نقرا من صحيفة القدس العربي في صفحة الراي مقالا عن تأثير مجزرة أورلاندو الاخيرة على الانتخابات الأمريكية
حيث كتبت الصحيفة تقول : ” عندما ضرب الإعصار المدمر «ساندي» يوم 25 تشرين الاول/أكتوبر 2012 منطقة الساحل الشرقي من الولايات المتحدة وخاصة نيوجرسي جاء الرئيس الأمريكي أوباما وكان في أوج حملته الانتخابية للدورة الثانية واصطحب معه حاكم الولاية الجمهوري كريس كريستي. وعندما سئل عن أثر هذا التفقد على الانتخابات التي ستقع بعد أسبوع ضد المرشح الجمهوري مت رامني قال أوباما بما معناه «في وقت الكوارث لا نتحدث عن انتخابات بل عن كيف نساعد المصابين ونقلل من الخسائر ونمد يد العون للمحتاجين». ولكن عندما إرتكب عمر متين جريمته النكراء في الساعات الأولى من صباح الأحد 12 حزيران/يونيو والتي ذهب ضحيتها 49 قتيلا و 53 جريحا، بدأ المرشح الجمهوري دونالد ترامب وبطريقة غبية يجير المأساة لصالح حملته الانتخابية ولم يبد أي نوع من التأثر بل راح يردح للرئيس أوباما على طريقة «ألم أقل لكم ذلك». لم يستطع المرشح الجمهوري إخفاء فرحته بهذه الحادثة حيث قال على حسابه بتويتر «إنني أثمن التهاني التي وصلت لي لأنني كنت محقا بشأن الإرهاب الأصولي الإسلامي.. لا أريد التهاني.. أريد شدة ويقظة.. ينبغي أن نكون أذكياء». جدد ترامب التأكيد على موقفه من ضرورة منع المسلمين من دخول البلاد بل وأكد أنه سيستغل سلطاته الرئاسية ليشمل المنع دولا أخرى لها تاريخ في الإرهاب واتهم هيلاري كلينتون بأنها «تريد أن تنزع سلاح الأمريكيين كي يأتي الإرهابيون الإسلاميون ويذبحوهم». ثم لم خجل من أن يمارس الخداع عندما خرج عن النص المكتوب ليقول عن عمر متين دون أن يذكر إسمه «إنه ولد أفغانيا من أبوين أفغانيين ثم هاجروا إلى الولايات المتحدة» علما أن عمر من مواليد نيويورك. ثم بلغ به التهور أن طالب الرئيس بالاستقالة وهاجمه لأنه يتحاشى إستخدام مصطلح الإسلام الراديكالي ثم وصف المسلمين الذين يحاولون أن يدخلوا الولايات المتحدة بأنهم على شاكلة عمر متين.
ولأن ترامب ليس من الحصافة السياسية في شيء وأقرب إلى بلطجية العصابات الذين جمعوا أموالا طائلة فاستهوتهم فكرة الزعامة، لم يكن يعرف أنه يطلق النار على قدميه، كما يقول المثل الأمريكي. أي أنه بدل أن يحصد نتائج هذا العمل المشين لصالحه إرتد عليه وأصبح أقرب إلى المهزلة وصل الحد بالرئيس أوباما أن يعلن بشكل واضح أنه ليس مؤهلا أن يكون رئيسا للولايات المتحدة.
اعتقد بعض الإعلاميين من أنصار ترامب أن الحادثة جاءت بمثابة نكسة لحملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. لكن هيلاري أيضا أحسنت النأي بنفسها عن إستثمار الفاجعة لأغراض انتخابية. فقد أعلن مدير حملتها الانتخابية في يوم المذبحة نفسه عن إلغاء «الظهور الانتخابي» لهيلاري مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد إعلانه رسميا عن تأييده لها يوم الخميس 11 حزيران/يونيو وذلك بسبب مجزرة أورلاندو.
