تأتي القمة العربية الثامنة والعشرين المقرر عقدها في الأردن في التاسع والعشرين من مارس الجاري، في وقت يواجه فيه العالم العربي تحديات مصيرية في ظل تغيرات إقليمية وعالمية مستمرة، أبرزها التجاذبات والتنافس بين أبرز القوى الدولية، وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة، كما أنها تأتي مع حاجة الدول العربية الماسة لاستعادة زخم العمل العربي المشترك كإطار لمواجهة التحديات المختلفة.
تحضير واستعداد متواصل
وبدأت الخميس الثالث والعشرون من مارس، الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، بمنتجع البحر الميت برئاسة الأردن، وباجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وذلك تحضيرا لاجتماع المجلس على المستوى الوزاري المقرر عقده في السادس والعشرين من الشهر ذاته.
يناقش الاجتماع الملف الاقتصادي والاجتماعي الذي سيُعرض على القمة العربية، والذي يتضمن تقارير حول متابعة تنفيذ قرارات القمم السابقة، بالإضافة إلى موضوع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتحديد المراحل التي وصلت إليها عملية تنفيذ هذه المنطقة والعراقيل التي مازالت تعترضها والمتطلبات الخاصة لإنجاز ما تبقى من هذه المنطقة.
كما يتضمن الملف الاقتصادي والاجتماعي، الاستراتيجية الخاصة بتربية الأحياء المائية 2017-2021، والخطة التنفيذية للمرحلة الثانية 2017-2021 للبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، والاتفاقية العربية لتبادل الموارد الوراثية النباتية وتقاسم المنافع الناشئة عن استخدامها، وذلك في إطار استخدام “اقتصاد المعرفه” في العالم العربي، إلى جانب موضوع يتعلق بتحديات الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد النزاعات في الدول العربية، وإدارة الاستدامة المالية في الدول العربية.
كما يعقد المندوبون الدائمون وكبار المسؤولين اجتماعا يوم 25 مارس لإعداد جدول أعمال ومشاريع القرارات التي ستُعرض على وزراء الخارجية في اجتماعهم التحضيري للقمة العربية والمقرر يوم 27 مارس.
الملفات العاجلة
تكتسب قمة الأردن العربية الـ28 أهمية خاصة لكونها تُعتبر خطوة إلى الأمام من حيث دلالاتها الرمزية وسياقها التاريخي، فهي تأتي بعد اعتذار المغرب عن تنظيم القمة السابعة والعشرين، التي استضافتها موريتانيا عام 2016، ثم اعتذار اليمن عن عدم تنظيم الدورة الثامنة والعشرين للقمة العربية.
ولذلك يمكن القول أن مبادرة الأردن إلى الموافقة على استضافة القمة هي عملية إنقاذ لآلية القمم العربية، حيث أقرت قمة القاهرة 2000 بروتوكول الانعقاد الدوري للقمم العربية كل عام في إحدى الدول العربية بالترتيب الأبجدي، وتمثل قمة الأردن 2017 القمة الدورية الثانية، لأن القمة الدورية الأولى انعقدت في عَمان في 2001، وبذلك تكون القمة العربية أكملت دورتها الأولى في ظل اعتذار بعض الدول عن استضافتها والظروف السياسية والاقتصادية ببعض الدول الأخرى.
وثمّة قضايا وملفات عاجلة ستكون محور المناقشات في القمة، أول هذه الملفات: ملف القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأساسية، وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، التي تحتفظ بمكانتها على قمة أولويات السياسة المصرية الخارجية باعتبارها القضية العربية المحورية، وسعي مصر الدائم إلى إيجاد حل عادل وسلام دائم وشامل يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أكد الرئيس السيسي أن وحدة الموقف العربي الذي يستند على مبادرة السلام العربية، تمثل عنصرًا رئيسيًا في التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية في إطار رؤية حل الدولتين، وفي إطار المبادرة العربية للسلام، والتأكيد على تفعيل القرار الدولي 2334 الصادر عن مجلس الأمن بشأن عدم شرعية الاستيطان.
