المصريون يحتفلون غدا بعيد الأم عرفانا بدورها واعترافا بفضلها
تحتفل مصر غدا الخميس بعيد الأم الذي يوافق ٢١ مارس من كل عام ، ويأتي احتفال هذا العام حاملاً معه شهادة حب وتقدير من الأبناء للأمهات وترجمة لفضل الأم على أبنائها ورعايتهم صغاراً وكباراً ، وبهذا الفضل جعل الله طاعة الأم طريقا للجنة ، وهو عيد يحمل معان عديدة ترتبط بأحداث مختلفة تاريخية أو دينية أو أسطورية ، ولهذا فإن دول العالم تحتفل به في تواريخ مختلفة .
وعيد الأم الذى يحتفل فيه العالم بالأم ، وتحتفل به مصر غدًا بالتزامن مع الذكرى الـ 63 على بداية أول إحتفال للمصريين بهذه المناسبة فى عام 1956، هو يوم رمزي يعبر فيه العالم عن قيمة الأم وقدرها الكبير ، ولا يعتبر عيدًا دينيًا أو سياسيًا ، لكنه مناسبة اجتماعية يعبر فيها الأبناء عن تقديرهم واحترامهم لأمهاتهم والاعتراف لهن بالفضل والجميل والتقدير على كل ما بذلن ويبذلن من الغالي والنفيس في سبيل إسعادهم وتحقيق حياة كريمة ومثالية لهم.
وعيد الأم يكون عادة يوما لتكريم الأمهات المثاليات من قبل الجمعيات والمؤسسات المهتمة بالطفولة والأمومة كتقدير لهن وتحفيز لغيرهن على بذل الجهد في سبيل إسعاد أبنائهن ، وتقديم الشكر والعرفان لا يقتصر على الأمهات ، وإنما قد يمتد إلى كل من يقوم مقام الأم في التربية وحسن الرعاية كالجدات والعمات والخالات والمربيات الفاضلات وغيرهن.
وعظمة الأم تكمن فى أثرها الكبير في حياة الأبناء فهي الحضن الحنون الذي يحتويهم ويقدم لهم الرعاية والعناية ، وقد كرمت الشرائع السماوية جميعها الأم، وجعلتها في أعلى منزلة ، خاصة الدين الإسلامي الذي جعل رضا الأم مرتبطا برضا الله سبحانه وتعالى ، وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تعلي من شأنها .
وفى يوم عيد الأم تعجز الكلمات عن الوفاء بقدرها ، وتصغر المعانى عن وصف قيمتها، فهى أعظم المخلوقات على وجه الأرض وغاية الأمان ، واحتفال أمهات الشهداء بهذا اليوم هو عيد بطعم الألم ، رغم فخرهن بأبنائهن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل مصر .
الاحتفال بعيد الأم هذا العام مناسبة لتجديد العهد لأم كل شهيد بالأخذ بثأر ابنها، وعدم إضاعة تضحياته هباء، وأن يكون كل المصريين أبناءها، مؤكدين أن الشهداء لا يفارقوننا فهم يعيشون فى قلوبنا وعقولنا حتى نلقاهم فأرواحهم الطاهرة ترفرف من حولنا تمدنا بالقوة والحياة.
أما الراحلات من الأمهات فيحظين بنصيب وافر من التكريم والدعاء من خلال منصات التواصل الإجتماعى على إختلاف أنواعها ، والتى تبث صورهن وتحمل رسائل لهن تعبر عن الإشتياق لرؤيتهن ، وتدعو كل من يزور الموقع أن يدعو لهن بالمغفرة والرحمة.
والاحتفال بعيد الأم يجب أن يكون مناسبة لإحداث تغيير كبير فى اتجاه المصريين نحو مصر بلدهم الرحم الثانى لكل المصريين من خلال تعزيز الانتماء لها ، وصقل قيمة المواطنة فى نفوسهم ، حيث يأتى هذا العيد وسط كم هائل من التحديات التى تواجه مصر، مما يحتم عليهم استغلال هذه الفرصة فى الاحتفاء بوطنهم، وإعطاء دفعة جديدة وقوية لشعور الانتماء لهذا الوطن .
العالم كله يحتفل بعيد الأم لأن قوة الأمومة عنده هي أقوي قوانين الطبيعة ، روايات عديدة وقصص كثيرة، تتناول نشأة عيد الأم، الذى يحل فى دول العالم فى مواعيد متباينة من العام مشكلا مناسبة للتعبير عن حب الأبناء لملايين الأمهات حول العالم ، وتأرجحت تلك الروايات بين كونه عيدا أوروبيا ، أم كانت امريكا هي رائدته، أو عربيا ابتدعته مصر.
