أيام قليلة تفصل أوروبا عن الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بـ “بريكست”، والمقرر في 31 يناير الجاري، والذي ستنفصل فيه بريطانيا نهائيا عن التكتل الأوروبي بعد ارتباط دام لأكثر من 47 عاما.
ومن المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية توكيل تفاوض للدول الأعضاء في الاتحاد، فور خروج بريطانيا، ستصادق عليه الدول الـ27 خلال اجتماع وزاري من المقرر عقده في 25 فبراير المقبل، لتبدأ كل من لندن وبروكسل حلقات التفاوض بينهما حتى نهاية ديسمبر 2020، والتي سيتم خلالها بحث إطار العلاقات المستقبلية بين الجانبين والمتضمن كافة الجوانب المنظمة للعلاقة بدءا من الخدمات المالية، مرورا بقواعد المنشأ والتعريفات الجمركية، وصولا إلى قواعد المساعدات الحكومية والصيد.
وخلال هذه الفترة الانتقالية، التي تستمر 11 شهرا، ستظل بريطانيا داخل الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، دون أن تكون ممثلة في المؤسسات السياسية للاتحاد.
وعبر العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين عن قلقلهم إزاء قصر المدة المخصصة لعملية التفاوض، مؤكدين أنها غير كافية لتغطية كافة الجوانب الخاصة بعلاقات الطرفين وأن اتفاقات مماثلة تستغرق عادة سنوات لإنجازها، مما يجعل منها “مهمة مستحيلة” على حد قول أحد المسئولين الأوروبيين.
وفي ضوء تمسك رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بعدم تمديد الفترة الانتقالية لما بعد 31 ديسمبر القادم، أبدى العديد من المسئولين الأوروبيين قلقهم من إمكانية عدم التوصل إلى اتفاق بين لندن وبروكسل وخروج بريطانيا دون اتفاق، وهو السيناريو المرعب الذي يثير مخاوف على الساحتين البريطانية والأوروبية. ومن بين هؤلاء المسئولين المفاوض الأوروبي لشؤون التجارة، فيل هوغان، الذي حذر من أن خروج بريطانيا دون اتفاق “سوف يسكب زيتا على النار وينذر بتقسيم الأسر والمجتمعات والمناطق”.
ويتوقع المراقبون أن تواجه عملية التفاوض صعوبات جادة. فمن ناحية، تعطي بروكسل أولوية ملحوظة للتوصل إلى اتفاق بشأن قضايا الصيد والأمن الداخلي والخارجي قبل بدء المفاوضات التجارية مع لندن، ووعد الطرفان بالتوصل إلى اتفاق حول هذه القضايا قبل بداية يوليو، وهو أمر ليس باليسير في ضوء تعقد القضايا المطروحة ورغبة كل من فرنسا والدنمارك وأيرلندا وبلجيكا وهولندا الاحتفاظ بمنفذ على المياه البريطانية من أجل الصيد، وهو ما يجعل هذه القضية من الأمور المثيرة للجدل خلال المفاوضات.
من ناحية أخرى، لا يتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق تجاري شامل بين الجانبين خلال الفترة الانتقالية خاصة أنه لا يبدو واضحا حتى الآن ما إذا كان الطرفان يرغبان في التوصل لاتفاق تجاري حر يمثل إطار رسمي ومشترك للتعاون مع مختلف الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أم سيكون هناك اتفاقات منفصلة مع كل دولة على حدة.
ويؤكد المراقبون أن عنصر الوقت سيكون هو التحدي الأكبر الذي سيواجه ملف “بريكست” حيث أنه سيكون أمام لندن وبروكسل نحو ثمانية أشهر على الأكثر لإجراء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق تجاري، إذا أخذنا في الاعتبار الوقت اللازم للتصديق على هذا الاتفاق.
ويحذر المراقبون من أن عدم التوصل لاتفاق تجاري خلال الفترة المحددة من شأنه الإضرار بالمصالح الاقتصادية للطرفين، حيث أنه سيكون له تداعيات غير معروفة على أسواق المال والنمو الاقتصادي. وظهرت التداعيات السلبية بالفعل في تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد البريطاني الذي سجل في 2019 أضعف معدل نمو منذ الحرب العالمية الثانية، بلغت نسبته 1%، وذلك تزامنا مع حالة عدم اليقين السائدة إزاء عملية بريكست وغموض مستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
فى هذا السياق .. أظهرت دراسة، أجرتها بلومبيرج ونشرت الأسبوع الماضي، أن التكلفة الإجمالية للبريكست بحلول نهاية عام 2020 تقدر بنحو 200 مليار جنيه إسترليني، وهو رقم يكاد يتجاوز المبلغ الإجمالي الذي دفعته المملكة المتحدة لميزانية الاتحاد الأوروبي على مدار 47 عاما، والذي مثَل دافعا أساسيا لمغادرة بريطانيا الكتلة الأوروبية.
فى ضوء المشهد السابق، يبدو واضحا أن 31 يناير الجاري سيسجل لحظة فارقة في حياة بريطانيا التي ستغادر التكتل الأوروبي بلا رجعة لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخها تخيم عليها أجواء الترقب والقلق وتسابق فيها الزمن من أجل التوصل لإطار منطقي يحكم علاقاتها مع التكتل الأوروبي في حقبة ما بعد “بريكست”.
المصدر : أ ش أ