فى الأردن تعقد جامعة الدول العربية قمتها الثامنة والعشرين، في ظل ظروف صعبة تمر بالمنطقة العربية، ابتداءً من القضية الفلسطينية، واستمرار قتال تنظيم داعش الإرهابي في بلاد الشام والعراق وغيرها، مرورًا بالأزمة السورية ومخاطر تقسيمها، إلى العدوان السعودي على اليمن، وصولًا إلى تشرذم ليبيا، فيما تهيمن على بعض دول المنطقة هواجس تدخلات إيرانية وأدوار تركية، إضافة إلى مخاوف تداعيات التدخلات الغربية العسكرية منها أو السياسية.
فلسطين
في القمة العربية دائمًا ما يتم الترويج لملف فلسطين المحتلة على أنه ملف القضية المركزية الأولى للعرب، ولكن دائمًا ما تتصدر الخلافات العربية العربية المشهد، وتأخذ ملفات الأزمة في سوريا واليمن وليبيا المساحة الأكبر في المناقشات، الأمر الذي يهمش القضية الفلسطينية، خاصة في ظل السعي الحثيث للعديد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع العدو الصهيوني.
السودان الذي كان يفخر بأنه صاحب الأرض في إطلاق اللاءات الثلاثة “لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض” مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، نجده اليوم، وفي أجواء مشابهة لقمة الخرطوم 1967 التي حضرتها كل الدول العربية باستثناء سوريا التي تغيب اليوم أيضًا، نجده يسعى لتطبيع علاقاته مع واشنطن مع عدم إغفال إشارته للتطبيع أيضًا مع تل أبيب، لينضم السودان إلى الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني، وفي أجواء كهذه يصبح الحديث عن وجود مبادرة عربية لحل القضية الفلسطينية حديثا مشوهًا.
المبادرة العربية المطروحة في القمة العربية الحالية تسبقها موجة من الغموض، حيث تردد أن القيادة الفلسطينية المأزومة داخليًا والمتهمة بالخيانة نظرًا لتنسيقها الأمني مع العدو الصهيوني، تسعى لطرح مبادرة جديدة تتعلق بالقضايا الفلسطينية المهمة، ومصير السلام مع “العدو الإسرائيلي”، وذلك بإشراف من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأن المبادرة نوقشت بشكل مكثف، وبجميع بنودها خلال زيارة أبو مازن الأخيرة للقاهرة، ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وأجري تعديل بعض بنودها المتعلقة بقضايا الحل النهائي والسلام مع الكيان الصهيوني.
وفي تسريبات للمبادرة، كشفت مصادر فلسطينية أنها ستكون مستندة إلى مبادرة السلام العربية 2002، ولكن مع بعض التعديلات فيما يخص “اللاجئين، والمفاوضات مع الكيان الصهيوني، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة”، وليس غريبا أن يستبق طرح “مبادرة السلام الجديدة” على الدول العربية تحذيرات من تنازلات خطيرة، على ضوء المبادرة التي أطلقها عباس من برلين قبل أيام، معلناً موافقته على نسبة 22% فقط من أراضي فلسطين التاريخية، والتخلي عن باقي فلسطين لحساب العدو الإسرائيلي.
ويرى محللون أن الدول العربية التي تعتبر نفسها فيما يسمى بمحور الاعتدال لن تكون قادرة على الضغط على إسرائيل، خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به تل أبيب من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.
سوريا
ملف آخر يشكل عقدة حقيقية في العلاقات العربية العربية، فلا توافقات بين القاهرة ومجلس التعاون الخليجي إذا ما تم استثناء سلطنة عمان حول الأزمة السورية، فالرؤية الخليجية تسعى للإطاحة بالرئيس السوري، بشار الأسد حتى لو كلف هذا الأمر تدمير الدولة.