قديمًا ورد فى التاريخ أن الاحتفال بعيد الأم بدأ عند الإغريق باحتفالات عيد الربيع ، وكانت تلك الاحتفالات مهداة الى الإلة الأم “ريا ” زوجة كرونس الأله الأب ، وفى روما القديمة كان هناك احتفال مشابها لهذه الاحتفالات لعبادة أو تبجيل “سيبل” وهى أم أخرى للآلهة ، ثم جاء اليونانيون القدامى ليكون عيد الأم ضمن إحتفالات الربيع ، وفازت الإلهة “رهيا ” بلقب “الإلهة الأم ” ،لكونها اقواهم على الاطلاق ، فكانوا يحتفلون بها ويقدسونها ، فيما كان للرومان أم لكل الآلهة تسمى بإسم “ماجنا ماترا ” وتعنى الأم العظيمة .
وفى العصر الحديث قادت أمريكا الفكرة ، وبدايتها باءت بالفشل عندما طرحت الناشطة الأمريكية “جوليا وورد هاو”، فكرة إقامة يوم للأم تحت مسمى “الأم من أجل السلام”، وسبب الفشل هو اعتراض المدرسة البروتستانتية على الفكرة ، وفي عام 1908، كان الاحتفال الرسمي بعيد الأم لأول مرة، عندما قامت “آنا ماري جارفيس”، إحدى قاطني ولاية فرجينيا الأمريكية، بالدعوة للاحتفال بعيد الأم وكان ذلك فى يوم تأبين والدتها، حيث أقامت حفلا بعيد أمها في كنيسة “أندروس”، ومن ثم أخذ الناس يقلدونوها.
وجاء اختيارها لتخصيص يوم للاحتفال بالأم، بعدما عاصرت مشاعر الكراهية التي سادت بين العائلات القاطنة فى الغرب بسبب الحرب الأهلية ، ثم قادت حملة لجعل عيد الأم عطلة رسمية معترف بها في الولايات المتحدة، ونجحت في ذلك فى عام 1914، وصدر أول إعلان رسمي عن عيد الأم في أمريكا عام 1910، وفى عام 1911 كانت الولايات الأمريكية كلها تحتفل بعيد الأم، بعدما انتشر هذا التقليد في المكسيك، وكندا، والصين، واليابان، وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ، وأخذت عطلة عيد الأم فى الانتشار في الدول الأخرى، إلى أن أصبحت عالمية، ولذلك تعد جارفيس، هي مؤسسة عيد الأم في بلاد الغرب.
وعلى الصعيد العربي، يعد مصطفى أمين، الكاتب الصحفي الراحل، والذي أسس مع توأمه على أمين جريدة “أخبار اليوم “، صاحب فكرة الاحتفال بعيد الأم حين دعا في أحد مقالاته بعموده الشهير “فكرة”، إلى تخصيص يوم يسمى “يوم الأم” ، حيث اختمرت الفكرة فى ذهنه ، عندما بعثت إليه إحدى الأمهات بخطاب تشكو فيه جفاء أبنائها وسوء تصرفهم معها، وقامت أخرى بزيارته في مكتبه، وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترملت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من أجلهم، وظلت ترعاهم، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها.
فكتب عن قصتها، مقترحًا تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير فضلها، قائلًا “لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم ونجعله عيدا قوميا في بلادنا، بلاد الشرق” ، وكرر دعوته في نفس عموده قائلًا “ما رأيكم أن يكون عيد الأم في يوم يوم 21 مارس، وفي هذا اليوم نساهم كلنا أن نجعله يوما يختلف عن باقي أيامها الروتينية، لا تغسل ولا تمسح ولا تطبخ وإنما تصبح ضيفة الشرف الأولى ، فإنه اليوم الذي يبدأ به الربيع وتتفتح فيه الزهور وتتفتح فيه القلوب” ، ولاقت دعوته رواجًا كبيرًا واختار القراء أول أيام فصل الربيع ليكون هو ذاته يوم عيد الأم، بما يحمل في طياته تشبيها للأم وصنيعها مع ابنائها بما يفعله الربيع مع الناس.
وتلخصت فكرة عيد الأم عند مصطفى أمين في أن يقدم الأبناء الهدايا الصغيرة لأمهاتهم، ويرسلون لهن بطاقات تهنئة يشكرونهن على حسن صنيعهن معهم، وكان أول عيد للأم في مصر خلال عام 1956، ثم خرجت الفكرة من القاهرة إلى الدول العربية ، وكرمز للعطاء والخير الذي يجمع بين الأم والربيع ، تم اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدا للأم وهو أول أيام فصل الربيع ليكون رمزا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة ، فمثل حلول الربيع على الأرض وتفتح الزهور ، تسعى الأم الى رعاية ابنائها وحمايتهم وتساعدهم على تفتح عقولهم بالتربية السليمة والمحبة والصفاء والمشاعر الجميلة فتتفتح زهورهم للحياة.
المصدر: أ ش أ