صارت “القنابل القذرة” والتي يتم استخدام المخلفات المشعة في إنتاجها تشكل “إرهابا مستداما” لحياة المدنيين في مناطق المواجهات بين روسيا وأوكرانيا، حيث كلاهما يسعى إلى الصاق تهمة التخطيط للجوء إلى هذا النوع من العمليات بالطرف الآخر واستماله العالم إلى جانبه.
وتنتج المخلفات المشعة عن عمليات إحراق قضبان الوقود النووي في مفاعلات الكهرباء النووية التي تعد محطة زابوريجيا الأوكرانية أحداها تحت سيطرة القوات الروسية، فيما لا تزال ثلاثة مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء تحت سيطرة القوات الأوكرانية.
ويقول الخبراء إن الانفجارات الناجمة عن عبوات تحوي تلك النفايات المشعة وإن كانت لا تحدث دمارا ماديا بالمعنى التقليدي، إلا أنها تتسبب في إحداث دوائر من التلوث الاشعاعي العابر للحدود قد تصل أقطارها إلى مئات الكيلومترات وقد تمتد إلى دول مجاورة لروسيا وأوكرانيا وقد ينجم عنها في حالات التفجير الشديد سحب من الغبار الذري الذي يقضي على أوجه الحياة البشرية والحيوانية والنباتية ويلوث مصادر المياه العذبة وما بها من كائنات بحرية.
وعلى مدى اليومين الماضين، تحدث وزير الدفاع الروسي – بحسب الاسوشيتد برس – مع نظرائه في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وتركيا ناقلا لهم ما في رأس قيادة بلاده من انشغالات بشأن الاستفزازات الأوكرانية واحتمالات تطورها إلى اسخدام (كييف) للقنابل القذرة لإحداث تلوث إشعاعي. وقالت الاسوشيتد برس إن الوزير الروسي قد أطلعهم على ما لدى موسكو من معلومات حول النوايات الأوكرانية وما تقوم به من تحضيرات لاستخدام القنابل القذرة بحسب زعمه.
وكشفت اسوشيتد برس عن أن ما نقله وزير الدفاع الروسي لوزراء الدفاع الغربيين لم يلق قبولا لدى نظرائه الفرنسي والبريطاني والأمريكي، أما الأتراك فقد فضلوا الاستماع “بلا تعليق” في حين رأت أوكرانيا أن روسيا قد تكون هي من يخطط لتنفيذ ضربة إشغاعية بالقنابل القذره والصاق التهمة بأوكرانيا.
أما في العاصمة البليجية (بروكسل).. فقد اعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي – ناتو – جين ستولينبيرج أن ما صدر عن موسكو بشأن “القنابل القذرة” لا يستند إلى أية ادلة تدعمه، وأنه لذلك يتعامل حلف شمال الأطلنطي مع الطرح الروسي على أنه “زعم سخيف” ترفضه الدول الأعضاء في الحلف ويعتبرون كذلك المزاعم الروسية محض افتراءات ويحذرون موسكو من عواقب استخدامها لتزييف الحقائق واختلاق مبررات للتصعيد.
وقال الأمين العام لحلف شمال الاطلنطي – في مؤتمر صحفي “إن الحلف ودوله الثلاثين لن تخيفهم أو تردعهم تلك المزاعم الروسية لوقف ما يقدمونه من دعم لأوكرانيا وحقها في الدفاع عن نفسها.. مهما كلفنا الأمر”.
وفي المقابل، قال ديمتري بسيكوف الناطق باسم الكرملين، “إن موسكو لديها معلومات كاملة عما يجري التحضير له في أوكرانيا الآن لشن هجوم إرهابي إشعاعي، وذلك في إشارة إلى ما يعرف بالقنبلة القذرة، وتعهد بيسكوف قائلا “سنواصل بكل طاقتنا العمل على إطلاع المجتمع الدولي بما لدينا من معلومات حول ما يجري التحضير له في أوكرانيا.. آملين أن يجد ما نقوله أذنا صاغية وتحركا مضادا لمنع أي تصرف غير مسئول قد يقدم عليه نظام كييف”.
في كييف.. ذكرت مؤسسة (انيجيرو اتوم) الأوكرانية – وهي هيئة المسؤولة إدارة المفاعل النووي الأوكراني- إن القوات الروسية تقوم حاليا بنشاط سري فس مفاعل زابوريجيا الأوكرانس الذس يعد أكبر منشأة لإنتاج الكهرباء في أوروبا وأنها أحاطت الوكالة الدولية للطاقة الذرية علما بذلك.
ونقلت وكالة اسوشيتد برس الإخبارية الأمريكية عن مصادر في (انيجيرو اتوم) قولهم “إن الأنشطة الروسية قد تكشف كذب المزاعم الروسية التي تقول إن الجيش الأوكراني يحضر لعمل استفزازي باستخدام مواد ملوثة إشعاعيا وأن أوكرانيا ترفض تلك المزاعم الروسية وتعتبرها مناورة من الكريملين لصرف الانتباه عن ما تجهز له روسيا الآن لتفجير “قنبلة قذرة” من خلال أجسام متفجرة ينتج عن انفجارها مخلفات ملوثة إشعاعيا بهدف بث الرعب.
