في الخامس من سبتمبر الجاري، سيعلن “حزب المحافظين” الحاكم في بريطانيا، زعيمه أو زعيمته الجديدة خلفاً لبوريس جونسون، إذ تنحصر المنافسة بين وزير الخزانة السابق ريشي سوناك، ووزيرة الخارجية ليز تروس.
وللمرشحين برامج وخطط لقيادة المملكة المتحدة ككل وليس فقط “حزب المحافظين”، ولكن من سيختار بينهما هم أعضاء الحزب فقط، على أن ينتهي التصويت، وفق اللوائح التنظيمية، مساء الجمعة 2 سبتمبر الجاري.
يمكن لأعضاء الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية في مجلس العموم (المحافظين) والذين تتراوح أعدادهم، بحسب التقديرات بين 160 إلى 200 ألف عضو، الاقتراع مباشرة أو عبر الإنترنت أوالبريد، ولكن لمرة واحدة، لأن تكرار التصويت يسقط عن صاحبه عضوية الحزب.
والفائز في قيادة “المحافظين” سيرأس الحكومة البريطانية، لأنه يتزعم الحزب الحاكم صاحب الأكثرية النيابية. وللحزب الأزرق 357 نائباً من أصل 650 نائباً في البرلمان فازوا في الانتخابات العامة التي جرت في ديسمبر 2019.
ومرَّت عملية اختيار الزعيم الجديد للمحافظين بمرحلتين. الأولى امتدت على نحو 3 أسابيع، وتنافس فيها 8 مرشحين على أصوات نواب الحزب وليس أعضاءه. وكل واحد من الثمانية دخل السباق بعد حصوله على دعم 30 نائباً محافظاً في البرلمان.
وضمَّت قائمة المتنافسين في المرحلة الأولى إلى جانب تروس وسوناك، كلاً من وزير الخزانة الجديد ناظم الزهاوي، والنائبة كيمي بادنوك، والمدعية العامة سويلا بريفرمان، ووزير الخارجية الأسبق جيرمي هانت، إضافة إلى وزيرة الدفاع السابقة بيني موردنت، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم توم توجنهات.
في المرحلة الأولى، خاض نواب الحزب الحاكم 5 جولات من الاقتراع. في كل واحدة منها كان يخرج المرشح الحائز على الأصوات الأقل. وهكذا حتى بقي في السباق 21 أغسطس الماضي تروس وسوناك.
والمرحلة الثانية من الانتخابات، استمرت 5 أسابيع في الفترة بين 28 أغسطس الماضي إلى 2 سبتمبر الجاري. خلال المرحلة الثانية شارك المرشحان في 12 حدثاً نظمها الحزب في مدن مختلفة، وذلك بهدف تواصل تروس وسوناك مع القاعدة الشعبية للمحافظين، والإجابة على تساؤلات الأعضاء بشأن المرحلة المقبلة وخطط قيادة الحزب والمملكة.
وأوصى حزب المحافظين أعضاءه بالتصويت عبر الإنترنت طالما كان ذلك متاحاً. وقد وفر هذا للراغبين بهذا الخيار آلية سهلة وآمنة تقوم على كلمتي مرور، يستطيع من خلالهما العضو الإدلاء بصوته دون خوف من التزوير أو التكرار أو الخطأ.
وأرسل الحزب لأعضائه في 3 أغسطس الماضي، رسائل عبر البريد الإلكتروني، تتضمن كلمات سر خاصة بكل ناخب. ونوه إلى أن التصويت الإلكتروني هو الخيار الوحيد أمام المحافظين الموجودين خارج البلاد لأغراض العمل أو الإقامة أو السياحة أو غيرها.