بينما النظرة المصرية تعتمد على الحفاظ على سوريا الدولة ومؤسساتها، فيما يقرر الشعب السوري مصير القيادة لديه، هذا الخلاف بين مصر والخليج ليس بسيطا، خاصة أن دمشق تشكل عمقًا أمنيًا حيويًا للقاهرة، كما أن النظرة للملف السوري يترتب عليه مجموعة من الاصطفافات مع المحاور الدولية كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في هذه القمة فإن عدم عودة سوريا للمشاركة في القمة، يعد خطأً استراتيجيًا، بل خطوة تمهد لموت دور الجامعة العربية، فبغض النظر عن الخلافات العربية حول هذا الملف الشائك، إلا أنه من غير المقبول أن يكون الملف السوري حاضرًا في الأستانة وفيينا وجنيف وموسكو بجميع أطراف الصراع السورية، وأن لا يكون حاضرًا في الجامعة العربية التي من المفترض أن تكون سقفًا لحل المشاكل العربية وليس تعقيدها.
اليمن وليبيا
أصبح الملف اليمني يشكل عقدة مزدوجة فيما يخص الموقف العربي منه، وما يخص الموقف الداخلي لمجلس تعاون دول الخليج، فمصر حتى اللحظة لا تتماهى مع الموقف السعودي بالتدخل الكامل في العدوان على اليمن، بل إن مصادر إعلامية سعودية ألمحت إلى أن القاهرة تقدم دعمًا من نوع ما لأطراف من حركة أنصار الله.
وتبني القاهرة موقفها في عدم الانجرار في المستنقع اليمني، على أن جميع التدخلات في اليمن غالبًا ما تبوء بالفشل نظرًا لتضاريس اليمن الجبلية الصعبة، وتمرس القبائل فيها على السلاح والقتال.
ومن المفترض أن تقوم القمة الراهنة بصنع توافقات بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، الأمر الذي لن يكون من السهولة بمكان، فجلسة الساعة قد لا تحل ملفات عويصة بين الطرفين، فبعيدًا عن الملف اليمني الذي لا تشاطر فيه بعض الدول العربية أيضًا الرأي السعودي كالجزائر، فبين القاهرة والرياض اختلافات في المصالح فيما يخص ليبيا، فمصر تدعم المشير، خليفة حفتر، بينما تدعم الرياض والدوحة الجماعات الإسلامية على اختلاف مشاربها، كما أن الرياض بدأت تتماهى مع سياسة أنقرة، وهو الأمر الذي لا يلقى ترحيبًا من الجانب المصري.
وفيما يخص الملف اليمني، ولكن من زاوية دول الخليج، فإن خلاف بين أبو ظبي والرياض بدأ يطفو على السطح في عدوانهما على اليمن، فالرياض تدعم الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي المسنود بقاعدة إخوانية متمثلة بحزب الإصلاح، بينما الإمارات تدعم حاليًا الحراك الجنوبي وتناهض بضراوة أي توجهات إخوانية في اليمن.
خلافات عربية عربية
هناك الكثير من الخلافات العربية العربية التي هي بحاجة حقيقية للحل، فبين مصر والسودان خلافات على حلايب وشلاتين، وبين المغرب والجزائر خلافات على قضية البوليساريو، وبين لبنان والرياض خلاف على الهبة السعودية للجيش اللبناني وموقف الرياض من تصنيف المقاومة اللبنانية كتنظيم إرهابي، بالإضافة لتواجد حزب الله في سوريا، وخلافات بين مجلس التعاون الخليجي وسلطنة عمان على تقاربها مع إيران، وبالتالي الخلافات العربية معقدة ومتشعبة ولا يبدو أن مزاج الزعماء العرب يريد في الوقت الراهن حلحلة هذه الخلافات في ظل الرؤية التي يحاولون فرضها على جدول أعمال القمة، فالهواجس الخليجية تجاه طهران تحتم تشكيل اصطفافات ضدها، بينما لا تمانع دول الخليج بجميع التدخلات الأخرى في المنطقة سواء كانت أمريكية أو روسية أو تركية أو حتى إسرائيلية.
بارقة أمل
مازالت هناك بارقة من الأمل في جسد القمة المريض، حيث تشير المعلومات إلى أن وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، كشف عن نية السعودية “شطب ديون العراق” وفتح خط طيران من الرياض لبغداد والنجف، كما كشف وزير خارجية العراق، إبراهيم الجعفري، عن وساطة عراقية جارية بين إيران ودول الخليج للمصالحة عن طريق الكويت وسلطنة عمان، ويرى مراقبون أن الحل لعودة إحياء القمة العربية هو إعادة توجيه دفة العداء للكيان الصهيوني، فهو وحده العدو الحقيقي لكل الدول العربية.