“اللحوم النظيفة” هو مسمى أطلقه العلماء على اللحوم المصنعة معمليا التي تكون صحية وذات مذاق طيب، ويؤكد العلماء إمكانية إنتاجها بتكلفة أقل من الطرق التقليدية لتربية الحيوانات، حيث عمل متخصصو الكيمياء الحيوية ومهندسو الأنسجة في المختبرات العالمية المتخصصة، على إنتاج جيل جديد منها في شكل “بدائل نباتية” أو “مستزرعة” والتي لا تشبه اللحوم فحسب، بل تحاكيها أيضا في كل صفات شكلها وملمسها ومذاقها ورائحتها.
وتعتمد تقنية الاستزراع المعملي لللحم على زرع خلايا جذعية ذاتية التجدد مأخوذة بإبرة دقيقة من عضلات حيوان حي، وتغذيتها على مصل غني باحتياجات نموها، فتتكاثر وتتضاعف أعدادها، ويتم “نسجها” على هياكل بالغة الدقة لتحاكي شكل الألياف العضلية للحم الحيوان، وبعد أن تأخذ حجمها ومحتواها البروتيني المطلوب، وشكلها المشفى الخالي من العظم تتبل وتطهى.
وتمثل ظروف المختبرات عاملا مهما في إثبات مزايا اللحوم المزروعة في المختبر، مقارنة مع البروتينات الحيوانية التقليدية، إذ تزرع اللحوم في بيئة معقمة، فضلا عن أن هذه الظروف لا تسمح بنمو البكتيريا الخطيرة مثل السالمونيلا، وبذلك يكون المنتج آمنا من التلوث، إلى جانب خلوه من الدهون المشبعة الضارة بالإنسان.
ولذا سيكون بمقدور المستهلك الذي يحب طعم اللحوم الحيوانية لكنه يريد تناول طعام صحي، والفقراء الذين لا يمتلكون المال لشراء اللحوم، والنباتيون ومحبو الطبيعة، تناول ما يشتهون من اللحوم ومنتجاتها، بعدما بات متاحا بفضل العلم إنتاج لحم مفروم وقطع دجاج وسجق وهمبورجر معمليا، دون اللجوء للحوم حيوانات المزرعة المذبوحة.
وبإنتاج هذا النوع من اللحوم يمكن الإعلان عن نجاح الحلول المبتكرة التي بحث عنها العلماء في المختبرات لسد الحاجة المضطردة إلى استهلاك اللحوم، والقضاء على الأزمات المتوقعة منها في المستقبل، بسبب عدم تناسب كميات اللحوم التي يتم الحصول عليها من المراعي الطبيعية، والتى قدرت وفق آخر تقرير أصدرته منظمة الغذاء والزراعة (الفاو) بحوالي 284 مليون طن ستتضاعف بحلول عام 2050، مع الزيادة السكانية المتوقعة في العالم.
ويتوقع العلماء أن تتوفر تلك اللحوم المزروعة معمليا إلى جانب الأنواع التقليدية في الأسواق خلال المستقبل القـريب في ظل التطور السريع لتقنيات إنتاج اللحوم مـن وسائل غير تقليدية، وهذا اللحم المستزرع معمليا، مدين بإنجازه لعلم “هندسة الأنسجة”، وهو أحد روافد التقنية الطبية الحيوية المنطوية على علوم الخلايا الجذعية ذات التطبيقات العديدة فيما يسمى ب “الطب التجديدي”، لكن في حالة استزراع اللحم يتم تحفيز نمو الخلايا إلى حدودها القصوى لحصاد كميات وفيرة في مفاعلات حيوية ضخمة.
وقد بدأت أولى محاولات “استزراع اللحم” بتمويل من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عام 2002، مستهدفة إنتاج لحم أسماك يمكن تنميته في الفضاء لتوفير غذاء بروتيني لرواد الرحلات الفضائية الطويلة، وفي وقت مقارب تم استخدام خلايا جنينية للأغنام وأخرى للضفادع لإنتاج عضلات يمكن استهلاكها كلحوم لإطعام القطط.
وفي عام ٢٠١٣ نبعت فكرة استزراع لحوم بكميات ضخمة لطعام البشر على الأرض من فريق من العلماء الهولنديين العاملين بجامعة ماستريخت، ووقتها أكد البروفيسور مارك بوست رئيس الفريق البحثي الذي قام بتصنيع أول قرص همبورجر في المعمل أن هذه اللحوم ستكون أفضل للبشر، حيث يمكن التحكم في مكوناتها وفي مقدمتها نسبة الدهون، وهو ما من شأنه أن يقلل من الأمراض حيوانية المصدر، وكذلك الأمراض المعدية التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان.
ثم أعلنت إحدى شركات صناعة اللحوم والمختصة بإنتاج اللحوم الاصطناعية بالولايات المتحدة الأمريكية، سعيها لإنتاج لحم شطائر البرجر وطرحها في الأسواق بحلول عام 2018، وأحدث هذا الإعلان ضجة إعلامية كبيرة منذ أول عملية تذوق تم إجراؤها مختبريا في عام 2013، ولاقت تلك الشركات المبتدئة في المجال دعما صريحا من عمالقة وادي السيليكون بالولايات المتحدة أمثال بيل جيتس، واحتدمت الوعود ببيع اللحوم المستنبتة في السوبر ماركت بحلول 2018، وهو ما لم يتحقق.
وفي شهر يونيو الماضي.. أعلنت شركة أخرى توصلها إلى منتج جديد يحاكي ملمس ونسيج اللحوم الحيوانية، مؤكدة أن بإمكانها الآن أن توفر أكثر من مجرد البرجر، إذ أنها بدأت مؤخرا في صناعة اللحوم المفرومة البديلة، والتي تأخذ شكل اللحم المفروم الناعم، ولكن باستخدام مكونات نباتية.
وأكدت أن اللحم البديل الجديد “متعدد الاستخدامات”، إذ يمكن استخدامه في أي طبق كبديل للحم الحيواني المفروم، وأن نسيج اللحم البديل المفروم غنى بالبروتين، ويتمتع بنسيج “ليفي” يشبه نسيج اللحم البقري، رغم أنه مصنوع من مزيج من الحبوب مثل البازلاء والفاصوليا والأرز.
المصدر : أ ش أ