وزعم مسئولون في الهيئة النووية الأوكرانية “انيجيرو اتوم” – التي تعد الجهاز التابع للحكومة الأوكرانية والمعني بإدارة محطات الكهرباء النووية الأربعة في أوكرانيا – أن القوات الروسية أقامت منشأة سرية ملحقة بمفاعل زابروريجيا ومنعت العاملين الأوكرانيين في المفاعل من دخول المنشأة الجديدة وكذلك منعت مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ارتياده بدون تصريح مسبق للوقوف على حقيقة ما يدور فيه، وهو ما تم إعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية به في مذكرة رسمية لتحذيرها من عواقب ما يجري داخل المفاعل.
واعتبرت “انيجيرو اتوم” أن ما يجري في محيط مفاعل زابوريجيا يشى بقيام العسكريين الروس بالتحضير لعمل إرهابي باستخدام مواد نووية ونفايات مشعة عادة يتم تخزينها كنتاج لعمل المفاعل، وكشفت “انيجيرو اتوم” في بيانها الذي صدر مساء أمس الثلاثاء – عن عدد حاويات تخزين النفايات النووية المشعة.. وقالت 174 حاوية موجودة في مركز تخزين الوقود المستنفذ في مفاعل زابوريجيا، واستطردت أن كل حاوية صغيرة يوجد بها 24 عبوة من الوقود النووي المتسنفذ، وأنه إذا تم استخدام وسائط تفجير لتلك الحاويات الصغيرة فإن الأمر سيتحول إلى كارثة إشعاعية تغطي مئات الكيلومترات المربعة من منطقة التفجير وربما تطال مناطق خارج اوكرانيا في دول جوارها.
يأتي ذلك في الوقت الذي تواصلت فيه الضربات الروسية للعمق الأوكراني مع التركيز على استهداف منشئات البنية التحتية والأهداف الاستراتيجية الأوكرانية، وقالت رئاسة الاركان العامة للجيش الأوكراني – في بيان صدر عنها اليوم – إن 40 تجمعا قرويا في كافة أنحاء أوكرانيا قد طالتها أعمال الإغارة الروسية على مدار ساعات يوم أمس، وهو ما أودى بحياة شخصين على الاقل وإصابة العشرات.
وأضافت رئاسة الأركان الأوكرانية أن القوات الروسية أطلقت 5 صواريخ ونفذت 30 طلعة غارة جوية على المناطق المدنية، فضلا عن أكثر من مائة قذيفة للمدفعية الصاروخية الروسية صبت حممها فوق أهداف حيوية فس العمق الأوكراني.
ووصف بيان رئاسة الاركان الأوكرانية الغارات الروسية بأنها “إرهاب مستدام” نقل حياة الأوكرانيين كل مساء إلى المخابىء التي صارت مكانهم المألوف.
وذكر تقرير لموفد وكالة اسوشيتد برس للأنباء أن تصاعد الهجمات الروسية عبر الوسائل الجوية ونظم الايصال النيراني غير الأرضية بالمدفعية الصاروخية وغيرها إنما يعكس عمق الانتكاسات العملياتيه التي تمني بها القوات الروسية على الأرض في ساحات المواجهة في أوكرانيا التي تصاعدت نبراتها التحذيرية من إقدام القوات الروسية على استخدام “القنبلة القذرة” بما تحدثه انفجراتها من نشر التلوث الإشعاعي في نطاقات واسعة داخل العمق الاوكراني، وما يشكله ذلك من إرهاب قد تتجاوز تأثيرته تلك التي عادة من تنجم عن استخدام الأسلحة النووية.
يأتي ذلك في وقت شهد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدريبات لقوات الدفاع النووي الاستراتيجي على أعمال الإطلاق المتعددة باستخدام مختلف المنصات الخاصة بالمقذوفات الباليستية (أرض – أرض) ومقذوفات الكروز الصاروخية.. وقال وزير الدفاع الروسي سيرجيه شويجو للرئيس الروسي إن التدريب يهدف إلى محاكاة شن ضربة نووية شاملة ردا على ضربة نووية معادية (افتراضية) تعرضت لها روسيا.
فيما اعتبرت الدوائر الغربية أن التدريبات النووية الروسية ووصف وزير الدفاع الروسي للغرض منها بحسب ما تمت الإشارة إليه يعد استعراضا للقوة من جانب موسكو وتلويحا بالقدرة النووية في مواجهة (واشنطن) التي أكدت إدارة بايدن أنها تلقت إخطارا مسبقا من (موسكو) بشأن التدريبات النووية باعتبارها تدريبات روتينية سنوية.
وبحسب بيان صدر عن وزارة الدفاع الروسية، فقد أبلغ وزير الدفاع الروسي سيرجيه شويجو نظرائه في (بكين) و(نيودلهي) بأوجه القلق التي تتملك موسكو حو ما اسماه “الاستفزازات الأوكرانية الممكنة بما في ذلك استخدام كييف للقنابل القذرة”.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)