة مجموعة عمل آخذة في التشكل، تضم مجموعة من القيادات بالتناوب، وتحمل بداخلها إمكانية تحدي قوة الصين من جانب، وانشغال أمريكا بالداخل وانتخاباتها الرئاسية وبالتالي غيابها عن الساحة العالمية وترك فراغ من جانب آخر.
يُشار في هذا السياق إلى أن هذا الفراغ يسبق فترة ظهور الوباء، ففي عام 2018، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، وقعت 11 دولة، منها أستراليا وكندا واليابان ونيوزيلندا والمكسيك وفيتنام، اتفاقية تجارية خاصة بها لحمايتها في مواجهة الصين، إلا أن ظهور وباء فيروس كورونا أدى إلى إسراع وتيرة هذا التفاعل.
وتبادلت كثير من القوى العالمية متوسطة الحجم معلومات تفصيلية عن استجاباتها للوباء، ودعمت حلولاً مشتركة، مثل جهود إيجاد مصل، وبدأت في التطلع قدماً، وهنا ظهرت مجموعة من الدول تطلق على نفسها “المتحركين الأوائل”، لتحركها السريع في مواجهة الوباء، ونجاحها في تسطيح منحنى الإصابات، وتضم النمسا والدنمارك واليونان وسنغافورة ونيوزيلندا.
ويرى مراقبون أنه وسط هذه التجاذبات العالمية، ثمة شكوك تحيط بالفعل بمنظمة الصحة العالمية التي اتهمتها دول كثيرة، بينها الولايات المتحدة واليابان، بإبداء قدر مفرط من الثقة في الحكومة الصينية، وتجاهل مؤشرات التحذير الأولى التي انطلقت من تايوان حول وجود وباء.
ويعتقد كثير من المراقبين أن السبيل للخروج من الوباء، والمناكفات السياسية الأمريكية الصينية، ربما يكمن في بناء أشكال جديدة من المنظمات، يعتمد على الدول التي تحاول بالفعل إحياء التعاون العالمي من أجل القضاء على فيروس قاتل لا يأبه بالحدود الوطنية، فهناك حاجة لتعزيز نظام دولي يقوم على مجموعة من القواعد والأعراف القانونية المستجدة التي تستطيع تخطي الاعتراضات التي تبديها بعض أطراف القوى المؤثرة عالمياً.
المصدر : أ ش أ