يحتفل العالم غدا الاثنين باليوم العالمي للعمل الإنساني، للإشادة بعمال الإغاثة، الذين يجازفون بأنفسهم في مجال الخدمات الإنسانية. كما يراد من هذا اليوم كذلك حشد الدعم للمتضررين من الأزمات في جميع أنحاء العالم. ففي كل عام، تتسبب الكوارث في معاناة هائلة للملايين من الناس، غالبا من فقراء العالم والمهمشين والضعفاء، ويسعى العاملون في مجال العمل الإنساني جاهدين لتقديم المساعدة المنقذة للأرواح وإعادة التأهيل طويلة الآجل للمجتمعات المحلية المتضررة من الكوارث. ويصادف يوم 19 أغسطس ذكرى الهجوم الإرهابي على مقر الأمم المتحدة في بغداد عام 2003، والذي أسفر عن مقتل 22 شخصا.
وفي هذا العام يأتي الاحتفال تحت شعار “المرأة في العمل الإنساني”، حيث يهدف إلى تكريم النساء العاملات في طواقم الإغاثة الإنسانية. وإذ نركز على الأبطال المجهولين ممن عملوا منذ أمد طويل على خطوط المواجهة الخطرة في مجتمعاتهم، وأولئك الذين يعملون في بعضٍ من أصعب المناخات والتضاريس، نستذكر عطاء النساء ممن عالجن جرحى الحرب في أفغانستان وساهمن في تخفيف معاناة انعدام الأمن الغذائي في منطقة الساحل وساعدن من فقدوا منازلهم وسبل عيشهم في أماكن كثيرة حول العالم، كجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وسوريا واليمن وغيرها. وتشكل النساء عددا كبيرا من أولئك الذين يعملون في مجال الإغاثة ويخاطرن بحياتهن لإنقاذ الآخرين.
وغالبا ما تكون النساء أول من يستجيب للمساعدة، وآخر من يغادر الميدان. واليوم، هناك حاجة إلى النساء في المجال الإنساني أكثر من أي وقت مضى – لتعزيز الاستجابة الإنسانية العالمية لجميع الفئات. ويجب على قادة العالم والجهات الفاعلة أن تضمن لهم – ولجميع العاملين في المجال الإنساني – الحماية المكفولة بموجب القانون الدولي.
فلم يعد يخفى على أحد الدور المحوري الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمعات وتماسكها والنهوض بها ولعل مشاركتها الفاعلة في العمل الخيري تخطيطا وتنفيذا وميدانا لأكبر دليل على أنها لبنة أساسية من لبنات النشاط الخيري على اختلاف مظاهره ومستوياته . وفي وقتنا حيث توالت الحروب والكوارث الطبيعية في مختلف أرجاء العالم، وما خلفته من أيتام وأرامل وعجزة ومعوقين كان لا بد من بذل الجهود والأموال لإعالة ورعاية أولئك الأيتام والأرامل، حيث بادرت بعض المنظمات الخيرية بإنشاء لجان نسائية تقوم بالعمل الخيري في وسط النساء وتميزت مجالات المرأة في العمل الخيري من حيث رعاية الأسر المحتاجة والفقيرة ورعاية الأرامل وجمع التبرعات وإقامة الأنشطة التي تؤمن ريعا لمساعدة هذه العائلات.
وقد أفادت الإحصاءات أن أكثر من ثلثي القوى العاملة في المنظمات الخيرية الأمريكية – مثلا – من النساء، بل إن 50% من المتطوعين من النساء كذلك، مما يؤكد أهمية دور المرأة في العمل الخيري، خاصة إذا علمنا أن معظم العاملات في المنظمات والهيئات الخيرية من ذوات الشهادات العليا والمناصب القيادية.
ومن جانبها، عبرت “بومزيلي ملامبو – نوكا” المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، عن قلقها إزاء الانخفاض العام لمشاركات المرأة في عمليات السلام. وقالت “يجب أن نكون يقظين لننهي تلك الجهود السطحية التي لا تمنح النساء فرصة حقيقية للتأثير على النتائج”.
وأوضحت أنها لفتت لهذا القصور العام الماضي، لكن هذه المساهمات ما زالت تشهد ركودا واضحا اليوم. وقالت “إنه ليس النساء فقط من يعانين من محدودية الفرص، بل في العديد من حالات النزاع تزداد احتمالية فقدان الفتيات الصغيرات للتعليم الإبتدائي بأكثر من مرة ونصف، وبالتالي يتعرض المجتمع بأكمله للانتكاسات. إن العدد المتزايد للأطفال الذين يفتقرون إلى التعليم في مناطق النزاعات يتطلب منا استجابة مكثفة وحلا، مع المدارس ومع إتاحة تعليم الفرصة الثانية”.