بالنسبة للراغبين في الاقتراع عبر البريد، فقد توجب عليهم ضمان وصول أصواتهم (بطاقاتهم الانتخابية) بحلول يوم الجمعة الموافق الثاني من سبتمبر 2022. ففي تمام الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم (4 مساءً بتوقيت جرينتش) تغلق صناديق الاقتراع، وتبدأ عمليات فرز الأصوات حتى يتم الإعلان عن اسم الفائز يوم 5 سبتمبر عبر “لجنة 1922” في الحزب.
وتتولى “لجنة 1922” الإعلان عن أسماء الفائزين في كل جولة من جولات الاقتراع على خليفة بوريس جونسون، سواءً عبر النواب أو أعضاء الحزب. وتضم هذه اللجنة التي تدير شؤون الحزب تنظيمياً منذ 100 عام، 18 عضواً يرأسهم السير جراهام برادي، الذي أعيد انتخابه في هذا المنصب لعدة مرات متتالية منذ 2010.
وكانت “لجنة 1922″، تعرف باسم لجنة الأعضاء المحافظين الخاصين، وهي المجموعة البرلمانية للحزب في مجلس العموم. وحصلت اللجنة على اسمها من اجتماع للمشرعين المحافظين عقد في نادي كارلتون بتاريخ 19 أكتوبر عام 1922. حينها قرر نواب الحزب الانسحاب من حكومة ديفيد لويد جورج الائتلافية، فسقطت.
وينقسم أعضاء حزب المحافظين الحاكم من حيث الجنس بين 63% ذكور و37 % إناث. أما من ناحية السن، فنحو 39% من الأعضاء تزيد أعمارهم عن 65 عاماً. بينما تتراوح أعمار 19% منهم بين 50 إلى 64 عاماً، و36% بين 25 إلى 49 عاماً، و6% فقط هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً.
ويعيش أكثر من نصف أعضاء حزب المحافظين في جنوب المملكة المتحدة. 14% منهم يسكنون العاصمة لندن، و42% في بقية مدن الجنوب. أما في الشمال فيقطن 20% من أعضاء الحزب في مدن إنجلترا مثل مانشستر وليفربول وليدز، فيما يتوزع الباقون بين 18% في مدن ويلز، و6% فقط في مناطق اسكتلندا المختلفة.
ينتمي نحو 80% من أعضاء حزب المحافظين للطبقتين العليا والمتوسطة في المجتمع. والبقية ينحدرون من الطبقة العاملة بدرجاتها ومهاراتها المختلفة. وهو ما يجعل الحزب إن جاز التعبير، أقرب إلى تمثيل أصحاب المال والأعمال في المملكة المتحدة أكثر من العمال وأصحاب الدخل المحدود والفقراء، وخاصة في مدن الجنوب.
وفق الإحصائيات الرسمية لاستفتاء “بريكست” عام 2016، فإن 76% من أعضاء حزب المحافظين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهو ما يجعل المرشحين لزعامة الحزب، أكثر ميلاً وحرصاً على مواصلة تنفيذ اتفاقات وخطط طلاق لندن وبروكسل، بذات النهج الذي بدأه جونسون مع مطلع يناير عام 2020.
وصوت نحو 52% من أبناء المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عبر استفتاء نظم في 23 يونيو عام 2016، لتنتهي بذلك شراكة اقتصادية وتجارية وسياسية وقانونية بين لندن وبروكسل بدأت منذ نشأة الاتحاد، ويبدأ عهد جديد من العلاقات التي لم تبلغ حتى الآن حد الاستقرار على مستويات عدة.
والإعلان عن الزعيم الجديد للمحافظين، سيتم عبر حفل رسمي في ويستمنستر منتصف يوم الخامس من سبتمبر الجاري (الاثنين)، بحضور نواب البرلمان واللوردات. ومن المرجح أن يلقي الفائز في انتخابات الحزب الحاكم خطاباً قصيراً يبثه التلفزيون الرسمي لمجلس العموم، ثم يبدأ بعدها مشاوارته واتصالاته مع نواب وموظفي الحزب.