وستكون القضية الفلسطينية في مضمون وجوهر المباحثات التي سيجريها الرئيس السيسي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته المرتقبة لواشنطن بداية شهر أبريل المقبل.
أما ثاني الملفات العاجلة فهي الأزمات المشتعلة في المنطقة في سوريا وليبيا والعراق واليمن؛ إذ تحرص القمة على الخروج بتصور كامل لحل الأزمة السورية وإنهاء الجدل حولها، بعد أن أصبحت ساحة لعدة قوى تهدف للحرب على التنظيمات الإرهابية، ولاسيما التنظيم الإرهابي “داعش”، الذي يسيطر على بعض المناطق فيها ويقوم بهدم وتدمير المدن والقرى خاصةً الأثرية والتاريخية منها.
الجدير بالذكر أن الجامعة العربية قررت تعليق عضوية سوريا منذ عام 2011، وذلك للضغط على دمشق لتنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة السورية.
كما ستكون الأزمة الليبية وضرورة مواصلة الحوار بين كافة القوى السياسية في ليبيا، والتي ترعاها مصر وكل من تونس والجزائر، محور ارتكاز آخر، خاصة بعد تدهور الأوضاع الأمنية فيها مؤخرًا، وثبات الموقف المصري الداعم لسيادة ليبيا والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وحماية مقدرات شعبها، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي سابقا، حينما أشار إلى أن مصر تولي أهمية كبيرة لعودة الاستقرار إلى ليبيا من خلال دعم بناء المؤسسات الوطنية بالدولة وتعزيز تماسكها، مؤكدًا أن الليبيين فقط هم من يملكون حق تقرير مصيرهم، معربا عن ثقته في قدرة الشعب الليبي على التغلب على التحدي الكبير الذي يواجهه والمتمثل في إعادة بناء دولة حديثة قوية تتمكن من إرساء دعائم الأمن والاستقرار في كافة أنحاء ليبيا.
أما ثالث القضايا والملفات العاجلة هي محاربة التنظيمات الإرهابية: ويكتسب هذا الملف أهمية محورية في ظل، ليس فقط تمدد التنظيمات الإرهابية في مفاصل الكثير من دول المنطقة، وإنما تعداها إلى الدول الغربية، الأمر الذي بات يستلزم توحيد كل الجهود الإقليمية والعالمية لمجابهة هذه الظاهرة.
واستشعارًا لخطورة هذه الظاهرة، جاء القرار الذي أصدرته إدارة الرئيس دونالد ترامب بمنع الأجهزة الإلكترونية داخل مقصورات طائرات 9 شركات طيران في 10 مطارات من 8 دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متّجهة إلى الولايات المتحدة، وبعد ساعات على القرار الأمريكي، حظّرت الحكومة البريطانية وضع أجهزة إلكترونية في حقائب ركاب مسافرين إلى المملكة المتحدة من 6 دول من دول الشرق الأوسط.
ملفات مؤجلة
أما أبرز الملفات التي يمكن تأجيلها أمام القمة العربية الـ 28 بالأردن، ما بين التأجيل المؤقت والتأجيل الممدود، فهي:
أولاً: بناء نظام واضح للأمن القومي العربي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة العربية وتحديد مصادر التهديد بحيث يمكن بناء توافقات على أولويات الأخطار ومصادر التهديد وكيفية مواجهتها، وفي مقدمها التصدي للتعنت الإسرائيلي والتدخلات الإيرانية غير المقبولة في المنطقة.
ثانيًا: ملف إعادة الثقة بين مكونات المنظومة العربية، وإصلاح العلاقات العربية العربية، وإزالة كل الترسبات التاريخية التي قد تُعيق تفعيل العمل العربي المشترك، بما ينعكس إيجابًا على توليد قوة دفع إضافية من ترسيخ ركائز التعاون المشترك بين الدول العربية لمجابهة التحديات الناشئة في عالم بات قرية كونية واحدة.
ويبقى الأمل معقودًا على القمة العربية الـ 28 بالأردن في تحقيق أكبر قدر من العمل العربي المشترك القائم علي وحدة الهدف والمصير.