وكان “أنطونيو جوتيريش” الأمين العام للأمم المتحدة، قد سلط الضوء في كلمته أمام مجلس الأمن على العديد من المساهمات الإيجابية للنساء ومنظماتهن المدنية في كافة أنحاء العالم، وفي سوريا واليمن بشكل خاص، متحدثا عن دورهن المميز “في إبقاء الحوار حيا” بين الأطراف المتصارعة، وفي التفاوض بين المسلحين لوقف تصعيد التوترات، وفي إعادة بناء المجتمعات المحلية.
ففي سوريا، تفاوضت النساء على وقف إطلاق النار محليا، وتوسطن من أجل خلق المناطق الآمنة للمدنيين، ونسقن المبادرات الإنسانية والإغاثية، وكذلك كان حالهن في اليمن. ويمكنني أن أشهد شخصيا على الأهمية الحاسمة للعمل الذي تقوم به صانعات السلام اللاتي التقيت بهن في جميع أنحاء العالم، من مالي إلى بنجلاديش.
وأضاف غوتيريش، أن الأمم المتحدة تضع أجندة تمكين النساء في صميم شراكاتها مع المنظمات الإقليمية؛ وذكر أن صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني يخصص أكثر من 30 % من ميزانيته لبرامج المساواة بين الجنسين حول العالم. وعلى الرغم من التقدم الإيجابي في دعم هذه الأجندة، فقد أشار غوتيريش إلى أن الحقائق على الأرض تقول إنه ما زال أمامنا طريق طويل لنقطعه بالنظر إلى نسبة مشاركة النساء المتدنية في عمليات السلام الرسمية : 2 % فقط من النساء عملن وسيطات في المحادثات، و8 % عملن في التفاوض، و5 % فقط كن ضمن الشهود أو الموقعين على عمليات السلام الرئيسية، خلال الثلاثة عقود الماضية.
وكشف تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، بأن عدد الناس المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية سيبلغ عام 2019 نحو 132 مليون شخص في 42 دولة، بما فيها الحماية. وأضاف التقرير أن الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى تنوي تقديم المساعدة لنحو 94 مليون شخص، الأمر الذي يتطلب تخصيص أكثر من 21,9 مليار دولار. ولا تضم هذه الأرقام الأموال الضرورية لمساعدة المحتاجين في سوريا، إذ أن الخطة الخاصة بهذا البلد لم تتخذ حتى الآن. ومع أخذ سوريا بعين الاعتبار تقدر الأمم المتحدة الاحتياجات الإنسانية لعام 2019 بـ 25 مليار دولار.
وأشار التقرير أيضا إلى أن السبب الرئيسي للاحتياجات المستمرة للمساعدة الدولية يعود إلى النزاعات المسلحة.. لافتا إلى أن العنف الجاري في بلدان العالم بما فيها جمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسوريا، واليمن سيستمر على الأرجح، الأمر الذي يسفر عن الاحتياجات الإنسانية الكبيرة ونزوح السكان.
وازدادت الاحتياجات إلى المساعدة بشكل ملحوظ في كل من اليمن وأفغانستان والكاميرون بسبب تدهور الأوضاع الأمنية ووقوع الكوارث الطبيعية فيها.
وتصارع الأسر الفقيرة من أجل البقاء نظرا لتراجع قدرتها على استيعاب الصدمات التي تلوح في المستقبل مع استمرار الصراعات على مدى عقود وفقدان سبل كسب العيش واستنفاد الممتلكات.
ولفت تقرير “الموجز الإنساني العالمي” للأمم المتحدة لعام 2018 إلى أن 22.5 مليار دولار أمريكي هو المبلغ المطلوب لمساعدة حوالي 91 مليون شخص من أصل 135 مليون شخص ممن هم بحاجة إلى المساعدة العاجلة. ويمكن أن يساعد اهتمام وسائل الإعلام في تركيز الدعم العام على تلك الاحتياجات. ومن بين التوصيات التي يوردها التقرير، ضرورة العمل مع الصحفيين المستقلين المحليين والمنظمات غير الحكومية للحصول على المواد المحدثة، وحشد الأموال لإعداد التقارير في المناطق النائية، فضلا عن استثمار المنظمات غير الحكومية في الاتصالات خلال حالات الطواريء.
وتخطط الأمم المتحدة لإرسال أكبر الأحجام من المساعدات الإنسانية إلى اليمن (4 مليارات دولار)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (1,65 مليار دولار)، ودولة جنوب السودان (1,5 مليار دولار)، وأثيوبيا (1,2 مليار دولار)، والصومال (1,08 مليار دولار)، ونيجيريا (نحو 850 مليون دولار)، وذلك بالإضافة إلى سوريا. كما تخطط المنظمة لتخصيص 162 مليون دولار لتقديم المساعدة لأوكرانيا، وخاصة للمناطق التي لا تسيطر عليها كييف. وفي عام 2018 قدمت الدول المانحة 13,9 مليار دولار لتنفيذ برامج المساعدة في جميع أنحاء العالم، وهذا أكثر بمقدار 10% مما كان عليه عام 2017.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)