في اليوم التالي، يوم الثلاثاء الموافق 6 سبتمبر، يلقي رئيس الحكومة بوريس جونسون آخر خطاب له أمام مقر رئاسة الوزراء. ثم يتوجه إلى ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ليتقدم باستقالته رسمياً. وفي اليوم ذاته تستدعي الملكة الفائز بانتخابات زعامة حزب المحافظين الأخيرة، وتقوم بتكليفه بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لجونسون.
بعد لقاء الملكة إليزابيث الثانية يسكن زعيم المحافظين ورئيس الحكومة الجديد المنزل رقم 10 في “داونينج ستريت” بالعاصمة لندن. ومن أمام بابه الأسود الثخين يتوجه إلى سكان المملكة المتحدة بأول خطاب رسمي له كرئيس للوزراء. وفيه يعلن عن وعوده الكبرى التي يلتزم بتنفيذها خلال ولايته على مرأى ومسمع وسائل الإعلام المحلية والدولية.
والتشكيلة الوزارية قد تعلن في ذات يوم التكليف، وكذلك هو الحال بالنسبة لجميع الوظائف الحكومية الرفيعة. وإن حدث ذلك، فستعقد الحكومة الجديدة أول اجتماعاتها صباح يوم الأربعاء الموافق 7 سبتمبر. ومن بعدها يمضي الفريق الحكومي إلى البرلمان ليجلس في مواجهة المعارضة العمالية التي يقودها السير كير ستارمر.
وتُجمع استطلاعات الرأي تقريباً على فوز وزيرة الخارجية في انتخابات قيادة المحافظين، ولكنها تتباين في النسبة التي ستحصل عليها تروس، وتتفوق من خلالها على منافسها وزير الخزانة السابق. ثمة استطلاعات تتوقع فارقاً كبيراً يصل إلى حد فوز تروس بـ 60% من أصوات المحافظين، فيما تقدر أخرى الفارق بأقل من 5%.
وولدت إليزابيث تراس في مدينة أكسفورد البريطانية عام 1975. وقد درست في الجامعة العريقة التي تحمل اسم المدينة. خلال فترة وجودها في الجامعة تركت تروس حزب الديمقراطيين الأحرار وانتقلت إلى صفوف المحافظين. وبعد تخرجها مباشرة عملت تروس محاسبة في شركة نفطية ومؤسسات اقتصادية أخرى.
وترشحت تراس عن حزب المحافظين في الانتخابات العامة عامي 2001 و2005، ولكنها خسرت. وفي 2010 فازت بمقعد جنوب غرب نورفولك بأكثرية 13 ألف صوت. ثم في سبتمبر 2012 دخلت تراس الحكومة كنائبة لوزير التعليم، ثم أصبحت وزيرة العدل في عهد رئيسة الوزراء تيريزا ماي عام 2016، وفي العام التالي عينت نائبة لوزير الخزانة، وبقيت في مكانها حتى تسلم جونسون رئاسة الوزراء عام 2019، وعينها في منصب وزيرة التجارة الدولية، ثم وزيرة الخارجية في 2021.
بالنسبة لوزير الخزانة السابق، فقد ولد في ساوثهامبتون، جنوب غربي إنجلترا، لعائلة هندية مهاجرة. تلقّى سوناك تعليمه في كلية وينشستر الداخلية الخاصة والمكلفة جداً، ثم درس الاقتصاد والسياسة في جامعة أوكسفورد، وبعد تخرجه انضمّ إلى بنك جولدمان.
ويعتبر سوناك، البالغ من العمر 42 عاماً، أغنى أعضاء مجلس العموم البريطاني، وتقدر ثروته بـ 200 مليون جنيه إسترليني. انتخب نائباً عن حزب المحافظين للمرة الأولى عام 2015. وفي فبراير عام 2020 عينه جونسون وزيراً للخزانة، حتى استقال في يونيو الماضي ورشح نفسه لزعامة الحزب ورئاسة الحكومة.
المصدر: وكالات