اهتمت الصحف العربية الصادرة اليوم بالحديث عن الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد في ظل تخاذل المجتمع الدولي طوال أكثر من خمس سنوات تجاه الشعب السورى.
حيث قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحيتها: لعلّ أغرب ما في الاتفاق الأميركي ـ الروسي حول سوريا هو أنه طالب الأطراف المتنازعة الالتزام به من دون أن تعرف بتفاصيله الخفية التي لم تطلع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حلفاءهما عليه، فإذا كانت فرنسا تطالب على لسان رئيسها فرانسوا أولاند واشنطن بإطلاعها على خفاياه باعتبارها أحد شركائها في “التحالف الدولي” فما بالك بأطراف النزاع الأقل شأناً ووزناً؟.
وتابعت: يبدو أن التحفّظ هو من الطرف الأميركي فحسب، فالواضح أن جلسة مجلس الأمن الدولي لمناقشة الاتفاق التي جرت مؤخراً جاءت بضغط من روسيا التي ترى أن من مصلحتها نشر بنود الاتفاق لإعطائه طابعاً شرعيّاً أمميّا، وهو ما يعني، بالضرورة، أن موسكو ترى أن الرياح في سوريا تجري لمصلحتها وأن عليها استغلال هذه الفرصة قبل رحيل إدارة الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري.
وأضافت الصحيفة: ما فهمه المجتمع الدولي وأطراف النزاع الإقليميون والمحلّيون هو أن الاتفاق الأميركي ـ الروسي يجبّ ما قبله من اتفاقات و”تحالفات”، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة، التي أعاد مبعوثها ستافان دي ميستورا تدوير زواياها لتتناسب مع ما اتفق عليه الأميركيون والروس، وتجيء محاولة تشريعها أممياً لتحويل الوصاية الروسية على سوريا (بغطاء أميركي) إلى وصاية مختومة بختم الأمم المتحدة.
وأضافت: إن سبب الرضا الروسيّ عائد لأسباب كثيرة منها أن اتفاق موسكو وواشنطن ينهي عمليّا فاعلية ما يسمى بـ”أصدقاء الشعب السوري” ويفرغ التحالف الدوليّ الذي يضم أميركا ودولا غربيّة وعربية من معناه.
وتابعت: سوريّاً، يسجّل الاتفاق أيضاً تراجعاً عن فكرة “الحكومة الانتقالية” ومسخها لتصبح “حكومة محاصصة طائفية” نموذجها هو الحكومة العراقية (وقبلها نظام الحكم اللبناني)، في كسر نهائيّ لطموحات الشعب السوري الذي ثار لإسقاط النظام الوحشيّ المسئول عن مقتل مئات آلاف المدنيين وتهجير نصف عدد السكان وتحويل مدن ومناطق بأكملها إلى خراب شامل، وتغيير الديموغرافيا الاجتماعية لمناطق كبيرة سوريّة لصالح “حزب الله” اللبناني، وتسليم السيادة السورية إلى إيران وروسيا.
وأضافت: إنه وقبل ذلك، توافق الروس والأميركيون على تهديم المعارضة السورية المسلّحة من خلال اعتبار تنظيم “جبهة فتح الشام”، رغم إعلان انفصاله عن تنظيم “القاعدة”، هدفاً للقصف (مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي كان الهدف المعلن لنشوء التحالف الغربي)، وهو ما سيؤدي إلى مجازر داخليّة كبيرة في صفوف المعارضة، ويبدو أن الاتفاق تجنّب كل ما يمسّ بحلفاء النظام من ميليشيات طائفية أجنبية.
وأضافت: لقد كان لافتاً للنظر في الأيّام الأولى للاتفاق على انسحاب الجيش السوري وفصائل المعارضة من المناطق المحيطة بطريق «الكاستيلو» المؤدي لمناطق حلب الشرقية المحاصرة أن الوحدات التي تحلّ محل جيش النظام هي وحدات روسيّة بدلاً من وحدات للأمم المتحدة، كما ينص الاتفاق، وهو ما يحمل افتراضاً ضمنياً أن روسيا صارت طرفاً محايداً في الصراع السوري.
وتابعت: أيضا كما كان لافتاً أيضاً أن وحدات «الحماية الشعبية» الكرديّة استعاضت عن علمها الكرديّ بعلم أميركي رفعته على مبنيين في بلدة «تل أبيض»، بدلاً من راية الأمة الكردية التي تقاتل باسمها، وهو ما يحمل بدوره إشارة إلى تهافت المعاني السياسية وتحوّل الأطراف على الأرض إلى «وحدات حماية» لمصالح أميركا وروسيا وإيران.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إن الوضع السوريّ صار أشبه بلعبة استبدالات غريبة، فاتفاق روسيا وأميركا يستبدل التحالفات السابقة، وروسيا تستبدل النظام من ناحية، والأمم المتحدة من ناحية أخرى، وأكراد حزب “الاتحاد الديمقراطي” (وهو حزب ماركسي لينيني) يرفعون راية «الإمبريالية» الأميركية، فيما يرفع غيرهم، ضمناً، مصالح إيران وراياتها فيما تذوب جثة مفاهيم السيادة والوطنية السورية في أسيد حرب النظام على شعبه، وصلاة رئيسه الضاحكة في بلد أخلاها من كل سكانها.