بالنسبة لهيلاري كلينتون فقد اختارت كلماتها بحذر حتى لا يفهم أنها تستغل الحادثة لأغراض انتخابية واكتفت بتذكير الأمريكيين بسهولة التزود بأسلحة نارية فردية والخطر الذي تمثله «الذئاب المنفردة» والذين من الصعب اكتشافهم. وقالت عبر الهاتف لقناة «ان بي سي»، «كان لدينا حظر على الأسلحة شبه الأوتوماتيكية الهجومية وانتهت مهلته ويجب إعادة تطبيقه». ففي 1994 أقر الكونغرس حظرا لمدة عشر سنوات على صنع وبيع بعض الأسلحة شبه الأتوماتيكية، لكن ثغراته الكثيرة أجازت للمنتجين التحايل عليه ولم يجدده النواب مع إنتهاء مدته. وقالت كلينتون إن «لوبي الأسلحة نشر الذعر بين الناخبين» مشددة على ضرورة إيلاء هذا الملف أهمية من بين رهانات الانتخابات.
وكانت إستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تشير إلى تقدم كبير لهيلاري على حساب منافسها الجمهوري بعد ضمانها لترشيح الحزب الديمقراطي لها لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فحسب نتائج إستطلاعات الرأي في أمريكا فقد ظلت هيلاري محافظة على تقدم يتراوح بين 7 إلى 10 في المئة وخاصة بعد إعلان الرئيس تأييده لترشيحها يوم الخميس قبل الحادثة بثلاثة أيام.
بعض الخبراء اعتقدوا أن هذا الفارق سيتغير ويقلص ترامب الفارق إلى نقطة أو نقطتين ولو مرحلياً بعد مجزرة أورلاندو التي توصف بأنها المجزرة الأبشع التي ألمت بالبلاد منذ تفجيرات سبتمبر 2001 والأكبر في تاريخ الولايات المتحدة بالقتل المتعمد بالرصاص. لقد تذكر المحللون أن مذبحة سان برناردينو يوم 2 كانون الاول/ديسمبر 2015 والتي ذهب ضحيتها 14 قتيلا و 17 جريحا على أيدي الباكستاني فاروق وزوجته تاشفين مالك هي التي رفعت أسهم دونالد ترامب وساهمت في تفوقه على منافسيه من الحزب الجمهوري إذ إن الأمريكيين في حالة الخوف يتمنون أن يقودهم رجل قوي قادر على التصدي للإرهاب.
استمر المرشح الجمهوري في إستثماره لواقعة أورلاندو وذلك بتكثيف هجومه على مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس أوباما ووصل به الحد أن يتهم كل مسلمي الولايات المتحدة الذين يتجاوزون الخمسة ملايين متهما إياهم بعدم التعاون مع السلطات للكشف عن مشبوهين مثل منفذ اعتداء اورلاندو. قال ترامب في مقابلة هاتفية مع شبكة «سي إن إن» «نحتاج إلى مراكز لجمع المعلومات. فالناس في المنطقة والناس في الحي يعلمون بوجود أمر مريب بشأن المهاجمين المحتملين لكنهم لا يتصلون بالشرطة ولا يبلغون عنهم لمكتب التحقيقات الفدرالي. على المسلمين الإبلاغ عن هؤلاء الأفراد». وأضاف «حاليا لدينا آلاف من المقيمين في الولايات المتحدة وقلوبهم مليئة بالكراهية إنهم يكرهون النساء والمثليين والأمريكيين». وعندما يقول يكرهون الأمريكيين يعني أنه يعاملهم على أنهم ليسوا أمريكيين وإلا كيف يكرهون أنفسهم.
