على مدار 70 عاماً، مثلت الملكة إليزابيث الثانية الثابت الوحيد في مشهد سياسي ديناميكي سمته الرئيسة التغير، لتصبح أطول الملوك في تاريخ بريطانيا جلوساً على العرش، وتشهد انتقال بريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى العصر الحديث.
سلسلة غير متوقعة من الأحداث، حملت الأميرة إليزابيث ذات الـ25 عاماً إلى عرش بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ذلك أن إليزابيث، صارت التالية في ترتيب وراثة العرش بعد تنحي عمها إدوارد الثامن، الذي تنازل عن العرش في عام 1936، ليتمكن من الزواج من الأمريكية المطلقة واليس سيمبسون (وكان ذلك يخالف الأعراف الملكية حينها)، ليصبح شقيقه جورج السادس ووالد إليزابيث ملكاً لبريطانيا.
وبجلوس جورج السادس على العرش، أصبحت إليزابيث الثانية التالية في سلسلة ولاية العرش، لكن توليها الحكم كان مستبعداً، نظراً لسن الملك وقتها، إلا أن وفاة جورج السادس المفاجئة عن عمر 56 عاماً بسرطان الرئة، حملت الأميرة إليزابيث إلى العرش الملكي وهي في سن 25 عاماً، في 6 فبراير 1952.
وفي السنوات الأخيرة، سلط مسلسل “The Crown” الذي أنتجته منصة “نتفليكس”، وحظي بنسبة مشاهدة كبيرة، الضوء على السنوات الأولى من حكم إليزابيث.
وتولت إليزابيث الثانية العرش في وقت كانت بريطانيا تعاني فيه آثار الحرب العالمية الثانية، التي تغلغلت في المجتمع البريطاني وأثرت على المناحي اليومية لحياة الناس، إذ كانت بعض أساسيات الحياة مثل الزبدة والشاي والسكر غير متوفرة، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
علماً أن بريطانيا، التي شهدت صعود إليزابيث الثانية إلى قمة هرمها السياسي في 1952، ليست هي بريطانيا اليوم، إذ كانت الفروق الطبقية بين الناس لا تزال قوية، ولم تكن هناك طرق سريعة ولا محلات بقالة ضخمة (سوبرماركت)، وكان نحو 2.5 مليون منزل فقط يملكون جهاز تلفاز.
وعند توليها العرش، كان وينستون تشيرشل، رئيساً للوزراء في بريطانيا وجوزيف ستالين يحكم روسيا، وهاري ترومان في البيت الأبيض.
وشهدت الملكة خلال جلوسها على العرش تولي 15 رئيساً للوزراء آخرهم ليز ترس التي التقتها الملكة في قلعة بالمورال الثلاثاء الماضي، فضلاً عن تعاقب ما يزيد على 14 رئيساً للولايات المتحدة، وبناء جدار برلين ثم إسقاطه، وانضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي وخروجها منه.
وسبق كل ذلك تفكك الإمبراطورية البريطانية، التي كانت توصف بأنها “لا تغيب عنها الشمس”، ليحل محلها كومنولث من 54 دولة كان للملكة دور أساسي في تشكيله، ويعتبر الكثيرون نجاحه أعظم إنجاز لها.
والتقت الملكة إليزابيث بزوجها الراحل فيليب للمرة الأولى في عام 1934، خلال مشاركتهما في حفل زواج، وعقدا خطبتهما في 9 يوليو 1947ـ في حفل بسيط نظراً لظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتزوجا في 20 نوفمبر من العام نفسه.
وفي 6 فبراير 1952 تغيرت حياة إليزابيث بشكل غير متوقع، حين أعلن عن وفاة والدها خلال وجودها في كينيا، في إطار جولة كانت تقوم بها في دول الكومنولث مع زوجها.
وتوجت إليزابيث الثانية ملكة على بريطانيا في 2 يونيو 1953، في مراسم ضخمة، وبثت وقائع التتويج عبر الراديو حول العالم، وعلى التلفزيون للمرة الأولى بطلب من الملكة الجديدة.
