كلما إستمرت حرب نتانياهو في غزة، وتوالت معها المجازر الوحشية ضد المدنيين الأبرياء، ومعظمهم من الأطفال والنساء، كلما كان سقوط قواعد النظام العالمي الحالي أكثر دويّاً، وأعمق أثراً من النكسات العابرة، التي إعتدنا عليها في بعض الأزمات، الأقل تعقيداً، والأيسر حلولاً.
عشرة أشهر والعدوان الشرس على غزة وبقية مدن القطاع، مستمر بوتيرة تدميرية للبشر والحجر، بشكل غير مسبوق ، حتى في تاريخ الحروب العالمية، ومع ذلك يكتفي المجتمع الدولي بالوقوف على شرفة المتفرج، أو الجلوس على مقعد العاجز عن الحراك لوقف المجازر، ومحاسبة المجرم.
لعل أهم إرتدادات الحرب على غزة هو في إنكشاف زيف الشعارات الغربية، التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مقدمتها الدفاع عن حقوق الإنسان، وصون الحريات الشخصية، وإعتماد الديمقراطية والتعددية في الأنظمة السياسية، بمواجهة الشيوعية ونظام الحزب الواحد في الإتحاد السوفياتي. حيث تبين أن المصالح الذاتية، وإعتماد إزدواجية المعايير، هي السائدة في الأنظمة الغربية، وأن التبجح بالكلام عن حقوق الإنسان، مازال أسير نظريات القرون الوسطى القائمة على مبدأ» قتل إنسان جريمة لا تُغتفر، وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر».
لم تعد الإصلاحات البيروقراطية والمالية كافية لإنتشال منظمة الأمم المتحدة من حال الترهل والعجز الذي تتخبط فيه، بقدر ما أصبح العالم بحاجة إلى منظمة دولية تكون أكثر فعالية، وتقوم على مبادئ العدالة والمساواة، ويكون للدول المتوسطة والنامية دور أكبر في مواقع القرار، الذي لا يجوز أن يبقى حكراً على الدول التي إنتصرت في الحرب العالمية الثانية، وأمسكت بخناق القرارات العادلة، من خلال ممارسة حق الفيتو، في الأزمات الأكثر خطورة أحياناً، كما جرى بالنسبة للفيتو الأمريكي الذي عطّل قرارات وقف إطلاق النار في غزة عدة مرات في الأشهر الأولى لإندلاع الحرب.
وإستمرار هذا العجز الدولي في الحد من إستخدام القوة، واللجوء إلى العنف لحل الأزمات المستعصية، من شأنه أن يؤدي إلى إنتشار «ثقافة العنف»، حتى في المجتمعات الأكثر تقدماً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتكرر فيها حوادث القتل والعنف في المدارس والمحافل العامة. ومحاولة إغتيال الرئيس الأميركي ترامب السبت الماضي، لن تكون آخر مشاهد العنف الإجرامي المتصاعد في الولايات الأمريكية.
الحرب على غزة لم تُسقط قناع المفاهيم الغربية المزيفة وحسب، بل ستؤدي إلى تغييرات جذرية في قواعد النظام العالمي.
المصدر: صحيفة اللواء اللبنانية