بعد أن كان الخطاب السائد في الساعات والأيام الأولى بعد الحادثة حول الإرهاب والإسلام والتطرف، أخذ الحديث منحى جديدا بعد كشف العديد من المعلومات التي تشير إلى أن القاتل إنما كان مثليا يحاول أن يخفي حقيقته على أهله وذويه. بل كان يتردد على نوادي المثليين ويقيم صداقات معهم ويحمل على هاتفه عددا من التطبيقات لخدمات المثليين لترتيب المواعيد والعلاقات الرومانسية. كما تكشفت المعلومات على أنه كان مصابا بما يشبه إنفصام الشخصية فمن جهة يتردد على نوادي المثليين ويتعاطى الكحول والمخدرات ومن جهة أخرى يزور المسجد ويظهر للجالية المسلمة أنه واحد منهم. أصبح الخطاب يركز على أنها جريمة كراهية ضد المثليين فحسب ولا علاقة لها لا بالإسلام ولا باي دين ولا بالإرهاب. وقبض على شخص آخر محمل بالأسلحة والمتفجرات وعمره 20 سنة مساء السبت في منطقة لوس أنجلوس كان سيندس بين المشاركين في «مسيرة الافتخار» للمثليين يوم الأحد. لكن لأن المقبوض عليه أمريكي ليس من خلفية مسلمة لم تأخذ الحادثة زخمها الطبيعي.
ففي حين ظل الجمهوريون يثيرون مسألة الإرهاب الخارجي الممثل بالمسلمين وضروة وجود قيادة منيعة قوية للتصدي لهذا الخطر، ركز الخطاب الديمقراطي على سهولة الحصول على السلاح وعلى حقوق المثليين مذكرين الرأي العام بمذابح شبيهة قام بها غير المسلمين مثل مذبحة الأطفال في نيوتن بكناتكت ومذبحة السينما في كولورادو ومذبحة جامعة فرجينيا.
إذن محاولة استثمار الحادثة من قبل ترامب وأنصاره تراجعت وتعرضت لنكسة بسسب إجاباته المتهورة وغير المدروسة والتي أظهرته بأنه لا يتمتع بصفات قيادية ولا يحترم القوانين وكأنه يتحرك من دوافع شخصية واجتهادات فردية.
وقد أظهر آخر إستطلاع للرأي العام صباح الخميس 16 يونيو أن هيلاري تتفوق عليه بستة أو سبعة نقاط على الأقل حسب استطلاع أجرته محطة» سي بي إس» يظهر أن هيلاري تتمتع بتأييد من 43 في المئة من الشعب الأمريكي بينما يؤيد ترامب 37 في المئة. وبينما حصلت هيلاري على تأييد 50٪ للتعامل مع الأزمات الدولية مقابل 43٪ لترامب. وهي تقريبا النسب نفسها قبل الحادث. ومن المتوقع أن تبدأ أسهم هيلاري ترتفع بعد مرور عاصفة أورلاندو والعودة إلى المنافسة الطبيعية. لقد كان لخطاب أوباما ردا على اتهامه بعدم إستخدام مصطلح الإسلام الراديكالي أثر سلبي على ترامب حيث أثبت أوباما بأنه يجهل أصول العمل السياسي مؤكدا أن تغيير الإسم لا يعني الكثير لكنه قد يــكــون مسيــئا لأكثر من مليار مسلم وفي نفس الوقت لا يحل مشكلة المتطرفين من كل الأديان والخلفيات.
تعودنا أن نرى الشعب الأمريكي يتحد عند المصائب والحوادث الكبرى كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وإعصار ساندي ومذبحة الأطفال في نيوتن. فكلما وقعت كارثة من صنع الطبيعة أو من صنع الإنسان يترك الأمريكيون خلافاتهم جانبا ويتعاملون مع المأساة بروح الجماعة على إعتبار أن «أي إعتداء على واحد منا هو إعتداء علينا جميعا». لكن حادثة أورلاندو لم تحظ بمثل هذا الإجماع خاصة وأن قضية المثليين ليست موضع إجماع. فقد وقف الراهب روجر هيمينيز من الكنيسة المعمدانية شمال كاليفورنيا ليقول علنا «على المسيحيين أن لا يعلنوا الحداد على مقتل 50 مثليا». وأضاف «أظن ما قام به عمل عظيم ويساعد المجتمع وأعتقد أن أورلاندو الآن أكثر أمنا. المشكلة ليس في قتل الخمسين بل المصيبة أن عددا منهم لم يقتل. إنني جدا منزعج لأنه لم يكمل مهمته ويجهز عليهم». وتخيلوا معي لو أن هذا التصريح أطلقه أحد أئمة المساجد في الولايات المتحدة.