وطبقاً للموسوعة البريطانية “بريتانيكا” فإن الملكة إليزابيث أصبحت مدركة بشكل متزايد للدور الذي تلعبه الملكية في العصر الحديث، إذ سمحت في سبعينات القرن الماضي ببث وقائع الحياة الملكية على التلفزيون.
ولكن فترة التسعينات، شهدت تقلبات ومصائب كبيرة في العائلة الملكية، أولها انفصال الأمير ديانا وولي العهد الأمير تشارلز، وكذلك الابن الأكبر للملكة إليزابيث، الأمير أندرو وزوجته سارة فيرجسون، كما تطلقت ابنتها الوحيدة أيضاً الأميرة آن.
وزاد على ذلك، حريق مدمر طال قلعة ويندسور الملكية، في وقت كانت بريطانيا تدخل فيه إلى ركود اقتصادي، ما أدى إلى حالة من السخط على العائلة الملكية.
ومع تلاحق التطورات، قررت الملكة في 1992 أن تدفع ضريبة على دخلها الخاص رغم إعفائها قانوناً من دفع الضريبة.
وجاء إتمام الطلاق رسمياً بين الأميرة ديانا التي كانت تتمتع بشعبية جارفة، والأمير تشارلز إلى تآكل ما بقي من دعم للعائلة الملكية.
وجاءت وفاة ديانا في عام 1997، لتزيد من حدة الانتقادات خاصة بعدما رفضت الملكة إليزابيث تنكيس العلم على قطر باكنجهام الملكي، في ظل تقارير عن رفضها الأولي لإقامة جنازة ملكية لديانا، كونها أصبحت وقتها خارج العائلة الملكية وتنازلت عن ألقابها.
وفي محاولة منها لتجنب الانتقادات، سعت الملكة إلى صورة علنية أكثر تقليدية وأقل ترفاً، وهو ما لاقى ردود فعل متفاوتة.
وفي عام 2002 احتفلت الملكة بمرور 50 عاماً على جلوسها على العرش (اليوبيل الذهبي)، في احتفالات امتدت عدة أيام، لكنها كانت أقل خفوتاً بسبب وفاة الملكة الأم وشقيقة الملكة إليزابيث، مارجريت في وقت مبكر من العام نفسه.
وفي 20 ديسمبر 2007 أصبحت الملكة إليزابيث أكبر ملوك وملكات بريطانيا عمراً، بعدما تجاوزت عمر جدتها الكبرى الملكة فيكتوريا التي انتهت فترة حكمها بوفاتها في 1901 عن عمر ناهز 81 عاماً و243 يوماً.
ولكن إليزابيث عادت وتجاوزت فترة حكم فيكتوريا، لتصبح أطول ملوك وملكات بريطانيا بقاءً على العرش في 9 سبتمبر 2015، إذ حكمت فيكتوريا لمدة 63 عاماً و217 يوماً، فيما تجاوزت إليزابيث الثانية هذه الفترة بنحو سبع سنوات إضافية.
وصعدت فيكتوريا إلى العرش بعمر 18 عاماً، بينما تولت إليزابيث العرش بعمر 25 عاماً. علماً أن لعبة الأرقام بين فيكتوريا وإليزابيث لا تتوقف عن هذا الحد، إذ تعقد الكثير من المقارنات بينهما، على سبيل المثال شهدت فيكتوريا 6 قساوسة لكانتربيري، و3 باباوات. فيما شهدت فترة حكم إليزابيث 7 باباوات و7 قساوسة لكانتربيري.
“بي بي سي”، وصفت الملكة بأنها كانت الرمز الثابت عبر فترة حكمها في أوقات الرخاء والركود، فقد حافظت على روتينها اليومي بشكل كبير عبر الزمن، فكانت متوقعة كما يتوقع الناس فصول السنة، “ممثلة قيم الواجب على الدوام”.
وفي يونيو 2022، احتفلت الملكة إليزابيث باليوبيل البلاتيني لجلوسها على العرش (70 عاماً)، وهي حقبة قياسية تاريخية، وشهدت الاحتفالات عروضاً ونزهات في كل أنحاء البلاد وحفلات وإطلالة للعائلة الملكية على شرفة قصر باكنجهام.
المصدر: وكالات